البرلمان الليبي يصعّد ضد الدبيبة بدعمه محافظ المصرف المركزي

عقيلة صالح يبرر إيقاف تكليف محمد عبدالسلام الشكري على رأس المصرف بعدم مضي مدة تكليفه وعدم مباشرة مهام عمله.

بنغازي - قرر البرلمان الليبي، الجمعة، إيقاف العمل بالقرار الصادر في العام 2018 بتكليف محمد عبدالسلام الشكري محافظا لمصرف ليبيا المركزي، في خطوة تكشف عن دعمه للمحافظ الصديق الكبير الذي تعرض خلال الأيام القليلة الماضية إلى محاولة استبداله بالقوة، بعد أن رشحت معلومات عن نية مجموعات مسلحة موالية لحكومة الوحدة الوطنية محاصرة المصرف في العاصمة طرابلس.

ويثير قرار مجلس النواب تساؤلات حول أسبابه وأهدافه وسر توقيته، لا سيما وأن رئيسه عقيلة صالح كان يصرح مرارا بأن محافظ المصرف الصديق الكبير "مقال من منصبه ووجوده على رأس المصرف أمر غير شرعي".

وعلل البرلمان في بيان، قراره بإيقاف العمل بالقرار رقم (3) لسنة 2018 الذي تم بموجبه تعيين الشكري، لـ"مضي مدة تكليفه وعدم مباشرة مهام عمله من تاريخ صدور قرار تكليفه".

وكان الشكري، أدى في يناير 2018 اليمين القانونية أمام 50 نائبًا بمجلس النواب بمجلس النواب بعد انتخابه لهذا المنصب، في جلسة تعهد خلالها بالعمل في سياق الوحدة نفسه الذي تعمل به المؤسسة الوطنية للنفط.

وبحسب بيان البرلمان، فإنه تقرر استمرار العمل بقرار هيئة رئاسة مجلس النواب رقم (25) لسنة 2023 القاضي بتفويض باختصاصات والمتضمن تكليف الصديق الكبير محافظا لمصرف ليبيا المركزي ومرعي مفتاح رحيل البرعصي نائبا للمحافظ.

ويأتي قرار البرلمان الداعم محافظ مصرف ليبيا المركزي على رأس المؤسسة الاقتصادية الهامة في ليبيا، في الوقت الذي تدهورت علاقة الصديق الكبير ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية عبدالحميد الدبيبة.

وتعرض المصرف المركزي الليبي، لـ"محاولة لاستبدال المحافظ الصديق الكبير بالقوة"، بحسب بيان صادر عن المصرف المركزي الليبي، مما دفع بالولايات المتحدة إلى الدخول على خط الأزمة، محذرة على لسان سفيرها في ليبيا ريتشارد نورلاند من محاولات استبدال محافظ المصرف بـ"القوة".

وأكد نورلاند خلال لقائه الكبير بمقر سفارة الولايات المتحدة في العاصمة التونسية "دعم بلاده الكامل لمصرف ليبيا المركزي تجاه تلك التهديدات والمحافظة على استقرار المصرف المركزي من أجل القيام بالدور المناط به على أكمل وجه".

وفي حين لم يوضح البنك المركزي الليبي أو المبعوث الأميركي ما هي تلك التهديدات، لكن نشطاء ليبيون تداولوا خلال اليومين الماضيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا تفيد بـ"عزم رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، إقالة المحافظ بالاستعانة بقوى عسكرية غربي البلاد، بعد ضغوطات من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة"، في ما لم يصدر تعليق فوري من المنفي أو الدبيبة على تلك الأخبار.

تلك الأخبار استند فيها النشطاء إلى العلاقة المتوترة بين الدبيبة والصديق الكبير، منذ فبراير الماضي والتي أنهت أعواما من الوفاق بين الرجلين، على خلفية الأزمة الاقتصادية في ليبيا.

وفي فبراير، بدأت العلاقة المتوترة بين البرلمان والمصرف المركزي تشق طريقها إلى التحسن، فالصديق الكبير خاطب مجلس النواب، للموافقة على فرض ضريبة بقيمة 27 بالمئة على مشتريات العملات الأجنبية، في مقترح وافق عليه عقيلة صالح، رغم الانتقادات التي تعرض لها ذلك القرار.

وبعد تلك المحطة بخمسة أشهر وتحديدا في يوليو الماضي، التقى رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ومحافظ البنك المركزي لأول مرة في العاصمة المصرية القاهرة، في لقاء فسر حينها بأنه "تحالف ضد حكومة الدبيبة ومحاولة تضييق الخناق عليها"، بحسب مراقبين.

إلا أن المصرف المركزي قال في بيان -آنذاك- حول ذلك اللقاء، إنه بحث الخطوات المتخذة لاعتماد الموازنة الموحدة لعام 2024، إضافة إلى آخر مستجدات توحيد المصرف المركزي، وتطوير الخدمات المصرفية وأنظمة الدفع الإلكتروني، والقوانين المرتبطة بالقطاع المصرفي، والتنسيق مع مؤسسات الدولة، ومقترح معالجة المبادلة ودعم المحروقات.

وفي رسالة مغازلة من البرلمان للمصرف المركزي ورئيسه -الذي سبق وأقاله مجلس النواب-، عبر عقيلة صالح عن "امتنانه" للدور الذي قام ويقوم به مصرف ليبيا المركزي، لـ"المحافظة على الاحتياطات والاستدامة المالية للدولة".

وكان البرلمان الليبي قد أصدر في سبتمبر عام 2014 قراراً بإقالة الكبير من منصبه محافظًا للمصرف المركزي الليبي.

ولا يستبعد مراقبون أن تكون حالة الوئام بين صالح والكبير مناكفة للدبيبة، مستندين في ذلك إلى قرار البرلمان قبل أيام، بإنهاء ولاية السلطة التنفيذية (حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي)، معتبرا حكومة أسامة حماد هي الحكومة الشرعية حتى اختيار حكومة موحدة.

وجاء قرار البرلمان بعد إقراره الشهر الماضي، ميزانية إضافية قيمتها 88 مليار دينار ليبي (18.1 مليار دولار) للحكومة المعتمدة منه، التي تتخذ من الشرق مقرا لها، بعد 3 أشهر (أبريل الماضي) من إقراره الميزانية الأساسية التي قيمتها 90 مليار دينار ليبي (18.5 مليار دولار).

تلك الأموال لم يكن البرلمان ليستطيع إقرارها لولا حصوله على الضوء الأخضر من المصرف المركزي بإمكانية ضخها، لمساعدة حكومة أسامة حماد، في مهامها، بحسب مراقبين، توقعوا أن يضيق الصديق الكبير في المقابل الخناق على حكومة الدبيبة، وخاصة بعد قرار البرلمان اعتبارها منتهية الولاية، وتجديده الثقة في حكومة أسامة حماد.

وكان البرلمان منح حكومة أسامة حماد الثقة في مايو الماضي، إلا أنها لم تستطع ممارسة مهامها على كامل الأراضي الليبية لرفض حكومة الدبيبة تسليم السلطة إلا لحكومة منبثقة عن برلمان منتخب.

وتتنازع حكومتان على السلطة في ليبيا: الأولى برئاسة الدبيبة المتمركزة بالعاصمة وتدير منها كامل غرب البلاد، والثانية حكومة “الاستقرار” المكلفة من مجلس النواب، وتدير المنطقة الشرقية، ويرأسها أسامة حمّاد.

وخلق وجود حكومتين بالبلاد أزمة سياسية يأمل الليبيون في حلها عبر إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، لكن لا يبدو أن هذه الآمال قابلة للتحقق في ظل صراع الأضداد القائم، والذي بات ينذر بالخروج عن السيطرة.