التعليم لمن استطاع إليه سبيلا من اللاجئين السوريين في لبنان

ملف التلاميذ السوريين في المدارس اللبنانية يشكل هاجسا أطلق حملة مكثفة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ضد تعليم السوريين، خصوصا بعد تخفيض الدول المانحة للتمويل الذي تدفعه للبنان مقابل كل تلميذ سوري.


بيروت - حذر وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عباس الحلبي، من إعادة وزارته النظر بعدد المدارس التي تستقبل النازحين السوريين في دوام بعد الظهر نتيجة عدم التزام الدول المانحة بالتمويل المتفق عليه، وهو ما يهدد مئات الآلاف من الأطفال السوريين بالحرمان من التعليم.

وتتداول غالبية وسائل الإعلام اللبنانية تقاريرا متواترة حول "كابوس الطلاب السوريين في المدارس اللبنانية وشبح الاندماج الذي يهدد أبنائهم"، معتبرين أن ملف النازحين السوريين يشكل تهديدا حقيقيا للطلاب اللبنانيين، فالأعداد تتضاعف في القطاعين الرسمي والخاص على حد سواء للاستفادة من دعم الدول المانحة. فبعد أن كان عدد الطلاب حوالي 267 ألفا العام الماضي، فإن هذا العدد بات اليوم يتعدّى 700 ألف تلميذ سوري.

وتضج مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان بالحديث عن "الاجتياح السوري للتعليم اللبناني مطالبين بطردهم من المدارس ورفض الاندماج.

وجاء في تعليق:

وقال آخر:

وبحث الحلبي خلال لقاء جمعه مع وكيلة الأمين العام والمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا على رأس فريق عملها، التحديات التي تواجهها الوزارة مع مطلع العام الدراسي الجديد واحتياجاتها لإقلاع العام الدراسي واستمراره واستقراره.

وقدم الحلبي خلال اللقاء، شرحاً عن التحديات التي تتطلب تأمين التمويل في الوقت المحدد، مشيراً إلى حاجات المعلمين للوصول إلى المدارس وتمكينهم من العيش الكريم بالحد الأدنى المقبول.

وأشار إلى الأموال التي تأخرت الجهات المانحة بسدادها عن العام الدراسي الماضي والذي سبقه أيضاً، وقال إن هذا الأمر سيدفع "الوزارة إلى إعادة النظر بعدد المدارس التي تستقبل النازحين (السوريين) في دوام بعد الظهر نتيجة عدم الالتزام الدولي بالتمويل المتفق عليه، كما أن مدارس عديدة لن تتمكن من فتح أبوابها بسبب خلو صناديقها من الأموال.

وتدفع الجهات المانحة عن كل تلميذ سوري في الرسمي 140 دولاراً مخصّصة لصناديق المدارس الرسمية إضافة إلى 18 دولاراً لصندوق الأهل عن كل تلميذ لبناني.
وتفيد التقارير أن المانحين يشجعون المدارس الخاصة على استقبال المزيد من السوريين، بهدف تسجيل أكبر عدد من النازحين لمزيد من الدمج، علماً أن قسماً كبيراً من أسر النازحين امتنعوا عن إلحاق أولادهم في المدارس بسبب عدم قدرتهم على تحمّل كلفة النقل أو صعوبة متابعة المنهاج اللبناني، أو لدفع أولادهم إلى سوق العمل، إضافة إلى أسباب أخرى منها الزواج المبكر في مخيمات النازحين.

ولدى طرح موضوع ازدياد عدد التلامذة من النازحين السوريين، عبّر الحلبي عن "الخشية من تراجع أعداد تلامذة الثانويات الرسمية نظراً لتجربة العام الدراسي الماضي الذي شهد إضرابات وإقفالاً قسرياً، مشدداً على "ضرورة أن يعمل المانحون بما ينسجم مع خطة الوزارة".

وفي إطار خطة الاستجابة للأزمة السورية، أنشأت اليونيسف بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم العالي، برنامج التعليم الشامل الذي يتضمن توفير التعليم للتلامذة السوريين في 342 مدرسةً رسميةً تتوزع على مختلف الأراضي اللبنانية.

تعليم بمبادرات أهلية
تعليم بمبادرات أهلية

وكانت اليونيسيف تدفع لوزارة التربية اللبنانية خلال السنوات الدراسية السابقة، عن كل تلميذ سوري 600 دولار أميركي سنوياً، إن كان مسجّلاً في دوام بعد الظهر، أو 363 دولاراً إن كان مسجّلاً في الدوام الصباحي. وكانت تُصرف هذه المبالغ مباشرةً على التكاليف التشغيلية من دون احتساب رواتب الأساتذة، وكلفة المباني المدرسية وصيانتها، واستخدام التجهيزات والمفروشات.

لكن في العام الدراسي الماضي 2022/ 2023، تراجعت مساهمة اليونيسيف بنسبة تصل إلى 76.6 بالمئة، حيث باتت تدفع 140 دولاراً عن كل تلميذ سوري في التعليم الرسمي قبل الظهر وبعده، إلى جانب دفع مبلغ وقدره 18 دولاراً عن كل تلميذ لبناني في التعليم الرسمي، بعد أن كان 160 دولاراً.

وأكد مقرّر لجنة التربية الوطنية والتعليم العالي النائب أدكار طرابلسي أن "برنامج التلامذة السوريين مختلف عن ما يدرسه اللّبنانيون وهم يدخلون المدارس فترة بعد الظهر في الرسمية بغض النظر عن أعدادهم بالنسبة لأعداد اللبنانيين المسجلين قبل الظهر"، مشيرًا إلى "وجود برنامجين مختلفين وفريقين من الأساتذة مع وجود بعض الاستثناءات بأن يعطي الأستاذ دروسًا قبل الظهر وبعد الظهر".

وشدد في تصريحات صحافية على أن "لا طلاب سوريين من النازحين في المدارس قبل الظهر إلا إذا كانوا مولودين في لبنان أو أنهم من غير نازحين وعددهم محدود".

ولفت أنه "يكثر الحديث عن إمكانية الدمج بين التلامذة السوريين واللّبنانيين إلّا أن الوزارة ما زالت تتصدى لهذا الموضوع فضلًا عن أن لا أرقام نهائية بعد لأعداد اللّبنانيين المسجلين في المدارس الرسمية هذا العام".

وجرى الحديث مؤخرا عن أن المدرسة الرسمية التي لا تستقبل تلامذة سوريين تُحرم من المساعدات الدولية، وهو أمر لم ينفهِ طرابلسي الذي يؤكد أنّ "المدرسة التي لا تتضمن برامج بعد الظهر للتلامذة السوريين لا تحصل حتمًا على مساعدات".

معتبرًا أن "المساعدات مجحفة بحق التعليم في لبنان مقارنة مع دول الجوار كتركيا والأردن، حيث يُدفع للمدرسة عن كل تلميذ سوري 140 دولارًا بينما تحصل المدرسة على كل تلميذ لبناني 18 دولارًا فقط".

وأمام الواقع الصعب للتلاميذ السوريين تنشط العديد من المبادرات لبث الأمل في نفوسهم بإمكانية التعليم خارج أسوار المدرسة.
ويروي ناشط سوري قصة البداية لمشروعه، في بناء خيم نموذجية للتعليم في مخيمات اللاجئين السوريين شمال لبنان، قائلا "كنت في أحد المخيمات قبل أشهر قليلة، فوجئت بصبي عمره نحو 13 سنة، لم يستطع كتابة اسمه".

ويعاني آلاف الأطفال السوريين من التسرب المدرسي ومن صعوبة ارتياد المدارس، إن كان لبعد المسافة أو الكلفة أو بسبب الثقافة السائدة التي تعتبر أن التعليم ليس أولوية، لا سيما أن أولويات اللاجئين تتمحور حول تأمين لقمة العيش، ليبدو التعليم رفاهية بعيدة.

كما أن الإضرابات التي شهدها التعليم الرسمي في لبنان، أدت إلى إقفال المدارس وحرمان التلامذة من التعليم لأسابيع.

وشرح الناشط السوري خضر الضبي عن المبادرة التي قام بها لتخفيف حدة الأمية وتأمين ما يمكن من التعليم للطلاب السوريين، "قررت جمع تبرعات لأجل بناء خيم نموذجية مع أساتذة من مختلف الاختصاصات، بدأنا في خيمة واحدة والآن أنشأنا خمس خيم في شمال لبنان لتعليم الأطفال، وتسجّل معنا 150 طالباً حتى الآن".
 وأضاف "أحاول أن أفعل ما بوسعي حتى أساعد هؤلاء الأطفال الذين لا ذنب لهم بكل ما يحدث ومن حقهم أن يتعلموا ويحققوا أحلامهم"، معرباً عن سعادته بأن الطلاب يتطورون ويتعلّمون مهارات ومعارف جديدة.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" فإن نصف الأطفال السوريين، خارج المدارس؛ سواء في الداخل السوري أم في بلدان اللجوء.

وقالت ليزا أبو خالد، المتحدثة باسم "مفوضية اللاجئين" في لبنان، فإن 30 بالمئة من الأطفال السوريين الموجودين في لبنان لم يذهبوا إلى المدرسة إطلاقاً، وانخفض الالتحاق بالمدارس الابتدائية بنسبة 21 في المئة على الأقل عام 2022 وحده.

كما أظهر تقييم الضعف السنوي للاجئين السوريين، الذي أجرته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي و"يونيسف"، أن عدد الأطفال السوريين اللاجئين الذين يعملون ارتفع أكثر من الضعف بين عامي 2019 و2021 ووصل إلى 82527 طفلاً، أغلبهم ذكور.