اغتيال إيزادي.. حماس أمام تحديات وجودية!
في قلب مشهد إقليمي يغلي على صفيح ساخن، تتوالى فصول "حرب الظل" بين إسرائيل وإيران، التي لا تلبث أن تكشف عن وجوه جديدة وتداعيات أعمق. نبأ اغتيال اللواء سعيد إيزادي، الذي وُصف بـ "مهندس الظل" للعلاقات بين طهران والفصائل الفلسطينية، ليس مجرد حادث أمني عابر، بل هو ضربة موجعة في عمق الشبكة الإيرانية، تحمل في طياتها تحولات استراتيجية محتملة على ميزان القوى في المنطقة، فإيزادي لم يكن مجرد اسم على قائمة العقوبات أو هدفًا أمنيًا، بل كان الشريان الحيوي الذي يغذي محور "المقاومة" بالدعم، من تمويل وسلاح وتدريب، لا سيما للفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس.
فقد كان دوره محوريًا بشكل لا يمكن الاستهانة به، فمنذ عقود، نسج إيزادي بخبرته وعلاقاته شبكة معقدة لضمان تدفق الدعم اللازم، متجاوزًا كل العقبات. أغلب الظن أن بصماته كانت جلية في كل عملية تسليح أو تمويل كبرى، مما جعله عنصرًا لا غنى عنه في معادلة الردع والمواجهة وبالتالي، فإن غيابه لا يترك فراغًا في الهرم القيادي فحسب، بل يفكك آلية عمل متكاملة، استغرقت سنوات لبنائها وإحكامها، ويفرض تحديًا حقيقيًا على قدرة إيران على الاستمرارية بنفس الوتيرة والفعالية. هذا الارتباك في شبكة الدعم يأتي في لحظة دقيقة، حيث تتعاظم فيها التوترات الإقليمية، وتتبلور فيها محاور جديدة، مما يضاعف من تأثير هذه الضربة.
ولا تقتصر تداعيات اغتيال إيزادي على الشبكة الخارجية للدعم، بل تمتد لتلقي بظلالها على "محور المقاومة" برمته، الذي يبدو وكأنه يواجه عاصفة من التحديات الداخلية والخارجية. إيران، التي تُعد الركيزة الأساسية لهذا المحور، تعاني من ضغوط داخلية متزايدة، فالأزمات الاقتصادية الخانقة والاضطرابات الاجتماعية المتكررة، جميعها عوامل تُقلص من قدرة طهران على تقديم الدعم لوكلائها الإقليميين بنفس القدر الذي كانت عليه سابقًا. هذه الانشغالات الداخلية تُقلل من هامش المناورة وتجعل النظام الإيراني أكثر عرضة للضغط الخارجي.
وما يزيد من تعقيد المشهد، الاختراقات الأمنية المتكررة التي يتعرض لها الحرس الثوري الإيراني، فبين الفينة والأخرى، تتوالى الأنباء عن استهداف قيادات ومنشآت حساسة، في دلالة واضحة على وجود هشاشة أمنية مثيرة للقلق. هذه الاختراقات، سواء كانت نتاجًا لعمل استخباراتي معادي محكم أو نتيجة لضعف داخلي، ترسل إشارات قوية إلى خصوم إيران بأنها ليست في أفضل حالاتها، وأنها قد تكون أكثر قابلية للضغط والتصعيد. إن استمرار هذه الضربات النوعية، في ظل غياب رد إيراني بحجم الضربة، يعكس مأزقًا حقيقيًا لطهران.
في خضم هذه التحولات المتسارعة، تجد حركة حماس نفسها أمام مفترق طرق استراتيجي، قد يحدد مسارها المستقبلي. لطالما اعتمدت الحركة بشكل كبير على الدعم العسكري والمالي الإيراني، الذي كان يشكل ركيزة أساسية في استراتيجيتها للمواجهة. ولكن مع غياب إيزادي، وتأثر شبكة الدعم الإيرانية، تفرض هذه التطورات إعادة تقييم شاملة لأدوات المواجهة والخيارات المتاحة أمام الحركة.
إن تراجع أو انقطاع هذا الدعم، سيضع حماس أمام خيارات بالغة الصعوبة، فالضغوط الميدانية المتزايدة في قطاع غزة، والوضع الإنساني الكارثي، إضافة إلى الضغوط المالية الخانقة، كلها عوامل قد تدفع الحركة نحو خيارات أقل تصعيدًا، أو على الأقل، إلى البحث عن مصادر دعم بديلة، وهو أمر ليس باليسير في ظل الظروف الراهنة. لعل حماس ستجد نفسها مضطرة لإعادة النظر في هيكل عملها، وتكييف استراتيجيتها العسكرية بما يتناسب مع الموارد المتاحة، وربما التركيز على أشكال أخرى من المقاومة. هذا لا يعني التخلي عن خيار المقاومة، بقدر ما هو إعادة تموضع وتكيّف مع واقع جديد يفرضه غياب "مهندس الظل" وتبعاته على محور الدعم.
في المحصلة، يمثل مقتل سعيد إيزادي نقطة تحول محورية، لا سيما في سياق التصعيد المستمر بين إسرائيل وإيران، فبينما تسعى طهران لاحتواء تداعيات هذه الضربة، تواجه فصائل "محور المقاومة" تحديات غير مسبوقة. أما حماس، فتقف على أعتاب مرحلة جديدة، تتطلب منها مرونة استراتيجية وربما جرأة في اتخاذ قرارات مصيرية لضمان استمراريتها في ظل واقع إقليمي ودولي يزداد تعقيدًا وتشابكًا. فهل نشهد تحولات جذرية في طبيعة الصراع، أم أن الأطراف ستتمكن من تجاوز هذه التحديات، والعودة إلى نفس النهج، وإن كان بصورة مختلفة؟ يبقى المشهد مفتوحًا على كل الاحتمالات، في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة من تطورات.