الإمارات تقود ثورة عربية للذكاء الاصطناعي بـ'فالكون عربي'

معهد الابتكار التكنولوجي يطلق نموذجين الأول يتميز بقدرته الفائقة على فهم ومعالجة اللغة العربية بجميع لهجاتها متفوقًا على نماذج أكبر منه حجمًا فيما يجمع الثاني بين كفاءة الأداء والتصميم الهجين ما يتيح تشغيله بفعالية بموارد محدودة.

في خطوة تاريخية تؤكد الريادة العالمية لدولة الإمارات العربية المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، أعلن معهد الابتكار التكنولوجي عن إطلاق نموذجين ثوريين: "فالكون عربي" الذي يُعدّ أول نموذج ذكاء اصطناعي متخصص باللغة العربية ضمن سلسلة فالكون المرموقة، و"فالكون H1" الذي يتميز بتصميمه الهجين المبتكر وكفاءته الاستثنائية في استخدام الموارد.

ويمثل هذا الإطلاق محطة فارقة في مسيرة التطوير التكنولوجي للمنطقة العربية، حيث تمكن الباحثون الإماراتيون من تحقيق إنجاز علمي يضع دولة الإمارات في المقدمة العالمية لتطوير حلول الذكاء الاصطناعي المتقدمة.

والإنجاز يأتي في إطار الاستراتيجية الطموحة للإمارات للذكاء الاصطناعي 2031، ويعكس الاستثمار المستمر في البحث والتطوير التكنولوجي كركيزة أساسية لاقتصاد المعرفة.

ويُعدّ معهد الابتكار التكنولوجي الذراع البحثية التطبيقية التابعة لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة في أبوظبي، ويمثل مؤسسة بحثية رائدة تركز على تطوير أحدث التقنيات لحل المسائل ذات التأثير العالمي الحقيقي814. تأسس المعهد في منتصف 2020، وسرعان ما برز كقوة محورية في النظام البيئي للابتكار التكنولوجي العالمي، حيث يعمل في مجالات متعددة تشمل الحوسبة الكمية، والروبوتات المستقلة، والتشفير، والمواد المتقدمة، والأمن الرقمي، والطاقة الموجهة، والأنظمة الآمنة، وأنظمة الدفع، والطاقة البديلة، والتكنولوجيا الحيوية8.

تتجسد فلسفة المعهد في تبني منهجية متكاملة تعزز السعي للاكتشاف العلمي باستخدام منشآت متطورة وحديثة وبالتعاون مع مجموعة من المؤسسات الرائدة دولياً14. يضم المعهد سبعة مراكز بحثية متخصصة، بما في ذلك مركز بحوث الذكاء الاصطناعي والعلوم الرقمية الذي يقود تطوير سلسلة نماذج فالكون. هذا التنوع في التخصصات البحثية يمكن المعهد من تطوير حلول شاملة ومتكاملة تلبي احتياجات المستقبل التكنولوجي.

تندرج إنجازات معهد الابتكار التكنولوجي ضمن الإطار الاستراتيجي الشامل لدولة الإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي، والذي تجسد في استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي المُطلقة في أكتوبر 20177. تهدف هذه الاستراتيجية إلى تحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071، وتعجيل تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية لبلوغ المستقبل، والاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل 100% بحلول عام 20317. تتضمن الاستراتيجية خمسة محاور أساسية تشمل تطوير البنية التحتية، وتعزيز القدرات البشرية، والابتكار في القطاعات الحيوية، والحوكمة والتنظيم، والتعاون الدولي.

"فالكون عربي": ثورة تقنية في معالجة اللغة العربية

يمثل "فالكون عربي" إنجازاً تقنياً استثنائياً كونه أول نموذج ذكاء اصطناعي متخصص باللغة العربية ضمن سلسلة فالكون المرموقة، والذي أصبح رسمياً النموذج العربي الأعلى أداءً على مستوى الشرق الأوسط وفقاً لتقييمات منصة Open Arabic LLM Leaderboard129. تم بناء هذا النموذج على إصدار فالكون 3-7بي، ويُعد من أكثر النماذج تقدماً باللغة العربية على الإطلاق، حيث خضع لعملية تدريب مكثفة على بيانات عالية الجودة باللغة العربية الأصلية غير المترجمة12.

تكمن قوة "فالكون عربي" في شموليته اللغوية، حيث يدعم اللغة العربية الفصحى بمختلف مستوياتها إضافة إلى اللهجات الإقليمية المتنوعة، مما يمنحه قدرة فائقة على فهم التنوع اللغوي الغني في العالم العربي واستيعاب سياقاته الثقافية المعقدة. هذا التدريب الشامل يميز النموذج عن سابقيه من النماذج التي تعتمد على البيانات المترجمة، والتي غالباً ما تفتقر إلى الدقة والسياق الثقافي الأصيل للغة العربية.

التفوق التقني والكفاءة الاستثنائية

أثبت "فالكون عربي" أن التصميم الذكي يتفوق على الحجم، حيث يُضاهي أداء نماذج أكبر منه بعشرة أضعاف، مقدماً حلولاً مرنة وقابلة للتخصيص تلبي احتياجات المؤسسات والمطورين في المنطقة العربية29. هذا الإنجاز يعكس التطور المتقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي والقدرة على تحسين الكفاءة دون التضحية بجودة الأداء. يُعدّ هذا التفوق في الكفاءة أمراً بالغ الأهمية للمطورين والمؤسسات التي تسعى لتطبيق حلول الذكاء الاصطناعي بتكلفة معقولة وموارد محدودة.

ويُعدّ "فالكون H1" نموذجاً ثورياً في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تم تطويره لتوسيع إمكانية الوصول إلى الذكاء الاصطناعي عالي الأداء من خلال تقليل الحاجة إلى موارد حوسبية كبيرة أو خبرات تقنية متقدمة. يأتي هذا النموذج امتداداً لنجاح سلسلة فالكون 3، التي احتلت مراكز متقدمة عالمياً كنماذج قابلة للتشغيل على وحدة معالجة رسومات واحدة23.

يتميز النموذج الجديد، الذي يُرمز له بـ"H" نسبة إلى بنيته الهجينة التي تدمج بين قوة بنية "Transformer" وسلاسة بنية "Mamba"، بسرعة استدلال فائقة واستهلاك منخفض للذاكرة، مع الحفاظ على أداء متقدم في مختلف الاختبارات القياسية9. هذا التصميم الهجين يمثل تطوراً تقنياً مهماً في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث يجمع بين مزايا النماذج التقليدية ويتجاوز قيودها.

القدرات متعددة اللغات والتوسع العالمي

يتميز "فالكون H1" بدعمه للغات ذات الأصل الأوروبي، ولأول مرة يتمتع بقدرة توسعية لدعم أكثر من 100 لغة، بفضل مشفر لغوي متعدد اللغات تم تدريبه على بيانات متنوعة1310. هذه القدرة التوسعية تجعل النموذج قابلاً للتطبيق على نطاق عالمي واسع، مما يعزز من إمكانيات استخدامه في مختلف الأسواق والبيئات اللغوية. تضم عائلة فالكون "H1" نماذج متعددة الأحجام تشمل 34بي، و7بي، و3بي، و1.5بي، و1.5بي-ديب، و500إم، مما يوفر مجموعة واسعة من نسب الكفاءة إلى الأداء.

تسمح النماذج الصغيرة بالتشغيل على أجهزة متقدمة محدودة الموارد، في حين يتفوق النموذج الرئيسي "34بي" على نظائره من نماذج "LLaMA" من ميتا و"Qwen" من علي بابا في المهام المعقدة9. هذا التنوع في الأحجام يمكن المطورين من اختيار النموذج الأنسب لبيئة التشغيل المحددة واحتياجاتهم التقنية.

يحمل إطلاق "فالكون عربي" و"فالكون H1" تأثيراً استراتيجياً عميقاً على النظام البيئي للذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية وعلى مستوى العالم. من الناحية التقنية، يمثل "فالكون عربي" نقلة نوعية في معالجة اللغة العربية بالذكاء الاصطناعي، حيث يوفر للمطورين والباحثين في المنطقة أداة متقدمة لتطوير تطبيقات ذكية تتفهم تعقيدات اللغة العربية وثراء تنوعها الثقافي واللهجي.

وأعرب فيصل البناي، مستشار رئيس الدولة لشؤون الأبحاث الاستراتيجية والتكنولوجيا المتقدمة وأمين عام مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة، عن الفخر بإدخال اللغة العربية إلى سلسلة فالكون، مشيراً إلى أن النموذج الأعلى أداءً في العالم العربي تم تطويره بالكامل في دولة الإمارات. كما أكد أن الريادة في الذكاء الاصطناعي اليوم لا تُقاس بالحجم، بل بمدى فاعلية الحلول وسهولة استخدامها وشموليتها.

من المتوقع أن يسهم هذان النموذجان في تعزيز النمو الاقتصادي في القطاعات التقنية بالمنطقة، حيث يوفران للشركات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة إمكانية الوصول إلى تقنيات ذكاء اصطناعي متقدمة بتكلفة منخفضة وبمرونة عالية هذا الأمر يفتح المجال أمام المطورين والشركات الناشئة والمؤسسات الصغيرة لتبني الذكاء الاصطناعي المتقدم، مما يساهم في بناء اقتصاد معرفي قوي ومستدام.

تُستخدم نماذج فالكون بالفعل في تطبيقات واقعية حول العالم، حيث ساهمت بالتعاون مع مؤسسة بيل وميليندا غيتس في تطوير نموذج AgriLLM، الذي يساعد المزارعين على اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً في ظل ظروف مناخية معقدة. هذا المثال يوضح كيف تتجاوز تقنيات فالكون حدود البحث الأكاديمي لتحقق تأثيراً ملموساً في حياة الناس وحل المشكلات الحقيقية.

الريادة التقنية والابتكار في التصميم

تجسد التطورات التقنية في نموذجي "فالكون عربي" و"فالكون H1" مستوى متقدماً من الابتكار في التصميم والهندسة.

وقالت الدكتورة نجوى الأعرج، الرئيس التنفيذي لمعهد الابتكار التكنولوجي، إنهم لم ينظروا إلى فالكون "H1" كإنجاز بحثي فحسب، بل تعاملوا معه كمسألة هندسية تتطلب حلولاً استثنائية للوصول إلى أعلى مستويات الكفاءة دون المساومة على الأداء. هذا النهج الهندسي المتقدم يعكس نضج المؤسسة البحثية الإماراتية وقدرتها على التفكير الاستراتيجي في تطوير التقنيات.

النموذج الأعلى أداءً في العالم العربي تم تطويره بالكامل في دولة الإمارات

أضاف الدكتور حكيم حسيد، كبير الباحثين في مركز أبحاث الذكاء الاصطناعي والعلوم الرقمية في المعهد، أن سلسلة فالكون "H1" تُثبت كيف يمكن لبنية جديدة أن تفتح آفاقاً جديدة في تدريب الذكاء الاصطناعي، وتُبرز في الوقت ذاته إمكانات النماذج فائقة الصغر4. لقد تمكن الفريق البحثي من تغيير ما كان يُعتقد أنه مستحيل على هذا النطاق، من خلال تمكين الذكاء الاصطناعي من العمل على أجهزة الحافة، حيث تُمثل الخصوصية والكفاءة وانخفاض زمن الاستجابة عناصر حاسمة.

وحقق كل نموذج في سلسلة فالكون "H1" تفوقاً على نماذج أخرى ضعف حجمه، واضعاً معياراً جديداً في كفاءة الأداء14. كما أثبتت النماذج تفوقها في مجالات الرياضيات والتفكير التحليلي والبرمجة وفهم السياقات الطويلة والمهام متعددة اللغات4. هذا التفوق المتعدد الأبعاد يضع نماذج فالكون في موقع تنافسي قوي مقارنة بالنماذج العالمية الرائدة من شركات التكنولوجيا الكبرى.

ويُعدّ مبدأ الوصول الديمقراطي للتكنولوجيا أحد المبادئ الأساسية التي يقوم عليها تطوير نماذج فالكون. جاء تطوير فالكون "H1" استجابة للطلب العالمي المتزايد على أنظمة ذكاء اصطناعي مرنة وفعالة وسهلة الاستخدام. هذا التوجه يعكس فهماً عميقاً لاحتياجات السوق العالمية والرغبة في جعل التكنولوجيا المتقدمة متاحة لقطاعات أوسع من المجتمع التقني.

وأكد فيصل البناي أن فالكون H1 يُجسد التزام الإمارات بإتاحة الذكاء الاصطناعي للجميع وليس لجهات حصرية فقط315. هذه الفلسفة تتماشى مع الرؤية الإماراتية الشاملة لبناء مجتمع معرفي متقدم يستفيد من أحدث التقنيات لتحسين جودة الحياة وتعزيز التنمية المستدامة. كما تعكس هذه الفلسفة التزاماً أخلاقياً بجعل فوائد الذكاء الاصطناعي متاحة للجميع، وليس حكراً على المؤسسات الكبيرة أو الأثرياء فقط.

النموذج مفتوح المصدر والتأثير العالمي

تتبع نماذج فالكون نهج المصدر المفتوح، مما يتيح للباحثين والمطورين حول العالم الوصول إليها واستخدامها وتطويرها6. حققت سلسلة نماذج فالكون للذكاء الاصطناعي 45 مليون تنزيل عالمياً، مما يعكس الاعتراف الدولي بجودة هذه النماذج وقيمتها العلمية والتطبيقية15. هذا النجاح العالمي يؤكد على قدرة الإمارات على إنتاج تقنيات عالمية المستوى تحظى بقبول واسع في المجتمع العلمي الدولي.

يمثل إطلاق "فالكون عربي" و"فالكون H1" نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة من التطوير والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. تسعى دولة الإمارات من خلال هذه الإنجازات إلى ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للابتكار التكنولوجي، والمساهمة في تشكيل مستقبل التقنيات الذكية على المستوى العالمي. تتماشى هذه الجهود مع الرؤية الاستراتيجية طويلة المدى للإمارات، التي تهدف إلى بناء اقتصاد معرفي متقدم يعتمد على الابتكار والتكنولوجيا المتطورة.

من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة تطويرات إضافية على نماذج فالكون، بما في ذلك إضافة ميزات جديدة مثل التعرف على الصوت والقدرات متعددة الوسائط. كما تشير الخطط المستقبلية إلى إمكانية تطوير نماذج متخصصة في مجالات محددة، مما يوسع من نطاق التطبيقات العملية لهذه التقنيات. هذا التطوير المستمر يعكس التزام معهد الابتكار التكنولوجي بالبقاء في المقدمة العالمية لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي.