التلاعب في إرادة الناخبين

الازمات المفتعلة ارض خصبة للتأثير على توجهات الناخبين، وسلب قدرتهم على اتخاذ القرار في ظروف هادئة وسليمة، كما نرى مرارا في النموذج الكويتي.

في جدلية اختيار الممثلين عن الشعب تواجه الانظمة الديمقراطية تحديات فعلية تتعلق بسلامة مخرجات الانتخابات، وكونها تعكس بالفعل والقوة ارادة الناخبين على اختلاف شرائحهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

ويدور النقاش عن مدى قدرة الناخبين على اختيار الاصلح للمواقع السياسية، وعن اهلية عامة الناس في اختيار الادارة السياسية، حيث يشكك البعض في قدرتهم على ذلك، بحجة ان العامة لا يستطيعون ترجيح الافضل بين المتنافسين.

في هذا السياق طرحت عدة آراء حول ضرورة تحديد وزن انتخابي لكل صوت، اذ لا ينبغي أن تتساوي اصوات الطبقات الاجتماعية انتخابيا، وفقا لهذه النظرية يجب تمييز اوراق الاقتراع لتحديد وزن لكل فئة، او منح بعض الجماعات وزنا للصوت الانتخابي اعلى نسبيا من الجماعات الأخرى.

تستهدف هذه الآراء، وان بدت شاذة، منح ميزة اضافية لأصوات المتنفذين، باعتبارها احد الحلول المقترحة لمشكلة مخرجات الانتخابات وضمان نتائجها والتي تأتي في العادة مخيبة للآمال، وتساهم في صعود شخصيات غير مؤهلة في نظرهم، وتمنحهم سلطات واسعة.

ان تمييز اوراق الانتخاب قد لا يكون حلا مقبولا، ولذا لجأت بعض الانظمة الى اساليب اخرى تؤدي نفس الغرض. لو ركزنا على سبيل المثال على الانتخابات في الكويت، فيمكن ان نلاحظ ان السلطة في سبيل السيطرة على مخرجات الانتخابات سعت بشكل غير مباشر الى اعطاء أثقال مختلفة للصوت الانتخابي، ولكن حسب الدوائر، لا الناخبين، اذا تنقسم الدوائر في الكويت الى خمسة دوائر انتخابية، تمثل كل دائرة شرائح اجتماعية محددة تحوز على اغلب مقاعدها.

حسب اخر جداول للناخبين لهذا العام 2023، يبلغ عدد الناخبين، في الدائرة الثانية 90394 ناخبا، بينما يبلغ عدد الناخبين في الدائرة الخامسة 256755 ناخبا، ويتأهل من كل دائرة 10 نواب، هذا يعني ان الوزن الانتخابي للصوت عند الناخب في الدائرة الخامسة هو نصف وزن الصوت الانتخابي في الدائرة الثانية.

يمكن تفسير هذا التباين العددي بأمرين: اما ان تكون القسمة عشوائية نتيجة تخبط القائمين على رسم الدوائر الانتخابية؛ او انها تأتي وفقا لتخطيط مسبق يراعي مخرجات كل دائرة، اذ يتيح التباين في اعداد الناخبين فرصة واسعة للتحكم في مخرجات العملية الانتخابية.

لكن هذه ليست الطريقة الوحيدة في التلاعب بالصوت الانتخابي، اذ يمكن ان يتعرض الناخب للتضليل والخداع من قبل الشخصيات السياسية، وقوى النفوذ الاقتصادية، ومكائن الاعلام المؤثرة، لذا يسود الاعتقاد ان الانتخابات دائما غير نزيهة ومحتكرة من قبل اصحاب المصالح الذين يتدخلون بشكل مباشر او غير مباشر في التأثير على ارادة الناخبين وايجاد ما يعرف بالسلوك التصويتي.

السلوك التصويتي يقوم على استخدام اساليب برمجة متطورة للتأثير على الناخبين، بحيث تتحدد اختياراتهم وفقا لقنوات محددة سلفا، تلعب وسائل الاعلام ومراكز الاستطلاع والبرامج السياسية الموجهة دورا رئيسيا في برمجة عقول الناخبين، وربما تحديد المقاعد الفائزة.

وفقا للدراسات النفسية والسلوكية، فان الاعتقاد بقدرة الناخب على تحديد خياراته بين المرشحين وفقا لقواعد عقلانية وموضوعية هو تصور ساذج للغاية، وانما هنالك عوامل عديدة تلعب دورا مباشرا في التأثير على قرار الافراد، وترجح كفة مرشح على بقية المرشحين، منها وضع الناخبين في ظرف ضاغطة نفسيا واجتماعيا.

لو عدنا للمثال الكويتي فسنجد ان العملية الانتخابية لا تتم في ظروف طبيعية، وانما في الغالب تجري في ظروف طارئة تحوطها الازمات السياسية والصدامات بين الحكومة والمجلس، او تتم على هامش حل او ابطال مجلس سابق، وما يرافقه من جدل دستوري وقلق سياسي يعيشه الشارع. وهي ظروف غير مناسبة لتحديد الموقف الانتخابي بإرادة واعية.

تعد الازمات المفتعلة ارضا خصبة للتأثير على توجهات الناخبين، وسلب قدرتهم على اتخاذ القرار في ظروف هادئة وسليمة، ولذا سنجد "متلازمة الفشل" تسود عقلية الناخبين في ظروف التوتر، وهي باختصار الربط بين الافكار الايجابية والفشل، ستكون فكرة ايجابية مثل التجديد مرتبطة عند الناخبين بضياع المقعد الانتخابي، وترتبط فكرة حرية الاختيار لديهم بالخشية من تعليق الدستور، وهكذا.

‫ان فرص الاختيار العقلاني من بين المرشحين تضيق كلما ازدادت العوامل التي تفوت الفرصة امام الناخبين لرؤية وتقييم المرشحين بصورة سليمة وموضوعية، ومن المؤكد ان بقاء الانظمة السياسية على الحياد وعدم تدخلها في تزوير ارادة الناخبين هو من عوامل القوة للعملية الانتخابية، وتمكين الناخبين من حسن الاختيار، تحقيقا للمزيد من الاستقرار والتوافق السياسي.