الأحزاب العراقية، أعداء الأمس أصدقاء اليوم من اجل السلطة

فشل التحالفات لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر تحقيق أهدافها يدفع الأحزاب للتفاوض مع خصومها بدلا التمسك بالتقارب مع أصدقائها في محاولة جديدة لضمان المناصب.

بغداد - بعد شهرين على الانتخابات العراقية فشلت الكتل السياسية في التقدم خطوة واحدة نحو تشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما اجبر أحزاباً متخاصمة إلى الجلوس على طاولة واحدة في محاولة جديدة لكسر جمود العملية السياسية.

يبدو أن التحالفات التي أعلنت على مدى الشهرين الماضيين لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر فشلت في تحقيق أهدافها، ودفعت الأحزاب إلى إعادة النظر في المفاوضات من جديد عبر التفاوض مع خصومها بدلا عن التمسك بالتقارب مع أصدقائها التي تتقاسم الرؤى والأهداف المشتركة.

السبت الماضي عقد اجتماع يمكن وصفه بالتاريخي جمع أعداء الأمس، إذ التقى وفد مشترك من "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، وائتلاف "الفتح" بزعامة هادي العامري مع زعيم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" مسعود بارزاني في أربيل لمناقشة تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان التي تمتلك صلاحية اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة.

قبل أسابيع قليلة كانت هذه القوى الثلاث داخلة في حرب إعلامية شرسة بدأت مع تنظيم إقليم كردستان استفتاء الانفصال عن العراق في أيلول (سبتمبر) العام الماضي، واشتدت بشكل اكبر مع دخول قوات الجيش العراقي و"الحشد الشعبي" إلى مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها بعد انسحاب قوات البيشمركة منها.

ومنذ ذلك الوقت، مسؤولو "دولة القانون" و"الفتح" ووسائل الإعلام التابعة لهما يصفون قوات البيشمركة التابعة إلى بارزاني بالمليشيات ويتهمون بارزاني بالعمالة، بينما يصف مسؤولو "الديمقراطي الكردستاني" قوات "الحشد الشعبي" بالميليشيات، ويعتبرون أن كركوك محتلة من قبل قوات الأمن العراقية.

ولكن أزمة تشكيل الحكومة أجبرت الأحزاب الثلاثة للجلوس على طاولة واحدة لتضع حدا للحرب الإعلامية وتبدأ مرحلة جديدة، كما أن هذا اللقاء المفاجئ كان هدفا للأخبار الكاذبة، إذ انتشرت وثيقة على مواقع التواصل الاجتماعي على أنها اتفاق بين الأطراف الثلاثة ينص على منح منصب رئيس الجمهورية العراقية إلى مسعود بارزاني بدعم من المالكي والعامري في المقابل يدعم "الديمقراطي الكردستاني" المالكي لرئاسة الوزراء، وهي وثيقة غير صحيحة نفاها مسؤولو الأطراف الثلاثة.

العامري والمالكي
تحالفات المصلحة

وتقول عضو "الديمقراطي الكردستاني" نجيبة نجيب إن "الوثيقة التي انتشرت حول اتفاق مع دولة القانون والفتح غير صحيحة، ولكن الاجتماع أسفر عن تقارب كبير في وجهات النظر"، وتضيف أن "حزبنا يطالب بتطبيق الدستور وعودة قوات البيشمركة ضمن القوات العراقية إلى مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها في صلاح الدين وديالى ونينوى".

الأحد الماضي عقد اجتماع استثنائي جمع الأحزاب السنية المتخاصمة للمرة الأولى، تحالف "القوى العراقية" الذي يقوده جمال الكربولي العدو اللدود لـ"الحزب الإسلامي" بزعامة سليم الجبوري، و"القرار العراقي" بزعامة أسامة النجيفي، بحثوا أخيراً تشكيل تحالف موحد يقود المفاوضات مع الأحزاب الشيعية والكردية.

حتى قبل أيام قليلة كانت هذه الأطراف تتبادل الاتهامات حول تزوير الانتخابات في المحافظات السنية الانبار، الموصل، صلاح الدين، وديالى، ودخلت في حرب إعلامية على مدى الشهور الماضية من اجل التنافس على المناصب الإدارية في هذه المدن بعد طرد المتطرفين منها العام الماضي.

القوى السنية حاولت منذ إعلان نتائج الانتخابات الدخول في مفاوضات منفصلة مع الأحزاب الشيعية والكردية من اجل الحصول على فوائد اكبر في الحكومة الجديدة، ولكن هذه المفاوضات فشلت في تحقيق هدفها بسبب المقاعد المحدودة لكل حزب، ولهذا فكرت في التحالف معا لتوحيد مقاعدها البرلمانية لكي تكون مؤثرة في المفاوضات.

ائتلاف "تحالف القوى العراقية" و"الوطنية" و"القرار العراقي" هي ابرز الأحزاب السنية الفائزة في الانتخابات وحصلت جميعها على نحو (50) مقعداً بانتظار إعلان النتائج النهائية بعد انتهاء إعادة عملية العد والفرز يدوياً.

محمد الحلبوسي القيادي في "تحالف القوى العراقية" قال تعليقا على الاجتماع "حتى الآن لا يوجد أي تحالف بين الكتل السنية، والحديث عن إعلان تحالف مبكر يستبق إعلان النتائج بشكلها النهائي"، وأضاف أن "اجتماع القوى السنية كان تداوليا، وتم فيه استعراض جملة من اللقاءات مع الكتل السياسية الأخرى".

أعضاء في الأحزاب السنية نفوا وجود اتفاق رسمي فيما بينها حتى الآن، إلا أن الاجتماع ناقش في الحقيقة قضايا مهمة، وكان نقطة تحول داخل الأحزاب السنية التي طالما تعاني من الانقسام والتفكك وتمنع من تشكيل تكتل موحد يعكس إدارة المدن السنية التي تعاني الدمار والبطالة والمشكلات الأمنية المتواصلة.

مقتدى الصدر
مازالت صعبة على الصدر

ويقول مسؤول سني رفيع المستوى طلب عدم الإشارة إلى اسمه إن "القضية الرئيسية التي تثير اهتمام الأحزاب السنية المجتمعة هو منصب رئيس البرلمان المخصص للسنة، وتم مناقشة حول المرشح السني لهذا المنصب، وستتواصل الاجتماعات من اجل التوافق على شخصية واحدة من اجل الظهور أمام الأحزاب الشيعية والكردية في موقف موحد وليس مفككا".

منتصف الشهر الماضي، فاجأ رجل الدين مقتدى الصدر الذي فاز تحالفه "سائرون" في المرتبة الأولى في الانتخابات الجميع وأعلن تحالفه مع تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري بعد سنوات من العداء المتبادل بين أعضاء التحالفين والتباين الواسع في المواقف السياسية.

ويبدو أن التحالف ليس على ما يرام، وهو نتيجة ضغوط مارستها إيران على الصدر الذي يسعى منذ سنوات إلى استقلال القرار العراقي والابتعاد عن النفوذ الإيراني وباقي الدول المجاورة، فالصدر ما زال مصرا على موقفه المعادي للمالكي الذي يحظى بدعم إيراني واسع.

وبدا الصدر منذ أيام متشائما إزاء مفاوضات تشكيل الحكومة، ونشر تغريدات تشير إلى أن ضغوطا كبيرة تمارس عليه وعلى القوى السياسية، وقال الاثنين الماضي في تغريده له على "تويتر": انه "على الكتل السياسية قطع الحوار بشأن تشكيل التحالفات مع أمريكا ودول الجوار، هذا شأننا نحن العراقيين فقط لا غير".

وفي الأسبوع الماضي، قال الصدر أيضا في لهجة غاضبة "لن نسمح بان يدار العراق من خلف الحدود، العراق سيدار بأيدٍ عراقية وطنية خالصة وبتحالفات نزيهة بعيدة عن المحاصصة الطائفية".

حتى الآن لا تحالفات رسمية بين الأحزاب العراقية، والجميع مازال ينتظر نتائج عملية إعادة العد والفرز للنتائج يدويا من قبل مفوضية الانتخابات المشكلة من القضاء العراقي، ومع إعلان المحكمة الاتحادية المصادقة على النتائج ستكون هناك جولة مفاوضات جديدة وحاسمة هذه المرة لحسم تشكيل الحكومة الجديدة.