التظاهرات في زمن الذيول

تستغل المعارضة الكردية ظرفا استثنائيا لتصفية حساباتها السياسية مع حكومة الإقليم.
فضائيات عراقية عاشت ساعات صعبة وهي تبحث في كردستان عن اثر للتظاهرات دون جدوى
ما يضعف الدور الكردي في بغداد هو وجود جهات تضع مصلحتها الحزبية فوق مصلحة كردستان

يمكن تقيم اداء اية حكومة من خلال مؤشرين. الأول، مدى رضا الشارع عنها؛ والثاني، مدى عدم رضا الاعداء عنها. من جهة اخرى فان وجود معارضات مسؤولة للحكومات هو بحد ذاته مصدر قوة للكيانات التي تقيم عليها، وبوصلة حقيقية لتقويم عمل الحكومات لما يصب في صالح الشعوب في النهاية. لكن عندما تستغل المعارضة ظروفا داخلية واقليمية لضرب منافسيها وتحقيق مصالح قوى اقليمية دون ان تأبه بمصير الشعب والكيان السياسي الذي تقيم عليه، فلا يمكن اعتبار تلك الجهات معارضة او على الاقل لا يمكن اعتبارها معارضة وطنية.

قبل بضعة ايام في كردستان دعا طرف سياسي يعتبر نفسه طرفا معارضا الشارع الكردستاني للخروج في تظاهرات ضد حكومة الاقليم، وسخر فضائياته "العديدة" للتحشيد الاعلامي لتلك التظاهرة، سانده في ذلك فضائيات ومنصات اعلامية لاطراف سياسية عراقية ترى ان خروج تظاهرات في كردستان سيخفف من الضغط الذي تشكله تظاهرات التيار الصدري ضدها.

وفي الموعد المحدد للتظاهرة اكتشف ذلك الطرف ان لا احد لبى دعوته سوى بعض (وليس جميع) المنتمين اليه بشكل رسمي لم يتجاوز اعدادهم العشرات. وعاشت الفضائيات التابعة لتلك الجهة ساعات صعبة وهي تتنقل بين مدن وبلدات كردستان مقتفية اي اثر للتظاهرات دون جدوى، مما اضطرها الى التركيز على التجمعات الطبيعية في الاسواق للمواطنين وهم يتبضعون لحياتهم اليومية مدعية انهم "متظاهرين".

لقد مثل الرفض الشعبي لدعوة تلك الجهة استفتاء شعبيا جديدا حول رضا الشارع عن اداء حكومة الاقليم والاحزاب التي تتشكل منها، واحساسه العالي بالمسؤولية ازاء الظروف التي تمر بها كردستان بشكل خاص والعراق بشكل عام، واثبت المواطن الكردستاني بانه اوعى من مخططات المنفلتين وذيولهم في كردستان والعراق، ممن ينفذون اجندات جهات اقليمية على حساب الاستقرار والامن في كردستان. فتوقيت الدعوة كان مشبوها فضح اهداف الجهة الداعية اليها، بتزامنها مع تظاهرات التيار الصدري في بغداد ضد فساد المنفلتين والذيول، بغية تخفيف وطأتها عليهم وتشتيت التركيز عليها.

وما اثار شكوك المواطن الكردستاني ازاء دعوات التظاهر هذه، انها تستند الى نقاط ليست لحكومة الاقليم علاقة بها. فالمواطن الكردستاني يعرف تماما ان المتسبب في الازمة الاقتصادية التي يعاني منها منذ عام 2013 هي الحكومة الاتحادية وليست حكومة الاقليم. في المقابل ورغم تفاقم المشاكل العالقة بين بغداد واربيل، فان ممثلي هذه الجهة في برلمان بغداد لم يدافعوا ولو لمرة واحدة عن حقوق المواطن الكردستاني ضمن هذه المشاكل.

 لذلك فمن حق المواطن الكردستاني توجيه الاسئلة التالية الى الجهة الداعية للتظاهر:

* هل استنكرت هذه الجهة ولو لمرة واحدة عمليات القصف التي يقوم بها المنفلتون على مدن كردستان؟

* من هو الطرف المتسبب بانخفاض مستوى الحالة المعيشية للمواطن الكردستاني، هل ان حكومة اقليم كردستان هي من تمتنع عن اعطاءه مستحقاته، ام ان حكومة بغداد هي الممتنعة وتتراجع كل مرة عن جميع اتفاقياتها مع اقليم كردستان، رغم ان حكومة الاقليم هي المبادرة دائما بالتفاوض وارسال الوفود الى بغداد للتوصل الى حل يرضي جميع الاطراف في هذا الملف؟

* هل يعقل ان يصل استخفاف هذه الجهة بالمواطن الكردستاني للحد الذي تحمل فيه حكومة الاقليم مسؤولية ازمة المياه التي تعاني منها المنطقة كلها بل وكل العالم، الا اذا كانت حكومة الاقليم هي المسؤولة عن التغير المناخي الذي يعاني منه العالم.

* ان قلنا ان من حق المعارضات توجيه النقد الى الحكومات، فلماذا لا يوجه ممثلو هذه الجهة في برلمان بغداد اية انتقادات الى حكومة بغداد خاصة فيما يتعلق بالمشاكل العالقة بين كردستان والعراق وهم يعرفون الطرف الذي يماطل في حل هذه المشاكل؟

* يفترض ان تكون مهمة البرلمانيين الكرد بشكل عام في البرلمان الاتحادي هو الدفاع عن حقوق الشارع الذي انتخبهم في الحكومة الاتحادية، بالمقابل فان مهمة البرلمانيين في برلمان كردستان هو الدفاع عن حقوق الشارع الذي انتخبهم في حكومة الاقليم. السؤال هنا: هل ان مهمة برلمانييهم في برلمان بغداد هي انتقاد حكومة الاقليم في كل شاردة وواردة ام الدفاع عن حقوق المواطن الكردستاني في الحكومة العراقية؟ اذا لماذا ذهبوا الى برلمان بغداد لتمثيل المواطن الكردي هناك؟ كان الاولى بهم الاكتفاء ببرلمان كردستان والجلوس على مقاعده وانتقاد حكومة كردستان ليل نهار.

* هل تساءلت هذه الجهة، ولو من باب العلم بالشيء، لماذا لا ترسل الحكومة العراقية شهريا مبلغ 200 مليار دينار عراقي المتفق عليه الى كردستان وهو مرتبط مباشرة بقوت المواطن الكردستاني الذي تدعي انها تدافع عنه، خاصة وان المحكمة الاتحادية اقرت بهذا الاتفاق؟

* هل صارحت هذه الجهة الشعب الكردستاني بان حكومة بغداد لم ترسل خلال الثمانية اشهر الماضية من العام الجاري سوى ثلاث مرات مبلغ الـ 200 مليار دينار المتفق عليه؟

 * هل حاولت هذه الجهة التي تدعي المعارضة ان تسأل الحكومة الاتحادية لماذا لا ترسل الميزانية الاستثمارية الى اقليم كردستان عوضا عن الميزانية التشغيلية؟

* لماذا كل توجهات هذه الجهة تتطابق بشكل كامل مع توجهات الذيول في العراق، هل هي الصدفة المحضة مثلا؟

ان ما يضعف الدور الكردي في بغداد هو وجود جهات سياسية تضع مصلحتها الحزبية فوق مصلحة شعب كردستان، ولديها الاستعداد للتحالف مع اية جهة خارجية كانت ام داخلية للاستقواء على الاحزاب المنافسة لها حتى وان كان ذلك التحالف بالضد من مصلحة الشعب الكردستاني. هذه الظاهرة توضحت بشكل جلي عام 2011 وتعمقت بعد 2017. وما يزيد من خطورتها هو ان الظروف التي تحيط بكردستان حاليا سواء في العراق او المنطقة مفتوحة على جميع الاصعدة، ومن الواجب على الاحزاب الوطنية في كردستان الانتباه لهذه الظاهرة والحد منها، رغم ان المواطن الكردي قد مارس دوره هذه المرة للفظ هذه الجهات والحد من تأثيرها... فالمواطن دائما هو الحامي الاول لقضاياه.