الأذرع الإيرانية في العراق تتورط في مقتل المحتجين

الحكومة العراقية تتجنب تحميل المسؤولية عن إصدار أوامر قتل المتظاهرين لقيادات سياسية وأمنية في الحشد الشعبي المتهمة بتنفيذ أوامر طهران، ما يعمق أزمة عبدالمهدي بصفته القائد العام للقوات المسلحة.
نحو 250 متظاهرا قتلوا برصاص مسلحين من بينهم موالين لإيران
المشهد العراقي منفتح على مزيد من التعقيد في ظل تنامي التدخل الإيراني
الحكومة العراقية متهمة بالتستر عن هوية القناصة المجهولة

بغداد - تدل شهادات نشطاء مدنيون وشهود عيان ومنظمات حقوقية، على تورط ميليشيات عراقية مسلحة موالية لإيران، في مقتل نحو 250 متظاهرا عراقيا منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول موعد بداية الاحتجاجات المناهضة للنظام "الفاسد" وتنامي النفوذ الإيراني، فيما يحمل العراقيون المسؤولية إلى رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي بصفته القائد العام للقوات المسلحة.

وأشارت تصريحات متكررة لقادة في فصائل الحشد الشعبي التي تضم فصائل شيعية عراقية موالية لإيران، أنها قمعت بالرصاص الحراك الشعبي تحت عنوان التصدي لمؤامرة خارجية.

وكانت فصائل الحشد الشعبي قد ارتكبت الجمعة الماضي، مجزرة بحق المتظاهرين الذين خرجوا تنديدا بفساد المسؤولين وتنامي النفوذ الإيراني، في تجدد لاحتجاجات عابرة للطائفية لم تهدأ منذ أسابيع، حيث قتل برصاص ميليشيا 'عصائب أهل الحق' أكبر فصائل الحشد الشعبي ما لا يقل عن 25 محتجا في يوم واحد.

وسبق للميليشيات الشيعية التي تدربت في إيران وتدين لها بالولاء أكثر من ولائها للعراق، أن حاولت فض الحراك الشعبي العراقي وسط معلومات أكدت قبل أيام تورط تلك الميليشيات في قنص متظاهرين في الأيام الأولى منذ انطلاق الحراك الشعبي.

وكان تقرير لوكالة رويترز قد نقل عن مسؤولين أمنيين عراقيين قولهما إن قناصة تابعين لميليشيات مدعومة من إيران اعتلوا الأسطح وأطلقوا النار على المتظاهرين خلال الاحتجاجات.

وذكر التقرير نقلا عن مسؤولين عراقيين قولهم إن هؤلاء المسلحين كانوا تحت إمرة القيادي في الحشد الشعبي أبو زينب اللامي، في وقت تداولت فيه وسائل إعلام ومواقع تواصل خبر انضمام اللامي إلى اللجنة المكلفة بالتحقيق في معرفة المتورطين في قتل المشاركين في التظاهرات.

كما سبق أن أفاد مسؤولان أمنيان عراقيان لرويترز، بأن فصائل مدعومة من إيران نشرت قناصة على أسطح البنايات في بغداد لاستهداف المحتجين.

وسبق أن أبدت فصائل الحشد الشعبي تزامنا مع بداية المظاهرات في العراق مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، استعدادها للتدخل لإخماد الحراك الشعبي، في وقت قام مسلحون مجهولون بالاعتداء على مكاتب قنوات تلفزيونية عربية تغطي الأحداث على مدار الساعة، وسط اعتقاد بأن من اعتدى على مكاتب تلك القنوات هم من الميليشيات الشيعية الموالية لطهران.

وتعتقد منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية، استنادا إلى مقابلات أجرتها مع نشطاء شهدوا مقتل محتجين، أن قوات الأمن العراقية استخدمت الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين في حملة قمع وصفتها المنظمة بـ"المروعة".
وتهدف القوى الأمنية "لمضايقة وترهيب واعتقال الناشطين السلميين، والصحفيين والمحتجين"، بحسب هذه المنظمات.

من جانبها، تتحدث الحكومة العراقية عن أن قادة القوات الأمنية فقدوا سيطرتهم على بعض عناصرهم خلال الاحتجاجات (الموجة الأولى مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري) ما أدى إلى حالات قتل لـ149 مدنياً وإصابة 4207، وفق تقرير للجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة العراقية.
ويصر المحتجون على أن موقف حكومة عادل عبدالمهدي تتجنب تحميل المسؤولية عن إصدار أوامر القتل، للمسؤولين الحقيقيين وهم قيادات سياسية وأمنية وأخرى في "الحشد الشعبي" متهمة بتنفيذ أوامر إيرانية.

وترأس لجنة التحقيق وزير التخطيط، نوري الدليمي، وهو عضو في الحكومة التي يترأسها عبدالمهدي الذي "يتهمه"، محتجون بأنه المسؤول عن حوادث القتل بصفته القائد العام للقوات المسلحة في ذات الوقت الذي يشكك فيه المحتجون بـ"مصداقية" التحقيق للجنةٍ يرأسها وزير.

وسبق لوزارة الدفاع العراقية أن أقرت بـ"استخدام مفرط للقوة" ضد المحتجين.

ودعت المرجعية الشيعية حكومة عبدالمهدي إلى محاسبة المسؤولين عن قتل المحتجين في أوائل أكتوبر/تشرين الأول.

وخلصت اللجنة المكلفة بالتحقيق في قتل محتجين خرجوا في الأول من أكتوبر/تشرين الأول لعدة أيام، إلى تحميل مسؤولية ذلك لقادة أمنيين نتيجة استخدام "القوة المفرطة وإطلاقهم الرصاص الحي".

ويذكر أن 70 بالمئة من القتلى كانت إصابتهم بالرأس والصدر وفقا للتقرير الذي قدّر أعداد القتلى بـ149 مدنيا و8 من القوات الأمنية، مع العثور على أدلة على أن قناصة استهدفوا محتجين من مبنى عالٍ وسط بغداد، وأشار إلى جرح 3458 متظاهرا و363 عنصرا أمنيا.
 

رصاص القناصة لا يمنع العراقيين من الاحتجاج تنديدا بتنامي النفوذ الإيراني
رصاص القناصة لا يمنع العراقيين من الاحتجاج تنديدا بتنامي النفوذ الإيراني

أشار التقرير إلى أدلة توثق استهداف المحتجين من مبنى قرب ساحة التحرير في بغداد برصاص القناصة، لكن التقرير تجنب التطرق إلى هوية هؤلاء مع اتهامات من ناشطين في الاحتجاجات بتستر الحكومة عن الكشف عن هوية وانتماء القناصين.

تأكيدات التقرير على أن "الجهات المسؤولة لم تصدر أي أوامر بإطلاق الرصاص الحي على المحتجين"، أثارت الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والمحتجين حول التناقض بين ما جاء في التقرير والإجراءات الحكومية التي "اكتفت" بإقالة عشرات القيادات الأمنية، منهم قائد عمليات بغداد وقادة فرق في الشرطة الاتحادية والجيش، مع توصيات بإحالتهم إلى القضاء العسكري للتحقيق معهم ومحاكمتهم بتهم التقصير أو عصيان الأوامر العسكرية.

وشملت الإجراءات الحكومية في ضوء ما توصل إليه تقرير اللجنة التحقيقية، إقالة أو معاقبة أو التحقيق في جرائم القتل وإحالة بعضهم إلى القضاء العسكري لكل من قائد عمليات بغداد و11 من قيادات الجيش والشرطة، بالإضافة إلى قادة الشرطة في محافظات بابل وذي قار والمثنى والقادسية والنجف وواسط.

ولم يتضمن تقرير لجنة التحقيق أي إشارة إلى مسؤولية رئيس الوزراء، أو إلى أي من قيادات فصائل الحشد الشعبي أو عناصر الحمايات الخاصة لأعضاء مجلس النواب أو لقيادات سياسية ودينية، كثيرا ما تحدث نشطاء عن مسؤوليتهم المباشرة عن عمليات القتل.

وقوبلت نتائج التحقيق بانتقادات واسعة من المحتجين والنشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك من بعض أعضاء مجلس النواب والسياسيين.

وانتقدت كتل سياسية مثل 'ائتلاف العراقية' تقرير لجنة التحقيق في قتل المتظاهرين لتجاهله حالات الاعتداء على بعض المؤسسات الإعلامية، وعدم كشفه من أعطى الأوامر بإطلاق الرصاص والاعتداء على المحتجين.

وهناك ثمة اتفاق بين القوات الأمنية وبعض المحتجين، على وجود قناصة "مجهولين" يعتلون أسطح البنايات في مقتربات ساحة التحرير وسط بغداد وينفذون عمليات قنص تستهدف الطرفين، المحتجين والقوات الأمنية.

وحمّل متحدث باسم وزارة الداخلية في 6 أكتوبر/تشرين الأول ما وصفها بـ"أيادٍ خبيثة" بالمسؤولية عن استهداف المحتجين وعناصر الأمن.
 

الشارع العراقي يحمل مسؤولية قتل العشرات من العراقيين العزل لعضو الحكومة نوري الدليمي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، ويرفضون تقرير لجنة تحقيق يرأسها وزير بحكومة يتهمونها بالتستر على القتلة

من الواضح أن كبار القيادات الأمنية والعسكرية في وزارتي الداخلية والدفاع وفي الأمن الوطني وهيئة الحشد الشعبي، بالإضافة إلى القائد العام للقوات المسلحة، كانوا عاجزين عن ضبط أداء القوات الأمنية وعناصر الحشد الشعبي طيلة فترة الاحتجاجات الأولى بين الأول من أكتوبر/تشرين الأول والسابع منه، مع احتمالات "التواطؤ" ضد المحتجين وهي اتهامات يرددها ناشطون.

بينما لم يتحدث تقرير اللجنة التحقيقية عن ذلك، تحدثت تقارير إعلامية استنادا إلى شهود من المحتجين أن بعض فصائل الحشد الشعبي مسؤولة عن استخدام سلاح القنص على نطاق واسع، وتقارير أخرى "مؤكدة" أن الحشد الشعبي مسؤول عن مداهمة وتخريب ممتلكات بعض القنوات الفضائية.

وفي ذات الوقت تحولت الاحتجاجات في بعض المحافظات جنوب بغداد، إلى أعمال عنف وتخريب وإحراق لمبان حكومية ومكاتب تابعة للأحزاب السياسية وفصائل الحشد الشعبي، فيما أعلن المحتجون عدم مسؤوليتهم عنها متهمين جهات مرتبطة بالأحزاب والحشد الشعبي بافتعال تلك الأعمال التخريبية لحرف مسار الاحتجاجات عن خطها السلمي وجر المحتجين إلى دوامة الاشتباك مع القوات الأمنية.

وعلى مدى الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول شهدت العاصمة العراقية ومحافظات وسط وجنوب العراق، احتجاجات شعبية واسعة ضد الفساد وتردي الأوضاع الاقتصادية والبطالة، والمطالبة بحل أزمة الإسكان وسوء الأداء الحكومي في مجال الخدمات الأساسية والبنية التحتية،  بالإضافة إلى المطالبات بإسقاط الحكومة.

ورافقت الاحتجاجات التي استؤنفت يوم الجمعة الماضي، 25 أكتوبر/تشرين الأول، حالات قمع "عنيفة" شبيهة بما جرى في الاحتجاجات الماضية مطلع الشهر.

ومن المؤكد أن لجنة التحقيق لم تكشف جميع الحقائق والأدلة التي حصلت عليها للرأي العام العراقي، وكان على عبدالمهدي أن يكلف لجنة قضائية مستقلة لهذا الغرض، وهو رأي تداوله ناشطون ومحتجون، وأكدته المرجعية الشيعية في خطبة الجمعة الأخيرة.

ومن غير المستبعد أن تكشف الإجراءات القمعية الأخيرة التي رافقت احتجاجات 25 أكتوبر/تشرين الأول عن تورط كبار المسؤولين في القوات الأمنية والحشد الشعبي في عمليات القتل التي وصلت 63 قتيلا في يومي الجمعة والسبت (وصلت إلى أكثر من 80 قتيلا بحلول فجر اليوم الثلاثاء)، من هذه الاحتجاجات في حالة دامية شبيهة بالعنف ضد المحتجين في الأول من أكتوبر/تشرين الأول.
بصرف النظر عن حصيلة القتلى بين المحتجين مؤخرا، فإن اتهام ومعاقبة قيادات أمنية وعسكرية سيخلق قناعات في أوساط المحتجين بأن الاستمرار في استخدام "القوة المفرطة"، يقود إلى حقيقة اتباع الحكومة العراقية سياسة القمع بشكل ممنهج، وأن عبدالمهدي بصفته القائد العام للقوات المسلحة والذي ترتبط بمكتبه مباشرة هيئة الحشد الشعبي هو المسؤول شخصيا عن مقتل المحتجين.