التطور العلمي يوسع مساحات زراعة 'الذهب الأحمر' في تونس

تجربة زراعة الفراولة 'فاكهة الربيع والصيف' في حقول محافظة باجة التونسية تلقى النجاح والازدهار.

باجة (تونس) - لئن اشتهرت محافظة نابل شمال شرقي تونس بإنتاجها نسبة هامة من الفراولة على مستوى البلاد، فإن ما تعرف باسم "فاكهة الربيع والصيف"، أصبحت تحظى بأهمية كبيرة في محافظة باجة غربا، في مناطق تيبار ونفزة ووشتاتة وما يزال قطفها مستمرا.

ووفق أرقام للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (اتحاد المزارعين) تستأثر ولاية نابل بـ90 في المئة من مساحات زراعة الفراولة في تونس بنحو 350 هكتارا في حين تبلغ المساحة في محافظة باجة نحو 40 هكتارا.

وبعد نابل، ظهرت فكرة تجربة زراعة الفراولة في باجة، فوسط بساتين التين واللوز في منطقة جبة بمعتمدية تيبار، يمتد حقل فراولة على مساحة 5 هكتارات بمساحة خضراء يانعة وأوراق عريضة تخفي تحتها الحبات الحمراء.

وعلى طول الطرقات الرابطة بين مدينتي نفزة ووشتاتة بمحافظة باجة وصولا إلى حدود طبرقة بمحافظة جندوبة تنتشر ثمار الفراولة (الفريز)، أو ما يعرف بـ"ذهب تونس الأحمر"، في الأسواق وعلى الطرقات وفي المزارع، لتعلن المنطقة نفسها موطن إنتاج لهذا النوع من الغلال المتوفر طوال فصلي الربيع والصيف.

ويشار إلى أن المساحات المزروعة من هذا النوع من الغلال من عائلة الورديات توسعت مع بداية موسم إنتاج الفراولة لسنة 2024 بنسبة 30 في المئة وخاصة في وشتاتة التي تؤمن 90 في المئة من إنتاج المنطقة، وفق المصالح الفلاحية بباجة.

وأكد مندوب التنمية الفلاحية بباجة بدر الظاهري في تصريح سابق لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات)، أن مساحات الفراولة بلغت 40 هكتارا يقدر إنتاجها بـ1200 طن من 6 أصناف وخاصة لصنف "كميوزا"، وهي مساحات قابلة للزيادة، وقد تصل إلى أكثر من 50 هكتارا.

وينهمك عشرات النساء والرجال في حقل بالمنطقة في جني الفاكهة بكل جد ونشاط، يسابقون الزمن من أجل قطف الثمرات الناضجة قبل اشتداد حر يوم من أيام يونيو/حزيران تجاوزت حرارته 38 درجة.

ويشرف المنجي الدجبي وهو صاحب الحقل على العمل وينظم خروج الشاحنات الصغيرة وقد رصفت فوقها صناديق الثمار التي تم جنيها لتنتقل إلى الأسواق.

وقال الدجبي للأناضول "ضيعتنا تمسح 5 هكتارات، نبدأ العمل من سبتمبر/أيلول بزرع الشتلات وفي أبريل/نيسان تجنى الثمار"، مضيفا "تحتاج نبتة الفراولة إلى العناية والري، حيث نجلب الماء من آبار إرتوازية في المنطقة بعد جفاف البحيرة القريبة منا طيلة العام"، متابعا "كانت الأمطار دائمة هذا العام ولم نضطر للري كثيرا". أما عن كلفة إنتاج الهكتار الواحد، فأضاف "يتكلف إنتاجه 80 ألف دينار (26.6 ألف دولار)".

ويواجه الدجبي صعوبة في توفير اليد بعد عزوف الناس عن العمل الفلاحي، ورغم أن منطقة دجبة معروفة بإنتاج التين فقد بدأت مغامرة زراعة الفراولة منذ 5 سنوات، وفق حديث صاحب الحقل.

وتابع "الهكتار الواحد يعطي في السنة الجيدة من حيث الأمطار، 20 طنا من الفراولة وفي الأعوام العادية ينتج ما بين 10 إلى 15 طنا"، لافتا إلى أنه "في السنة الأولى من غراسة الفراولة لا يمكن تغطية تكاليف الإنتاج لقلة المحصول الذي يتضاعف في العام الثاني والثالث المواليين".

فراولة
تغلغل استهلاك الفراولة في التقاليد الغذائية للعائلات التونسية

وحول الفراولة التي ينتجها، قال الدجبي "نغرس نوعين من الفراولة الكاماروز لأنها تتحمل الحرارة وكذلك صنف الفرتونة أما الشتلات فهي كلها مستوردة من ولاية كاليفورنيا بأميركا"، مضيفا "الشتلة الواحدة تتكلف بـ1.2 دينار (0.4 دولار) والهكتار الواحد يتسع لـ40 ألف شتلة".

ويتم التسويق للمنتوج داخليا "بطريقة سهلة"، نظرا لاستهلاك الفراولة في التقاليد الغذائية للعائلات التونسية، وفق المزارع، الذي يدير الضيعة الوحيدة في منطقة دجبة التي تنتج الفراولة.

وقال شكري الرزقي نائب رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلف بالإنتاج الفلاحي "كانت جهة الوطن القبلي (نابل) تختص بإنتاج الفراولة وأساسا منطقة قربة ولكن بحكم التطور العلمي، اكتسح المنتوج العديد من الجهات".

وأضاف "مثل كثير من المزروعات التي كانت حكرا على جهات بعينها اليوم نجدها في كامل التراب التونسي، بحكم التطور العلمي الذي أعطى نفسا لهذه الزراعات بأن توجد في مناطق أخرى وتتغلب على صعوبات المناخ وتوفر الماء ونوعية التربة"، متابعا "البحث العلمي أفضى إلى إعطائنا نوعيات من الزراعات التي تتحدى صعوبات المناخ والتربة".

وأشار إلى أن "الفكرة السائدة أن الفراولة وغيرها على غرار القوارص والتفاح لا يُنتج إلا في جهة معينة سمح البحث العلمي بتجاوزها وأتاح فرصا جديدة للفلاح بإنتاج العديد من المغروسات فقط عليه أن يبحث عن الصنف الذي يلائم خاصيات تلك الجهة".

وحول ارتفاع استهلاك الفراولة وتوسعه جغرافيا قال الرزقي "بحكم توسع المنتوج في عدة جهات أصبح قريبا من المواطن الذي أقبل عليه بكثافة"، متابعا "في محافظة باجة كان إنتاجه حكرا على نفزة ووشتاتة (شمال محافظة باجة) اليوم إنتاج الفراولة أصبح في منطقة سيدي إسماعيل وفي جهة مجاز الباب (جنوب المحافظة) وكلما اقترب المنتوج من المواطن أتيحت فرصة استهلاكه أكثر".

وأضاف "إنتاج الفراولة يتطلب كثيرا من التقنية والاعتمادات، فتكلفة هكتار واحد من الفراولة هي ما بين 80 ألف (26.6 ألف دولار) و100 ألف دينار (333.3 ألف دولار) وهذا ليس بإمكان أي كان".

وأوضح أنه "من الناحية التقنية والمتابعة يتطلب إنتاج الفراولة دقة وبحكم توفر المعلومة العلمية والإرشاد من الشركات، والمزارع أصبح متضلعا في غراسة الفراولة".

وتابع أن الإنتاج الوطني كله موجه للسوق المحلية وفيه صناعات تحويلية وهذا ما يجعله يتطور لأن أي ثورة فلاحية لا تصاحبها ثورة تحويلية صناعية يصعب أن تنجح"، قائلا "هذه الغراسة لها آفاق وتكون مربحة إذا كان الطقس ملائما لأنه من العوائق الكبرى أمام نجاحها هو انتشار الأمراض في الحقول الأمر الذي يجعل مداوتها مكلفة جدا ماليا".

وتنضج الفراولة في تقاطع فصلي الربيع والصيف، مما يجعل تسويقها سهلا ومربحا ويقبل عليه المواطنون، وفق الرزقي

أما عن الصعوبات التي تواجه إنتاج الفراولة في تونس، فقال الرزقي "الصعوبات تشمل كل القطاعات مثل الأمراض واليد العاملة وارتفاع تكلفة الإنتاج"، إلا أنه أعرب عن تفاؤله بمستقبل هذه الزراعة في تونس بالقول "كلما كانت الإنتاجية صاعدة تنخفض التكلفة ويكون الربح بالنسبة إلى الفلاح مُجزيا".