الارهاب باعتباره فيلما أميركيا

الارهاب لا تعريف أميركي محدد له.

عام 2011 قتلت الولايات المتحدة زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن فارتاح العالم كما لو أنه تخلص بضربة واحدة من الارهاب كله. ذلك لم يكن صحيحا. وفي عام 2020 قتلت الولايات المتحدة زعيم فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني فانخفض مستوى الاداء العدواني الإيراني في العراق بحيث بدا أن هناك أملا في تفكك بنية الكتلة الحزبية الشيعية الموالية لإيران، غير أن ذلك الأمل سرعان ما اختفى حين نجحت إيران في استعادة نفوذها عن طريق مقتدى الصدر وهو الذي كان يزعم أنه عدوها ولم يكن ذلك صحيحا.
تزامن مقتل بن لادن مع انتشار أكثر من اربعئمة فصيل إرهابي في سوريا كما أن مقتل سليماني فتح الباب واسعا أمام قيام دولة الحشد الشعبي في العراق تحت ستار إئتلاف الاطار التنسيقي الذي يتزعمه نوري المالكي، الأشد طائفية من الإيرانيين أنفسهم. وهو ما يعني أن أسلوب الجراحة الذي اعتمدته الولايات المتحدة قد أدى إلى نتائج عكسية اما بسبب تأخره أو لأنه لم يكن سوى استعراض لقوة فشلت أصلا في معالجة ظاهرة الارهاب لأنها لم تكن ترغب في التصدي لها حين سمحت بأن تتحول تلك الظاهرة إلى ثقافة، يصعب اقتلاعها عن طريق القوة.

صحيح أن اختفاء بن لادن كان قد شكل ضربة لتنظيمه الارهابي وصحيح أيضا أن إيران كانت قد فُجعت بمقتل مَن كان الولي الفقيه يعتبره ذراعه في المنطقة. غير أن الصحيح أيضا أن الرجلين قد نفذا مهمتهما في نشر الإرهاب وتشكيل خلاياه النائمة والمستيقظة التي لا تزال تعمل وتستنزف قدرات الشعوب وزمنها في إطار "الحرب المفتوحة على الارهاب" وهي حرب لا سقف زمني لها ولا حدود جغرافية بعد أن اختلط الدرس النظري على غرار ما يفعله الاسلاميون في تونس بتمارين التهديد العملي على غرار ما يفعله حزب الله في لبنان وصار من الصعب التمييز بينهما بعد أن تحولا إلى وجهين لعملة واحدة هي الإرهاب.

لم ينخفض منسوب العنف والتطرف والتشدد في المنطقة تأثرا بالحرب على الارهاب. ذلك لأن الولايات المتحدة وهي التي تقود بنفسها تلك الحرب تدعم الكثير من الأحزاب المتشددة متحججة بالدفاع عن حرية التعبير. أهو ازدواج في المعايير أم ضبابية في تعريف الارهاب ومن ثم التعرف عليه؟ هناك نوع من الانتقائية هو ما يضبط خطوات الغرب في التعامل مع مسألة الارهاب. فإيران ارهابية حين يتعلق الأمر بسليماني وهي ليست كذلك في سياساتها التوسعية التي تشرف من خلالها على تنظيمات عسكرية مسلحة خارجة على القانون مثل الحوثيين وحزب الله والحشد الشعبي.

تلك قسمة غير عادلة تدفع دول المنطقة ثمنها من غير أن تكون قادرة على مواجهة الولايات المتحدة بحقيقة موقفها من الإرهاب المنظم الذي تديره إيران. فالنظرة الأميركية تعتمد على طريقة انتقائية لا علاقة لها بما هو حقيقي. ذلك لأن الحرب على الارهاب تجري وفق معايير أميركية خالصة لا علاقة لها بمصالح الدول التي تجري وقائع تلك الحرب على أراضيها ولا علاقة لها أيضا بما تعانيه شعوب تلك الدول من تبعات الإرهاب بكل ما تنطوي عليه من كوارث إنسانية.

في وقت ما أرسلت تركيا مئات المقاتلين الأجانب إلى ليبيا لكي يساهموا في الحرب الأهلية هناك. قبل ليبيا كانت سوريا قد شهدت حفلة إرهاب استمرت لسنوات ولا تزال هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) تسيطر على أدلب، شمال سوريا بحماية تركية ورعاية أميركية. كانت جبهة النصرة التي يقودها الجولاني قد صٌنفت من قبل الإدارة الأميركية باعتبارها تنظيما إرهابيا.

لم تقل الولايات المتحدة كلمة في ما يتعلق بمقاتلي القاعدة والمقاتلين الأجانب الذين يقاتلون في ليبيا كما أنها اعتبرت بطريقة مستترة الارهابيين الذين دمروا المدن السورية وأزالوا أسباب الحياة فيها مقاتلين من أجل الحرية. اما الحوثيون فإن الموقف الأميركي منهم كلن ولا يزال مهادنا إذا لم يكن منحازا لهم بالرغم من انقلابهم على الشرعية الذي لو حدث في أي مكان آخر لقاد الأميركيون حربا من أجل اسقاطه.

ملخص الكلام إن الارهاب لا تعريف أميركي محدد له. الولايات المتحدة تفعل ما تشاء في انتظار أن ينتهي زمن القطب الواحد الذي يتصرف بمصائر الشعوب ويتحكم بها بمزاج، يعجب المرء أنه يتحرك أحيانا خارج سلطة المصالح.