
التدخل التركي يدفع لتكرار السيناريو السوري في ليبيا
باريس - يرى محللون أنه مع التدخل التركي والروسي في ليبيا فإن هذا البلد يتجه إلى سيناريو يشبه النزاع السوري مع مخاطر تفاقم الفوضى ميدانيا وتراجع الأوروبيين إلى الصف الثاني في جهود تسوية النزاع.
وشهدت حرب الأشقاء القائمة في ليبيا منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011، تسارعا في 2019 مع تزايد إجراءات تركيا في الأيام الأخيرة.
ومن المقرر أن يصوت البرلمان التركي الخميس على نشر جنود أتراك في ليبيا دعما لحكومة طرابلس التي يرأسها فايز السراج والتي بدت عاجزة أمام تقدم قوات الجيش الوطني الليبي باتجاه قلب العاصمة ضمن حملة جديدة لتطهيرها من الإرهاب.
ومع موافقة البرلمان تنضم تركيا رسميا للمسرح الليبي وهي موجود عمليا في ليبيا خصوصا من خلال تزويد حكومة السراج بأسلحة وطائرات مسيرة.
وتنوي أنقرة من خلال نشر جنودها صف بيادقها في دعم جماعة الإخوان الليبية التي تهيمن على غرب ليبيا.
ويشير الخبراء إلى أن قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر تحرز تقدما في الحملة الجديدة لتطهير طرابلس من الإرهاب بعد هجوم سابق أطلقته قيادة الجيش في أبريل/نيسان وتوقف مرارا مع احتماء الميليشيات الداعمة لسلطة السراج بالسكان المحليين.

وكانت القيادة العامة للجيش الوطني الليبي قد وجهت قواتها بتوخي الحذر وتجنب الانخراط في قتال بالمناطق السكنية حرصا على حياة المدنيين التي تقول إن القوات والميليشيات الداعمة السراج تتخذهم دروعا بشرية.
والحضور الروسي في الساحة الليبية الذي يدعيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتنفيه موسكو باستمرار، أكده مبعوث الأمم المتحدة لليبيا غسان سلامة الذي عبر عن قلقه إزاء تفاقم تدويل النزاع.
وأكد محللون معلومات تداولتها شبكات التواصل الاجتماعي عن وصول مرتزقة سوريين أرسلتهم تركيا إلى طرابلس رغم نفي حكومة الوفاق الوطني صحة تلك الأنباء.
وقال الباحث الليبي في هولندا جلال الحرشاوي أنه كما حدث في سوريا نشهد "كوريغرافيا معقدة جدا وشديدة التضارب" بين الفاعلين تركيا وروسيا اللذين "لا يجمعهما ود وليسا حليفين" لكن يمكن أن تلتقي مصالحهما.
وكانت روسيا وإيران أبرز داعمي السلطات السورية وتركيا التي تدعم المعارضة السورية، التقت ضمن عملية أستانا للسلام التي دشنت في 2017 بعد فشل عدة جولات تفاوض نظمتها الأمم المتحدة في جنيف.
كما اجتاحت تركيا مدعومة من مسلحين سوريين موالين لها منطقة في شمال شرق سوريا بداعي التصدي لمجموعات مقاتلة كردية سورية.
لم يسبق أن حدثت مواجهة مباشرة بين أتراك وروس على الأراضي السورية وعلى غرار ذلك لن تحدث بينهما مواجهة متعمدة ومقصودة ومكثفة على الأرض الليبية
وتساءل غسان سلامة في عدد صحيفة لوموند الفرنسية الاثنين "هل يمكن أن يتكرر أمر مماثل للنموذج السوري في ليبيا؟" مضيفا "جوابي نعم".
وأضاف الحرشاوي "لم يسبق أن حدثت مواجهة مباشرة بين أتراك وروس على الأراضي السورية وعلى غرار ذلك لن تحدث بينهما مواجهة متعمدة ومقصودة ومكثفة على الأرض الليبية".
لكن في المقابل ستحدث "أخطاء وانزلاقات" بين الليبيين من خلال 'جهات راعية' متعارضة "ولن يكون الأمر جيدا، سيموت ليبيون".
وسيعني هذا التدخل الروسي التركي المزدوج انحسار نفوذ الأوروبيين وأولهم فرنسا، في نزاع يدور على أبوابهم مع ما يحمله من تهديدات إرهابية وتدفق مهاجرين.
وتابع المحلل الليبي "في نهاية المطاف الزعامة لن تكون غربية. وسيبرم الروس والأتراك يالطا جديدة في ليبيا"، في إشارة إلى تقاسم النفوذ الأميركي السوفييتي في 1945، مضيفا "إنهما يواصلان نفس المنطق المناهض لأوروبا ولفترة ما بعد النفوذ الأميركي" مع انكفاء واشنطن داخليا.
ولزمت فرنسا التي كانت حاولت القيام بوساطة في ليبيا بعد انتخاب الرئيس ايمانويل ماكرون في 2017 وفتحت قنوات حوار مع المشير خليفة حفتر وأغضبت ايطاليا المستعمر السابق لليبيا، التكتم في الأشهر الأخيرة. ويقول كثيرون إن باريس تدعم بحكم الأمر الواقع حفتر لكن السلطات الفرنسية تنفي ذلك.
وأخذت ألمانيا عنها الملف مع هدف جمع الداعمين الدوليين وأبرز الفاعلين في الأزمة حول طاولة حوار في يناير/كانون الثاني في برلين في إطار عملية تشبه عمليات مفاوضات الأمم المتحدة.
ويرى عمادالدين بادي الخبير في معهد الشرق الأوسط في واشنطن أن تركيا تريد "التوصل إلى تسوية سياسية تضمن إنقاذ حكومة الوفاق الوطني" وتحفظ مصالحها الاقتصادية في ليبيا.
وكانت وقعت خصوصا في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 اتفاقا مع حكومة السراج يسمح لها بحقوق على مناطق واسعة من شرق البحر الأبيض المتوسط وغنية بالمحروقات.
وقال ناتان فيست الخبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد راند الأميركي للأبحاث في واشنطن إن "كل ذلك يندرج ضمن تنافس أوسع على الموارد والنفوذ".