الأردن ينأى بنفسه عن المواجهة بين واشنطن وميليشيات إيران

عمان لا تزال قادرة على المناورة الدبلوماسية والسياسية لكي تخرج من أزمة الصراع الأميركي الإيراني عبر بوابة القاعدة الأميركية بأقل الخسائر.

عمان - تناقضت التصريحات بين الأردن وحليفته الولايات المتحدة بشأن الهجوم الذي تعرض له موقع متقدم على حدود المملكة مع سوريا وأسفر عن مقتل عدد من الجنود الأميركيين، إضافة إلى ما تبعه من تداعيات، فعمّان تحاول التعامل مع الحدث بوصفه "عارضا"، فيما يظهر سعي واشنطن لزجها داخل المعترك.
وأعلنت واشنطن أن الهجوم على قواتها كان شمال شرق الأردن، وهو ما نفته المملكة التي أكدت أنه وقع في نقطة "متقدمة" على الحدود مع سوريا.
وفي رد الولايات المتحدة على الحادثة عبر غارات استهدفت ميليشيات موالية لإيران داخل العراق وسوريا، قالت وسائل إعلام أميركية إن سلاح الجو الأردني شارك فيها، قبل أن تنفي المملكة صحة ذلك.
ويرى محللون من خلال تلك التصريحات أنه بينما تحاول عمّان النأي بنفسها عن صراع هي أساسا ليست طرفا فيه، يظهر سعي واشنطن لزجها داخل المعترك.
وعلى المستويين السياسي والأمني، فإن الأردن يدرك أهمية وحساسية موقعه الجغرافي ويخشى تداعيات توسع الأزمات والأحداث في دول الطوق، لكنّ مراقبين لما يجري، يعتقدون أن تيارات أميركية تسعى لأن تكون المملكة ضمن معادلة التوترات بالمنطقة لأهداف ربما تكون الغاية منها توسيع دائرة الاشتباك مع طهران.
وتعليقا على ذلك، اعتبر محللون سياسيون أن الأردن ما زال قادرا على "المناورة الدبلوماسية والسياسية" ويستطيع النأي بنفسه عن صراع هو أساسا ليس طرفا فيه.
وقال جمال الشلبي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية (حكومية) "إن الهجوم على القاعدة الأميركية يمثل اختبارا حقيقياً لقدرة الأردن الدبلوماسية على الخروج من هذه الأزمة الخطرة بين القوة العالمية الأولى في العالم الولايات المتحدة والقوة الإقليمية الصاعدة إيران واللتين تأخذان مواقف متباينة من الحرب الإسرائيلية الشعواء على حركة المقاومة الفلسطينية حماس وغزة وشعبها منذ 4 أشهر".
وأضاف الشلبي في حديثه للأناضول "صاحب القرار السياسي بالأردن يتحرك ضمن واقع معقد وخطير" ورأى في توضيحه لذلك "هناك علاقة استراتيجية متينة بين عمان وواشنطن المنحازة لإسرائيل التي تزعزع المنطقة بسبب حربها على غزة".
وتابع "هناك حقيقة ثانية وهي أن العلاقة الأردنية الإيرانية تشوبها الكثير من سمات التردد والشك والجمود بسبب التأثيرات الأميركية من جهة ودول الخليج العربي من جهة ثانية".
واستدرك "لا أحد يستطيع الادعاء بأنه لدى الأردن رغبة ما في دخول صراع مع أحد أو إبراز انحيازه لطرف إزاء آخر في هذه المنطقة الملتهبة أصلاً بسبب تخمة الحروب التي تعيشها منذ أمد بعيد وأحدثها الحرب الإسرائيلية السابعة ضد قطاع غزة".
ويرى الشلبي أن "الولايات المتحدة وإسرائيل تريدان عبر حادثة القاعدة الأميركية دفع الأردن ليكون رأس حربة لهما في مواجهة إيران وحلفائها في العراق وسوريا، وربما أيضاً في اليمن".
وشدد في السياق ذاته على أنه "أمر لا يمكن أن يقبل به الأردن لأنه يمثل خطراً كبيراً على أمنه القومي، وعلى علاقاته مع دول الجوار التي تربطه به علاقات العروبة والمصالح".
وفيما يخص التصريحات بشأن الهجوم على القاعدة الأميركية وما تبعته من تداعيات، اعتبر الأكاديمي الأردني أنها "تعكس مدى الضغط الذي تتعرض له الدبلوماسية الأردنية من جانب الولايات المتحدة، والتي قامت بإحراج الأردن بالقول على لسان الرئيس الأميركي جو بايدن إن الهجوم وقع داخل المملكة، في حين تقول البيانات الرسمية للأردن عكس ذلك".
ولفت إلى أن "موقف مساعدة وزير الخارجية الأميركية في تصريح لها بأن الهجوم كان المقصود منه السيادة الأردنية، جاء ليعكس رغبة بلادها في أن تقوم عمان بما يجب لحماية سيادتها وليس الدفاع عن القاعدة الأميركية وساكنيها".
وأردف "التناقض في التصريحات عاد بعد قيام الجيش الأميركي بهجوم انتقامي ضد ما يعتبره مواقع لجماعات مدعومة من إيران في العراق وسوريا، والحديث عن مشاركة فاعلة من سلاح الجو الأردني، وهو الأمر الذي نفته قيادة الجيش الأردني رسمياً".
وأكد الشلبي أن "كل هذه التناقضات تشي بأن تقييم الأحداث بين الحليفين الأردني والأميركي ليس واحدا، وأن المملكة ما زالت قادرة على المناورة الدبلوماسية والسياسية لكي تخرج من أزمة الصراع الأميركي الإيراني عبر بوابة القاعدة الأميركية بأقل الخسائر وهو بأن لا تكون وقودا ورمادا لهاتين الدولتين ومصالحهما الذاتية".
وزاد "لا أحد من أطراف أزمة القاعدة الأمريكية في الأردن وهي الولايات المتحدة وإيران والأردن، والعراق وسوريا لديه رغبة في توسيع دائرة الحرب في غزة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وتحقيق رغبة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الذي يريدها للخروج من أزمته الشخصية الخاصة مع القضاء والمحاكم الإسرائيلية".
واعتبر الشلبي أن "أهم الدروس التي يمكن الاستفادة منها في هذا التناقض بتقييم حدث القاعدة الأميركية في الأردن بين الجانب الأردني والأميركي، أن واشنطن لا يهمها حلفاؤها، سواء في الأردن أو حتى في العراق عندما أعلنوا أنهم نسقوا مع الحكومة العراقية قبل الهجوم".
وفي تناقض مع بيان سابق، قالت الولايات المتحدة الاثنين إنها لم تبلغ الحكومة العراقية قبل تنفيذ الضربات الجوية الأسبوع الماضي التي استهدفت المليشيات المدعومة من إيران في البلاد.
إلا أن متحدث مجلس الأمن القومي جون كيربي قال الجمعة الماضية "لقد أبلغنا الحكومة العراقية قبل وقوع الضربات"، قبل أن يعتذر بعد أيام عن تصريحاته ويقول إنه أدلى بها بناء على معلومات وصلته في الساعات الأولى للهجوم.
وقال الشلبي إن هذا التناقض "يعني خلق حالة من الصراع السياسي والاجتماعي داخل دول حلفائها وهذا يعني ضرورة إعادة النظر في علاقات الدول الصغرى والوسطى مثل الأردن مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة إذا كان مفهوم التحالف غير قائم على المصالح للجميع في أزمنة السلام كما هي الحال في أزمنة الحرب".
وإن لم يتحقق ذلك فإنه "سيفقد المفهوم معناه ويصبح التحالف مجرد تبعية مطلقة أو تحالفات متسلسلة من تحالف درجة ممتازة إلى تحالف درجة متوسطة إلى تحالف درجة عادية وأقل من عادية وهذا ما تنظر له الولايات المتحدة مع حلفائها العرب بعكس نظرة التحالف مع إسرائيل"، وفق الشلبي.
وقال وزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة "إن الأردن يدير قضاياه بحكمة، ويحاول الذهاب إلى الحلول السياسية والدبلوماسية، ومنها مثلا قضية تهريب المخدرات والأسلحة عبر الحدود السورية".
وخلال السنوات الماضية، شهد الأردن مئات محاولات التسلل والتهريب، خاصة من سوريا (شمال) والعراق (شرق) نتيجة تردّي الأوضاع الأمنية في البلدين الجارين.
وزاد المعايطة "كما يعمل الأردن على عدم توسيع نطاق أي قضية واحتوائها بالحد الأدنى من التباين، ولهذا يبقي الأبواب مفتوحة مع إيران في أي ملف، مع ممارسته كامل حقه في الدفاع عن مصالحه".
ورأى أنه "في ملف صراع النفوذ الإيراني الأميركي لا يذهب الأردن إلى مربع الاندماج مع الموقف الأميركي".
واستدرك "لكن خلال استهداف الجنود الأميركان في سوريا قرب الحدود مع المملكة، كان بعض الإعلام مصرّا على أن ساحة الاستهداف كان الأردن".
واعتبر في السياق ذاته أنه "رغم النفي الرسمي الأردني كان هناك إصرار تفسيره أن ما تم استهدافه هو الأردن وأرضه وأنه جزء من العملية وعليه واجب الرد".
وختم الوزير الأسبق حديثه "أعتقد أن هناك أطرافا تريد للأردن أن ينخرط في مواجهات عسكرية مباشرة مع إيران ومليشياتها واستنزاف المملكة في هذا المسار وليس بالضرورة أن تكون جهات من ذات التوجه، لكنها الرغبة في أخذ المملكة إلى معركة عسكرية طويلة الأمد لأغراض سياسية".