البرمجة الرمضانية تثير حيرة المشاهد التونسي واستياءه

الإنتاجات الجديدة تحفز التونسيين على متابعة الأعمال الدرامية القديمة في رمضان.
عودة الإعلامي سامي الفهري إلى التقديم التلفزيوني ببرنامج 'تَضحك تُخرج'

عادة يوم واحد لا يعد كافيا لرصد الانطباعات حول الأعمال الرمضانية، لكن جولة شبه فاشلة بين مختلف الفضائيات التونسية سواء الحكومية منها، أو الخاصة كشفت عن خيبة انتظارات المشاهدين وتخبط الممثلين!

من "علاش باش تتفرج رمضان 2024؟" (ماذا ستشاهد رمضان 2024؟) إلى "ما لقيت فاش نتفرج" (لم أجد ما أشاهد).. يوم فقط كان كافيا حتى يعدل المشاهد التونسي بوصلته ويحدد ماذا سيشاهد خلال الموسم الرمضاني الحالي، ففي انتقال سريع وغير متوقع قرر متابعة إعادات الأعمال القديمة التي دأبت عليها الوطنية الثانية (حكومية) منذ سنوات، رغم تعطش التونسيين للإنتاجات المحلية الجديدة على قلتها والمرتبطة بالشهر الفضيل دون بقية أشهر السنة.

عادة يثير أحد الأعمال جدلا منذ عرض حلقاته الأولى على غرار ما حصل العام الماضي، حيث تعرض مسلسل "فلوجة" للمخرجة التونسية سوسن الجمني بعد ساعات قليلة من عرضه على قناة الحوار التونسي (الخاصة) لهجوم شديد، لكن أن تتصدر كل الأعمال الترند على موقع فيسبوك، فهذه سابقة أولى من نوعها.

برمجة اليوم الأول استفزت المشاهد التونسي الـ"نبار" بطبعه (المتهكم/الساخر) ليتحول فيسبوك إلى منصة مفتوحة على كل الآراء والقراءات المختلفة، حيث اجتهد الكثيرون في تفسير وتحليل ما تم عرضه، بل والإسراف في انتقاده.

وتتالت المنشورات والتعليقات وكان بعضها يحمل توقيع نجوم تونسيين، فمثلا قالت الممثلة وحيدة الدريدي في تدوينة نشرتها على صفحتها "حظ موفق لكل الأعمال المقدمة هذه السنة.. فقط بعد أن تجولت بين القنوات.. أسوق ملاحظة تجاه بعض الوجوه... رجاء التمثيل ليس.. لكل من هب ودب.. في بعض الأعمال... بين الأداء المسرحي والأداء التلفزي بون شاسع... مش معقول الأداء المسرحي أمام الكاميرا (ليس من المعقول)... وفي البقية تحية لمن كان في المستوى...".

وتأتي الإنتاجات التونسية هذا العام زاخرة بالجديد مقارنة بالسنوات الأخيرة، فالمنافسة تنحصر بين ثلاث مسلسلات بزيادة عمل واحد عن السنة الماضية، في حين تم تحويل عملين سينمائيين إلى وجبة تلفزيونية فكاهية في إطار تقديم عدد من السيتكومات، بالإضافة إلى تسجيل عودة الإعلامي والمخرج التونسي سامي الفهري إلى التقديم التلفزيوني.

إلا أن برمجة اليوم الأول من رمضان كشفت أن الإنتاجات الرمضانية في تونس تستوجب مراجعة عاجلة لمعالجة عدد من النواقص، لعل أبرزها مواعيد طرح الأعمال التي رغم الدعوات والانتقادات المستمرة تأتي دفعة واحدة موزعة على مختلف القنوات.. ويقضي المواطن المنهك بقية السهرة الرمضانية بعيدا عن الشاشة الصغيرة.

وعن ذلك تساءلت الصحفية التونسية ريم شاكر في تدوينة نشرتها على صفحتها بفيسبوك "بجاه ربي علاش المسلسلات فرد وقت (رجاء لماذا كل المسلسلات في نفس التوقيت)... شنية الحكمة من هذا (ما الحكمة من ذلك)".

ورغم هذا التزامن غير المجدي في العرض، تمكن المشاهد التونسي بفضل مسلسلات الإعلانية المغردة خارج السرب، من اقتناص مشاهدة متنوعة والأخذ "من كل شيء بطرف" ليكون رأيا جاء غالبا منتقدا للعروض "الهزيلة" والتي أرجع البعض أسبابها لضعف في الكتابة واختيار الممثلين، بينما وجد البعض الآخر أنها تعمق صناعة التفاهة، في حين أعرب لفيف آخر عن خيبة أمله وانتظاراته.

وكانت عودة سامي الفهري إلى التقديم التلفزيوني من بين المصافحات المنتظرة، لاسيما بعد ما تم تداوله من أخبار حول مضمون برنامجه الجديد "تَضحك تُخرج" المقتبس عن النسخة الفرنسية "LOL Qui RiT sort"، والذي يجمع وفق ما تم نشره قبل عرض البرنامج بين مجموعة من الكوميديين والمؤثرين والفنانين على تحدي تقوم فكرته على التنافس على إضحاك الآخرين دون أن تضحك.

لكن ضحك المشاركون في التحدي والمشرف عليهم "سامي الفهري" وخرج المشاهدون عابسين!، ولم يفوت كثيرون فرصة التعليق على البرنامج، حيث كتب معلق ردا على سؤال "شكون تفرج (من شاهد الحلقة الأولى) في الحلقة الأولى من برنامج تضحك تخرج؟ رأيكم؟ عجبكم ولا ماعجبكمش (لم يعجبكم)؟ كيف وجدتم عودة سامي الفهري للتنشيط؟" طرحته صفحة تنشط على فيسبوك تحت اسم "مسلسلات تونسية" "شكرا سامي الفهري عنا واحد في العايلة من ذوي الاحتياجات الخاصة، عندو سنين ما يمشيش، (عاجز عن المشي منذ سنوات) اليوم قام وسكر التلفزة (اليوم نهض وأغلق التلفاز)".

وجاءت الكثير من التعليقات مماثلة.. لتعمق حيرة المشاهد المتسائل هل البرامج والأعمال المعروضة في العموم تقدم رؤية معاصرة تتجاوز أبعادها عقلية المواطن البسيط أم أنها تكشف عن تراجع في مستوى ما يتم تقديمه؟، أم أنها تفضح مأزق كتابة السيناريو في تونس؟

أعمال تطرح الكثير من التساؤلات بدءا من توقيت العرض، مرورا بالنصوص فكرة ومضمونا، وصولا لعدد الحلقات وهذه الأخيرة في حد ذاتها تستوجب تحليلا، فلا هي من صنف الأعمال القصيرة ولا الطويلة، بل مبتورة بعضها لا يتجاوز 20 حلقة مع إعادتها ملأ لشغور العشر أيام الأخيرة من رمضان، دون اعتبار لمشاعر المشاهد حديث العهد بمشاهدتها؟

ومع ذلك قد يكون من المبكر جدا الحكم على ما تم إنتاجه هذا العام خصيصا للشهر الفضيل، فقد تنجح الحلقات المرتقبة من كل العروض الرمضانية في ما عجزت عنه حلقتها الأولى.. وقد يتحول المشاهد المتذمر إلى متفرج متعطش للمزيد.. من يدري؟!

لكن الظاهر حتى الآن أن بعض القنوات من التي احتذت حذو القناة الوطنية الثانية تحقق تقدما نسبيا في عدد المشاهدات بفضل سلسلة من الإعادات لمسلسلات قديمة على حساب ما يتم عرضه من إنتاجات جديدة!