البرلمان والأعلى للدولة يباشران خطوات تعيين رئيس حكومة جديد

استمرار المظاهرات المطالبة بإقالة الدبيبة بعد اشتباكات طرابلس يفتح المجال أمام البرلمان والمجلس الأعلى للدولة لاستثمار هذا الغضب الشعبي للدفع نحو مسار سياسي جديد.
البرلمان والمجلس الأعلى للدولة يواجهان تحديات كبيرة تتعلق بشرعية أي حكومة مستقبلية
الدبيبة لا يزال يتمتع بنفوذ كبير وهو ما سيمثل عائقا أمام أية حكومة جديدة
حكومة الدبيبة تؤكد مواصلة جهودها لضمان الاستقرار في العاصمة الليبية

طرابلس - في خطوة تعكس تصاعد الجهود لعزل حكومة الوحدة الوطنية ورئيسها عبدالحميد الدبيبة، أعلن مجلس النواب الليبي، الأحد، مباشرة لجنة كلفها بالتنسيق مع المجلس الأعلى للدولة فرز ملفات المرشحين لرئاسة حكومة جديدة، في وقت تتفاقم فيه التوترات السياسية والعسكرية في العاصمة طرابلس.
وأوضح بيان مقتضب صادر عن مجلس النواب أن اللجنة اجتمعت في مقر الديوان بمدينة بنغازي لفحص وثائق المترشحين والتأكد من استيفائهم للشروط القانونية والإدارية، في إشارة واضحة إلى أن المؤسستين التشريعيتين في شرق البلاد ماضيتان في مسار إنهاء دور حكومة الدبيبة، رغم غياب توافق وطني شامل أو دعم دولي واضح لهذه الخطوة.

وتُعد هذه الخطوة مؤشراً على إصرار كل من البرلمان والمجلس الأعلى للدولة على إعادة تشكيل المشهد التنفيذي في البلاد، وسط اتهامات موجهة لحكومة الوحدة بالعجز عن بسط الأمن في طرابلس، لا سيما بعد تصاعد الاشتباكات مع عدد من الميليشيات ومقتل شخصيات أمنية بارزة، كان آخرها قائد جهاز دعم الاستقرار عبدالغني الككلي المعروف بـ"غنيوة"، في تطور ميداني أدى إلى اندلاع مواجهات عنيفة كذلك مع قوات الردع بقيادة عبدالرؤوف كارة.
ويأتي هذا الحراك البرلماني في وقت تشهد فيه العاصمة طرابلس ومدن أخرى احتجاجات شعبية تطالب بإقالة حكومة الدبيبة، على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية، ما فتح المجال أمام البرلمان والمجلس الأعلى للدولة لمحاولة استثمار هذا الغضب الشعبي لدفع نحو مسار سياسي جديد يهدف لتشكيل حكومة بديلة تحظى بغطاء "مؤسساتي"، ولو كان من جهة واحدة في البلاد. وبالفعل قدم عدد من الوزراء استقالاتهم وهو ما حاول رئيس حكومة الوحدة نفيه.
ويرى مراقبون أن المجلسين يسعيان لتوسيع نفوذهما السياسي عبر هذه الخطوة، في ظل اتهامات متبادلة بالتمديد لأنفسهم وعرقلة الوصول إلى انتخابات طال انتظارها منذ العام 2021. وتتهم حكومة الدبيبة المؤسستين بمحاولة خلق فترات انتقالية جديدة دون شرعية شعبية أو دستورية، مؤكدة أنها لن تسلم السلطة إلا لحكومة ناتجة عن انتخابات تشريعية جديدة.
وفي ظل هذا الانقسام الحاد، تزداد مخاوف الليبيين من انزلاق البلاد مجددًا إلى مربع العنف، لا سيما في الغرب الليبي، حيث تشهد طرابلس حالة من التوتر الأمني المتزايد بعد مقتل غنيوة، أحد أبرز القادة الميدانيين، وسط أنباء عن تصدعات داخل المعسكر الأمني الداعم للحكومة. وتشير الاشتباكات الأخيرة مع جهاز الردع إلى أن موازين القوى داخل العاصمة بدأت بالتغيّر، ما قد يُفقد حكومة الوحدة قبضتها الأمنية التي لطالما شكلت أحد أعمدة بقائها في السلطة.
ورغم إصرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية في خطابات رسمية على تفكيك سطوة الميليشيات، يرى منتقدوه أن هذا الشعار لم يُترجم على أرض الواقع، بل استُخدم لتبرير تعزيز نفوذ شخصي وسياسي في غرب البلاد، من خلال تحالفات انتقائية مع بعض الفصائل المسلحة.

وقد أعلنت الحكومة الليبية المعترف بها دوليا الإثنين أن جهودها مستمرة لتثبيت وقف إطلاق النار في العاصمة، بالتنسيق مع كافة الجهات العسكرية النظامية، بعد اشتباكات دامية موضحة  في بيان أن وزارة الدفاع تواصل جهود وقف إطلاق النار و"تشرف بشكل مباشر على هذه المهمة بالتنسيق مع كافة الجهات العسكرية النظامية، بما يضمن تثبيت الاستقرار" وفي ما يبدو أنها رسالة لدعوات تشكيل حكومة جديدة.

وأشار البيان إلى أن الأولوية القصوى للوزارة هي "حماية المدنيين وتأمين المناطق الحساسة" في حين تنفذ القوات التابعة لها "تعليمات صارمة" للحفاظ على النظام العام.

من جانبه أعلن اللواء 444 الاثنين "إلقاء القبض على عدد من عناصر العصابة التابعة للمدعو بلقاسم ابن غنيوة الككلي، عقب تحقيقات ميدانية أدت إلى الكشف عن مقبرة جماعية داخل مقر تابع للعصابة في منطقة أبوسليم".

وأضاف في بيان أنه انتشل من الموقع عشر جثث لرجال ونساء في حصيلة أولية، مع بدء جهاز المباحث الجنائية عمليات التحليل والتوثيق لتحديد هوية الضحايا، و"ملاحقة المتورطين وتقديمهم للعدالة".

ورغم مباشرة خطوات تشكيل حكومة جديدة، يواجه البرلمان والمجلس الأعلى للدولة تحديات كبيرة تتعلق بشرعية أي حكومة مستقبلية، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. إذ لم يصدر حتى الآن أي موقف رسمي من البعثة الأممية في ليبيا أو من الدول الكبرى حول هذه التحركات، وسط تساؤلات عن مدى قبول المجتمع الدولي لحكومة لا تنبثق عن انتخابات شعبية فيما تصر حكومة الدبيبة على مواصلة مهامها مدعومة بتشكيلة عسكرية هامة على الأرض.
كما أن استمرار وجود حكومتين متنافستين على رأس السلطة يضعف أي محاولة للانتقال السياسي، ويُبقي ليبيا في حالة من الانقسام المؤسساتي الذي أثبت فشله خلال السنوات الماضية في تحقيق الاستقرار أو تنظيم الانتخابات.
تشير التطورات الأخيرة إلى احتمال دخول ليبيا في مرحلة جديدة من الصراع السياسي وربما العسكري، في حال إصرار الأطراف المتصارعة على تجاهل مطالب الليبيين بإجراء انتخابات عامة وتوحيد المؤسسات. فمع رفض الدبيبة التنحي، وغياب توافق وطني حول آلية تشكيل حكومة جديدة، فإن الأزمة مرشحة للتصعيد أكثر من أي وقت مضى، ما يهدد بعودة البلاد إلى أجواء الفوضى التي أعقبت سقوط نظام القذافي.
وفي الأثناء، لا يزال المواطن الليبي ينتظر حلاً يُنهي الفترات الانتقالية الطويلة ويضع حدًا لسلطة الميليشيات والانقسام، في حين يبدو أن النخب السياسية لا تزال تراهن على أدوات الصراع بدلًا من أدوات الحل، وهو ما يضع البلاد على مفترق طرق حاسم خلال الأشهر القليلة المقبلة.