الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على فصائل مسلحة موالية للشرع

العقوبات تأتي في توقيت حساس، خصوصاً مع سعي أحمد الشرع لترويج صورة مفادها أن سوريا بدأت في الخروج من عنق زجاجة العقوبات والعزلة الدولية، ما يهيئ البلاد لمزيد من الانفتاح الاقتصادي وجذب الاستثمارات.
العقوبات تكشف أن الاتحاد الأوروبي لا يمنح صكوكا على بياض للسلطات السورية الحالية
العقوبات تشمل تجميد الأصول المالية ومنع السفر داخل دول الاتحاد

دمشق - في خطوة تحمل رسائل سياسية وحقوقية بالغة الأهمية، أعلن الاتحاد الأوروبي، الأربعاء، فرض عقوبات جديدة على ثلاث فصائل سورية مسلحة موالية للرئيس الانتقالي أحمد الشرع، إلى جانب اثنين من قادتها، وذلك على خلفية اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في مناطق الساحل السوري في مارس/اذار الماضي. وتشمل العقوبات تجميد الأصول المالية ومنع السفر داخل دول الاتحاد، وتستهدف فصائل "فرقة السلطان مراد"، و"فرقة سليمان شاه" المعروفة بـ"العمشات"، و"فرقة الحمزة".
وبحسب البيان الرسمي الصادر عن الاتحاد، فإن العقوبات طالت محمد حسين الجاسم، المعروف باسم "أبو عمشة"، قائد فرقة سليمان شاه، وسيف بولاد أبو بكر، قائد فرقة الحمزة، بسبب "ضلوعهم في جرائم شملت الإعدامات الميدانية والتعذيب والقتل التعسفي"، خاصة خلال موجة العنف التي اجتاحت الساحل السوري في مارس/اذار الماضي وأسفرت، وفق منظمات حقوقية، عن مقتل أكثر من 1700 مدني، غالبيتهم من أبناء الطائفة العلوية.
وهذه العقوبات الجديدة تكشف بشكل واضح أن الاتحاد الأوروبي لا يمنح "صكوكا على بياض" للسلطات السورية الحالية أو للفصائل المسلحة الحليفة لها، مهما كانت شعاراتها أو مرجعياتها. فعلى الرغم من اتخاذ بروكسل خطوات نحو تخفيف بعض القيود الاقتصادية المفروضة على دمشق منذ اندلاع النزاع عام 2011، فإن الإبقاء على العقوبات الفردية، بل وتوسيعها، يُعَدّ مؤشراً على أن أوروبا تراقب عن كثب سلوك النظام السوري الحالي والقوى المتحالفة معه، وخصوصاً في ما يتعلق بحقوق الأقليات ومكافحة الإرهاب.
وتأتي هذه العقوبات في توقيت حساس، خصوصاً مع سعي أحمد الشرع لترويج صورة مفادها أن سوريا بدأت في الخروج من عنق زجاجة العقوبات والعزلة الدولية، ما يهيئ البلاد، بحسبه، لمزيد من الانفتاح الاقتصادي وجذب الاستثمارات. إلا أن الإجراءات الأوروبية الأخيرة تُقوّض هذه السردية، وتؤكد أن المجتمع الدولي لا يزال يحتفظ بأدوات الضغط على اللاعبين المحليين الذين يُشتبه في تورطهم بانتهاكات.
فالشرع، ومعه عدد من المؤيدين المحليين، يواجهون اليوم رسائل صريحة من المجتمع الأوروبي: أن مكافحة فلول نظام الرئيس السابق بشار الاسد لا تكون على حساب المدنيين، وأن استهداف فئات محددة من السوريين، سواء من الطائفة العلوية أو الدرزية، يُعدّ خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه.
وتبرز في هذا السياق المخاوف المتزايدة من تعرّض الأقليات الدينية، كالدروز والعلويين، لانتهاكات موثقة، سواء على يد النظام الجديد أو بعض الفصائل المسلحة المتحالفة معه أو العاملة ضمن مناطق النفوذ التركي. كما تتزايد التقارير عن محاولات استهداف نمط الحياة المدنية في سوريا، من خلال الاعتداء على أماكن الترفيه مثل الملاهي والمسارح، وهي ممارسات ترتبط بأجندات متطرفة ترى في هذه المؤسسات "رموزاً للانحلال".
هذا البُعد الثقافي والاجتماعي للنزاع، والذي يتعدى البعد العسكري والسياسي، لم يغب عن أعين الاتحاد الأوروبي، إذ يرى مراقبون أن العقوبات الأخيرة تعكس قلقاً متزايداً من تغوّل قوى محلية تسعى لإعادة تشكيل هوية المجتمع السوري وفق رؤى إيديولوجية ضيقة، وباستخدام العنف المفرط.
من خلال هذه الخطوة، يُعيد الاتحاد الأوروبي تأكيد التزامه بمبادئ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، ويوجه رسالة مفادها أن الطريق نحو إعادة إعمار سوريا واستعادة العلاقات الطبيعية مع المجتمع الدولي يمرّ عبر احترام حقوق الإنسان، وضمان أمن وسلامة جميع مكونات المجتمع السوري، دون تمييز أو تهميش.
وفيما تستمر المفاوضات الدولية حول مستقبل سوريا السياسي، فإن العقوبات الأوروبية الأخيرة توضح أن مرحلة "الرقابة الصامتة" قد انتهت، وأن كل الفاعلين، سواء من داخل النظام أو خارجه، باتوا تحت مجهر التدقيق والمساءلة.