الأكراد يتحالفون مع من؟

التواجد الكردي في بغداد مهم وضروري، ولكن ليس للحصول على حصة من الحكم وكعكته.

اظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية في العراق التي جرت في 12 ايار/مايو بأن مسألة تشكيل الحكومة المقبلة ليست امراً سهلاً بحيث لم تتمكن اي قوى أو تحالفات سياسية ان تجتاز الـ 60 معقداً من أصل 329 مقعداً في البرلمان العراقي وهذا لم يحدث في اي من الانتخابات السابقة منذ سنة 2003، ناهيك عن التدخلات الاقليمية والدولية في المعادلة العراقية، وهذا ما يترتب سلبا على البلد الذي يعاني اساسا من جملة من المشاكل الاقتصادية والخدمية والامنية.

فعلى الرغم من كثرة الاحاديث والاقاويل عن سير العملية الانتخابية والاتهامات من قبل بعض القوى بالتزوير والتلاعب بالنتائج، الا ان المفوضية العليا للانتخابات تصُر على نزاهتها. وهذا الجدل لا يزال مستمرا بين الطرفين ولم يحسم بعد. وما يثير العجب بان كل طرف من اطراف في المعركة الديمقراطية (الخاسر والرابح) يشكو بان الاصوات التي حصلوا عليها ليس اصواتهم الحقيقية.

ومنه فان الكرد ليسوا خارج هذه المعادلة الصعبة والمستعصية. ففي اقليم كردستان هناك اعتراضات ايضا على العملية الانتخابية. وقد وصل الامر من قبل بعض القوى التي لم تحقق نتائج مرضية الى مقاطعة العملية السياسية باكملها ولم يدخل نوابها الى قاعة البرلمان العراقي جديد. وكذلك كشفت النتائج تعمق الخلافات بين القوى الكردستانية بسبب تصاعد حدة الاتهامات المتبادلة بين الكتل الكردية بالتلاعب باصواتهم وقد تعاني وحدة الصف الكردي من ازمة حقيقية لم يشهد مثلها الاقليم منذ سقوط النظام السابق.

ففي الوقت الذي تشهد بغداد جولات مكوكية بين الكتل والقوى السياسية لتقسيم كعكة الحكومة، تجري بين الاحزاب الكردية حرب تصاريح لحرمان البعض من هذه الكعكة والتي قد يكون حصة الكرد فيها وفقا للاستحقاق الانتخابي احد المناصب العليا. فالحزب الديمقراطي الكردستاني الذي حقق المرتبة الاولى في الاقليم بحصوله على 25 معقدا يسعي جاهدا لحصوله على منصب رئيس الجمهورية الذي كان يدار من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني منذ عام 2005، على الرغم من ان الحزب الديمقراطي الكردستاني قاد حملة الاستفتاء لانفصال اقليم كردستان عن العراق. وهذا يتنافى جملة وتفصيلا مع مطالبه الجديدة لتولي منصب رئيس الجمهوية وهو رمز وحدة العراق وسيادته. واكثر من ذلك فان الحزبين الرئيسين (الديمقراطي والوطني) اللذين حصلا على اعلى نسبة من الاصوات في اقليم كردستان بمجوع 43 مقعدا لم يشكلا وفدا مشتركا في زيارتهم الى بغداد ومحادثاتهما مع القوى السياسية كما كانت في السابق، بل توجه كل وفد بشكل مستقل الى بغداد دون تنسيق ومشاورات فيما بينهما لمناقشة هموم ومطالب الشعب الكردستاني.

فالمشكلة الكردية في العراق ليست لملئ المناصب والثغرات الحكومية لإضفاء طابع جمالي على العملية السياسية، بل هي شراكة حقيقية في بناء الدولة وازالة العقبات امام هذه الشراكة من خلال حل جميع المشاكل العالقة بين بغداد والاقليم كي ترجع الثقة الى الشارع الكردي بان بغداد هي عاصمته، ويعيش المواطن الكردي حياته مثل باقي المواطنين العراقيين. ومن هنا تبرز التساؤلات الجوهرية لكافة الاحزب الكردستانية، خصوصا الحزبين الرئيسيين: لماذا تتجهون الى بغداد؟ هل للحصول على مناصب ام لبناء شراكة؟ ومع من تتحالفون؟ وهل دخولكم الى التحالفات الحكومية يقلل من مشاكل المواطن الكردي- الذي يمنحكم ثقة التمثيل- ام ان الوضع يبقي كما هو؟ وما هي ضمانات الحكومة القادمة والتي لربما انتم جزء اساسي منها، الا يقطع الارزاق ويحظر الاجواء ويسد الحدود؟ فالغرض من هذه التساؤلات ليست نداء للكرد للمقاطعة ولا من باب الكراهية والتشنج القومي والطائفي، بل هو لحث القوى الكردستانية لتوحيد برامجها واجنتداتها لمعالجة المشاكل المتراكمة بين بغداد واربيل حتى لا نرجع الى المربع الاول ودوامة الازمات.  

نعم، التواجد الكردي في بغداد مهم وضروري، ولكن اهم من ذلك ان يكون هذا التواجد على اساس المطالب الشعبية والشراكة الفعلية وليس على اساس المصالح الحزبية والتوزيع المحاصصاتي. فيجب ان يكون دخول الكرد في التحالفات الحكومية مع من يؤمن ببناء الوطن وخدمة الشعب وحل المشاكل وليس مع من يعطي نسبة اكثر على حساب قوت الشعب وابعاد الاخرين.