الجزائر تسعى الى تجنب العزلة في اوروبا وسط الأزمة مع اسبانيا

بالتزامن مع التصعيد الجزائري للأزمة مع مدريد يسعى تبون لفتح صفحات ود جديدة مع عدد من العواصم الأوروبية حتى لا يجد نفسه في وضعية المعزول سياسيا من جيرانه الأوروبيين.
الجزائر

يرى مراقبون أن الجزائر لا ترغب في أن تؤثر الأزمة التي نشبت مؤخرا بينها وبين إسبانيا على توازناتها السياسية والاقتصادية مع باقي دول الاتحاد الأوروبي. لذلك تعمل الدبلوماسية الجزائرية على تنقية الأجواء يينها وبين فرنسا وتجاوز خلاف الماضي. كما سعت الجزائر في الفترة الأخيرة إلى تجديد "مشاعر الود" مع كل من إيطاليا وألمانيا.
وأفادت وكالة الأنباء الجزائرية أن الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون أجريا مكالمة هاتفية السبت تطرقا خلالها لـ"العلاقات الثنائية، مؤكدَين عزمهما على تعميقها". 
وتأتي المكالمة عشية الدورة الثانية للانتخابات البرلمانية الفرنسية، وبعد أشهر من الفتور الذي شاب العلاقات الجزائرية الفرنسية. 
وفي وقت سابق، دعا تبون نظيره الفرنسي إلى زيارة الجزائر لتعزيز العلاقات بعد الأزمة الدبلوماسية الخطرة بين البلدين. 
وفي تشرين الأول/أكتوبر شهدت العلاقات بين البلدين توترا عندما استدعت الجزائر سفيرها في باريس ردا على تصريحات لماكرون اعتبر فيها أن الجزائر أقامت بعد استقلالها عام 1962 إثر 132 عاما من الاستعمار الفرنسي، "ريعا للذاكرة" كرسه "نظامها السياسي العسكري". 

الجزائر تسعى لتحصين نفسها وضمان عدم اتساع رقعة الخلاف مع باقي دول الاتحاد الأوروبي

وأثارت تصريحات ماكرون غضب الجزائر التي استدعت سفيرها في باريس، وأغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية المشاركة في عملية برخان في منطقة الساحل الإفريقي. بينما اتخذت باريس إجراءات للتضييق على ملفات الحصول على فيزا تشمل مواطني المغرب العربي.
وقال مدير المركز الصحراوي الفرنسي للدراسات والتوثيق محمد بن خروف في تصريح لقناة فرانس 24 إن "الجزائر تتعامل مع كل أعضاء الاتحاد الأوروبي من منطلق الندية والشراكة وحسن الجوار". وذلك تعليقا على تجميد الجزائر التعاون بينها وبين إسبانيا على خلفية تغيير مدريد موقفها من قضية الصحراء المغربية. 
ورد الاتحاد الأوروبي بموقف تضامني مع إسبانيا التي تُعتبر أحد أعضائه البارزين، بينما اعتبرت الخارجية الجزائرية أن رد المفوضية الأوروبية "جاء متسرعا دون تأكد من أن هذا الإجراء لا يمس بشكل مباشر أو غير مباشر بالتزامات الجزائر الواردة في اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي".
ويرى الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية صلاح قيراطة في تصريح لنفس القناة الفرنسية أن "مسارعة الجزائر بالاتصال بإيطاليا وتقديمها تطمينات بعدم المساس بعقود الغاز مع روما ومع المنطقة الأوروبية إنما يدخل في إطار سعي الجزائر لتحصين نفسها وضمان عدم اتساع رقعة الخلاف مع دول الاتحاد الأوروبي".
ولاحظ قيراطة أنه "ليس من مصلحة الجزائر أن تتولد قناعة لدى الاتحاد الأوروبي بأن الجزائر تسير شرقا في اتجاه روسيا والصين". لذلك تعود الجزائر للتعامل بلطف مع فرنسا، الشريك التقليدي والتاريخي، دحضا لتلك الفكرة وحتى لا يُفهم الموقف الجزائري من مدريد على أنه تعال على الشركاء الأوروبيين واصطفاف وراء روسيا".
ولا يبدو في الفترة الراهنة أن هناك دولا أوروبية تقوم بدور الوساطة بين إسبانيا والجزائر التي يبدو أنها عززت موقعها بفضل إمدادات الغاز، إذ يرى بعض المحللين أن العالم انتقل إلى زمن الدبلوماسية الاقتصادية مبتعدا عن الدبلوماسية السياسية الكلاسيكية.

الجزائر قد تلجأ إلى فرنسا لزيادة وارداتها الأساسية في إطار البدائل التجارية عن البضائع الإسبانية

وبادرت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا الى الاتصال الأسبوع الماضي بنظيرها الجزائري رمطان لعمامرة.  وأفادت وكالة الأنباء الجزائرية أن لعمامرة أطلع نظيرته الفرنسية على تفاصيل الأزمة مع مدريد.
وأشارت العديد من الصحف الجزائرية، إلى سعي الجزائر لتنويع شركائها التجاريين من خلال الاعتماد على دول تجارية موثوقة، حتى لا تظل مرتهنة لواردات دول أوروبية بعينها، في إشارة إلى النقص الذي يمكن أن تسجله السوق الجزائرية بسبب وقف استيراد المواد والبضائع الاستهلاكية من إسبانيا.
وفي تصريح إعلامي أدلى به الأسبوع الماضي، قال الباحث في العلاقات الدولية محمد شقير إن "تعليق معاهدة الصداقة بين الجزائر وإسبانيا قد ينعكس على حجم المبادلات التجارية". 
وأضاف أن "الجزائر قد تلجأ إلى فرنسا لزيادة وارداتها الأساسية في إطار البدائل التجارية وبغرض خلق تنافس اقتصادي مع إسبانيا".
وفازت إيطاليا بعقد غاز طويل الأمد وصف بـ"التاريخي" يقضي بزيادة ضخ الغاز نحو روما إلى تسعة مليارات مكعب يومياً، ورفع نسبة التزويد إلى أكثر من 40 في المئة. 
وصرح تبون في ندوة صحافية مشتركة مع نظيره الإيطالي سيرجيو ماتاريلا أواخر أذار/مايو أن "الجزائر حسمت ملف تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي بالرهان على إيطاليا بدل إسبانيا".
وشدد الرئيس الجزائري على "التزام بلاده باحترام اتفاقات تزويد إيطاليا بالطاقة، وتحويلها إلى الموزع الرئيس للغاز الجزائري في أوروبا".
وأشادت الجزائر خلال الأيام الماضية بـ"قوة ألمانيا" وأعربت عن "التطلع نحو تطوير العلاقات معها". واستغلت برلين مناسبة الذكرى الـ60 لبدء العلاقات الثنائية، وأوفدت نائبة وزيرة الخارجية كاتيا كول التي عاشت جزءا من طفولتها في الجزائر والمعروفة بمواقفها القريبة من الموقف الجزائري تجاه قضية الصحراء المغربية.