الانتخابات العراقية.. عقدة "سائرون" مع الحشد والعصائب

عُقَد علاقة الصدر مع أبرز القوى فإضافة إلى موقفه الداعى لحل الحشد الشعبى الذي من فصائله الفتح فإن هناك العقدة الخاصة بعلاقته مع عصائب الحق التى يتزعمها الخزعلى المنشق عنه.

  • بقلم: نيفين مسعد

أسفرت الانتخابات البرلمانية العراقية عن بعض النتائج المتوقعة لكنها فى الوقت نفسه لم تخل من مفاجآت. كان ضعف المشاركة السياسية متوقعا ويبدو أن هذا الضعف صار من سمات التجارب الانتخابية العربية بشكل عام، مما يعكس محدودية ثقة الناخب فى فرص التغيير، وهكذا لم يشارك بالتصويت فى الانتخابات العراقية إلا نحو 44% من أصل نحو 24مليون شخص يملكون حق التصويت، وهذا يعنى أن التراجع مستمر فى نسبة التصويت من 62%فى انتخابات 2010 إلى 60% فى انتخابات2014 إلى 44% حاليا. كذلك كان من المتوقع أن يحدث تشرذم كبير فى الأصوات كانعكاس لتفكك القوى السياسية،  وأن أيا من القوائم المرشحة لن يتمكن من تحقيق أغلبية وهذا ما حدث فعلا،  إذ لم يحصل على عشرين مقعدا فأكثر سوى عدد محدود جدا من القوائم.

لكن على الجانب الآخر حفلت الانتخابات العراقية بعدد لا بأس به من المفاجآت، أبرزها المفاجأة التى حققتها قائمة «سائرون» لمقتدى الصدر، ومبعث المفاجأة ليس فقط فى أنها جاءت فى المركز الأول فيما رشحها استبيان للرأى أجراه المركز العراقى للدراسات كى تحل بالمركز الثانى بعد قائمة «النصر» لحيدر العبادي، لكن المفاجأة الأهم هى فى رفع عدد مقاعدها من 33 مقعدا فى 2014 إلى 54 مقعدا فى انتخابات 2018 أى بزيادة تبلغ نسبتها 63%، وكان الاستبيان المذكور قد توقع لها ما بين 33 و35 مقعدا، كما توقع أن تكون الفجوة بينها وبين القائمة الأولى فى حدود 25 إلى 35 مقعدا.

الدلالة المباشرة لهذه الطفرة فى مقاعد الصدر هى أن الناخب العراقى اتجه إلى الخطاب الشعبوى، الأكثر رفضا للفساد والمحاصصة والنفوذ الإيراني، صحيح أن كتلا غير كتلة الصدر رفعت هذه الشعارات أو بعضها على الأقل لكنه كان أعلاها صوتا وأكثرها حراكا بالتظاهر والاعتصام والشغب. المفاجأة الأخرى التى كشفت عنها الانتخابات تمثلت فى سقوط عدد من الرموز ذات الوزن الثقيل من أمثال سليم الجبورى رئيس مجلس النواب وهمام حمودى رئيس المجلس الأعلى الإسلامى والنائبة القوية حنان الفتلاوى رئيسة حزب الإرادة. ولا يوجد تفسير واحد لسقوط هذه الرموز، فثمة أسباب سياسية من قبيل ضعف المجلس الأعلى بعد انفصال عمار الحكيم بشخصيته الوازنة وتكوينه تيار الحكمة علما بأن هذا التيار خاض الانتخابات منفردا وحصل على 20مقعدا، وثمة أسباب لوچستية تتعلق بطبيعة المحافظة وما يطلق عليه بعض المحللين «سعر المقعد الانتخابى فيها» أى عدد الأصوات اللازمة لشغل المقعد كما فى حالة حنان الفتلاوى فى محافظة بابل

يعد التحالف مع الصدر مهماَ بحكم تصدر قائمته سائرون القوائم الأخرى، لكنه ليس حتميا مادام أن من يشكل الحكومة ليس هو صاحب أعلى الأصوات لكنه الذى تتوافق عليه أكبر كتلة برلمانية وهذا أمر يجعل الأولوية للتوازنات السياسية وليس لأصوات الناخبين. فى ظل وضع هكذا يمكن فى حال تعذر على الصدر تكوين تحالف واسع أن يتم التحالف من دونه لينتقل هو للمعارضة، وهذا ما حدث تحديدا مع إياد علاوى فى انتخابات 2010. كذلك يمكن شق قائمة الصدر وإقناع بعض نوابه بالالتحاق بقوائم أخرى، علما بأن الفجوة بينه وبين قائمة «الفتح» التالية له لا تتجاوز سبعة مقاعد. لكن حتى الآن يبدو أن الصدر راغب فى توسيع دائرة حلفائه وهو يتحدث بلغة تصالحية مع الجميع، فهل يستمر فى هذا الاتجاه؟ سؤال مهم على ضوء ما هو معروف عن الزعيم الشيعى من تقلبات، يعتزل العمل السياسى ويرحل إلى حوزة قم لسنوات ثم ينغمس فى السياسة بقوة ويهجو «المهاترات السياسية» لإيران، يحل جيش المهدى ويكوّن سرايا السلام، يرتدى العمامة السوداء ويتحالف مع آخر من يمكن لزعيم دينى أن يتحالف معه الحزب الشيوعي. إن هناك قدرا لا بأس به من العُقَد فى علاقة الصدر مع بعض أبرز القوى التى يمد لها يده، فدع عنك موقفه المعلن الداعى لحل الحشد الشعبى الذى تتألف من فصائله قائمة «الفتح» فإن هناك العقدة الخاصة بعلاقته مع فصيل عصائب الحق تحديدا التى يتزعمها قيس الخزعلى المنشق السابق عنه وله 15 مقعدا. وبالتالى فإن تحالف الصدر مع «النصر» و «الحكمة» أيسر من تحالفه مع «الفتح».

تبقى الإشارة إلى نقطتين، النقطة الأولى خاصة بموقف نورى المالكى وكتلته «دولة القانون» الذى يقف وحده منبوذا من جميع القوى الشيعية، مما يعنى أنه ليس له دور مستقبلى فى تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر بعد أن اشتغل بضراوة ليسترد رئاسة الوزراء فماذا هو فاعل؟ إن المالكى سياسى مقاتل وهو حليف مخلص لإيران التى تجعله خيارها الثانى وإن يكن خيارها الأفضل بالتأكيد هو لمرشح عن قائمة «الفتح». وفى الحالات التى يتم فيها عزل أطراف قوية كثيرا ما تلجأ هذه الأطراف لسياسة قلب الطاولة أو تعطيل المسار، فهل يكون هذا آخر سلاح بيد المالكي؟ النقطة الثانية خاصة بالأكراد ورهاناتهم السياسية، فمن الناحية العملية وقفت كل النخبة العراقية ضد الاستفتاء ونتائجه، وبالتالى فإن الأكراد مدعوون للمفاضلة بين أشخاص لم يختلفوا إلا فى شكل تعاملهم مع تداعيات الاستفتاء وما إذا كان هذا التعامل تم سياسيا أم عسكريا أيضا, وهنا فإن دور الحزب الديمقراطى أهم فهو الحائز على 26 مقعدا فيما حصل الاتحاد الوطنى على 19مقعدا، وهو فى الوقت نفسه الحزب الذى أدار ماكينة الاستفتاء، والقاعدة تقول إنه كلما اقتربنا من بؤرة الأزمة زاد التشدد.

نعم، كانت الانتخابات العراقية إلكترونية من ألفها إلى يائها مما أدى لإعلان نتائجها على وجه السرعة، لكن هذه النتائج تبقى مجمدة أولا فى انتظار البت فى الكم الكبير من الطعون فيها والعودة للفرز اليدوى حيثما طُلِبَ ذلك، وثانيا فى انتظار ترجمتها مؤسسيا إلى حكومة تقود العراق للإعمار وإعادة التموضع فى الساحة الإقليمية والخروج من نفق المحاصصة الضيق إلى رحاب الوطنية الجامعة .

  • كاتبة مصرية