الجهاديون يحولون غانا مركز استراحة في حروبهم بالمنطقة

غانا ودول خليج غينيا تبدو كأنها في طريقها لأن تصبح جبهة جديدة للصراع الجهادي في منطقة الساحل ونزاع النفوذ بين الجماعات الجهادية.

باوكو (غانا) - تشهد منطقة الساحل تناميا في نشاط فروع تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية وسط تنافس على النفوذ والتمدد بعد فشل الفرنسيين الذين تدخلوا لكبح الجماعات المتطرفة منذ العام 2013 إلى أن اضطروا للانسحاب أو إعادة التموقع تحت وقع موجة كراهية بين سكان المنطقة للوجود الأجنبي وحسابات سياسية للمجالس العسكرية التي تشكلت على إثر انقلابات عسكرية ولى رؤساءُها وجوههم صوب روسيا التي ألقت بثقلها في لعبة النفوذ والمصالح في مواجهة الوجود الغربي في تلك الدول المضطربة.

وفي خضم هذا المشهد برزت غانا الناجية إلى حدّ الآن من العنف الجهادي لكنها تخشى في الوقت ذاته تمدّده من منطقة الساحل، إلا أنه لسبب ما لا تزال بعيدة عن موجة الهجمات الإرهابية.

وترى مديرة البرامج في منطقة الساحل في منمة "بروميدييشن" سوريا ستانسيوف أن نجاة غانا حتى الآن من العنف تعود بشكل خاص إلى أن الجهاديين أصبحوا الآن أقرب إلى بنين، مضيفة "يبدو أن غانا منطقة للراحة وقد نعتقد أن المجموعات تريدها أن تكون على هذا النحو، على الأقل في الوقت الحالي.. إنها أيضا منطقة عبور كثيف".

وفي تقرير نُشر العام الماضي، قدّرت منظمتا "كونراد أديناور" و"بروميدييشن" أن يكون نحو 200 شخص من غانا قد تمّ تجنيدهم من جهاديين في جانب بوركينا فاسو بدون أن يعرف عدد العائدين منهم.

وعلى مقربة من قاع النهر الجاف الذي يشكّل جزءا من الحدود مع غانا، تتأمل أليما قريتها في الجانب الآخر في بوركينا فاسو التي فرّت منها مع أطفالها العام الماضي حين اقتحم جهاديون المنطقة حيث زرعوا الرعب.

وفي العام الماضي حين دخل جهاديون قرية أليما، اختبأت مع أطفالها ونساء وأُسر فيما كان إطلاق النار يصدح في الليل. ولم يبق أمام الأسر حينها إلّا خيار الفرار من بوركينا فاسو إلى غانا المجاورة.

وتقول أليما "سنبقى هنا في الوقت الحالي هناك (بوركينا فاسو)، لا يوجد أمان".

وغانا وجيرانها في خليج غينيا في طريقها لأن تصبح جبهة جديدة للصراع الجهادي في منطقة الساحل. وتواجه أيضا كلّ من توغو وبنين وساحل العاج انتشار أعمال عنف الجماعات المسلّحة والتي تتجه جنوبا حاليا. وأكدت كوتونو أنها سجلت أكثر من 20 عملية توغل مسلح منذ العام 2021.

وحتى الساعة، نَجت غانا من الهجمات المباشرة، لكن يرى خبراء أن الدولة الواقعة في غرب إفريقيا (33 مليون نسمة) تتشارك مع جيرانها خصائص تتيح تسلل وتمويل وحتى تجنيد الجهاديين بين السكان المحليين، منها سهولة اختراق الحدود وضعف وجود الدولة في الشمال وانتشار شبكات التهريب والتوترات بين المجتمعات.

ويقول خبراء إن الحكومة اختارت تعزيز الوجود العسكري وتوعية المجتمعات لتخفيف التوترات ودعم السكان المحليين.

ودفع انسحاب القوات الفرنسية من مالي على خلفية عدم شعبية القوات الأجنبية في البلد وخلافات داخل المجلس العسكري الحاكم، بالشركاء الغربيين إلى الاهتمام أكثر بدول خليج غينيا.

فشل التدخل العسكري الفرنسي زاد من نفوذ الجماعات المتطرفة في شمال شرق مالي وتمددها في الساحل الافريقي
فشل التدخل العسكري الفرنسي زاد من نفوذ الجماعات المتطرفة في شمال شرق مالي وتمددها في الساحل الافريقي

ودعا رئيس غانا نانا أكوفو-أدو إلى التعاون المحلي بين الدول المجاورة، بما في ذلك في العمليات العسكرية المشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

وفي غضون ذلك، تتطرق السلطات إلى الخطر المتزايد للجماعات الجهادية التي تنشط على بعد كيلومترات قليلة. وقال الوزير الغاني في المنطقة الشمالية الشرقية ستيفن ياكوبو "إن التهديد حقيقي".

ورغم إرسال عدة دول لجيوشها، امتدّ نزاع منطقة الساحل من مالي إلى النيجر وبوركينا فاسو المجاورتين. ومنذ العام 2015، خلّفت أعمال العنف مليوني نازح وآلاف القتلى في بوركينا فاسو وحدها.

وتسبب عنف الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية في بوركينا جزئيا بانقلابين في العام 2022. واستمر العنف في الازدياد في الأشهر الأخيرة لا سيما في شرق بوركينا فاسو حيث تتقاطع حدود بنين وتوغو وغانا.

وفي ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، أكّد وزير الأمن القومي الغاني ألبرت كان داباه أن انتشار العنف هذا باتجاه البلدان المطلة على خليج غينيا كان متوقعا بعد أن دفعت العمليات العسكرية الجماعات الجهادية في الساحل إلى التوجه جنوبا، مضيفا "إن مشهد التهديد يتغير باستمرار".

وفي منطقة باوكو الحدودية في شمال غانا يخشى القرويون المستقبل، إذ أن حدودهم مكشوفة مع سهولة الوصول إلى بوركينا وتوغو وبنين والنيجر القريبة.

وتُعدّ باوكو منطقة حيوية للتجارة عبر الحدود خصوصا للمنتجات الزراعية والمواشي، لكن أعمال العنف قللت من التبادل التجاري بسبب الهجمات على جانب بوركينا فاسو.

وعلى سبيل المثال، استهدفت هجوم جهادي بلدة بيتو البعيدة 45 دقيقة عن الحدود وتسببت بمقتل ستة أشخاص. وفي مواجهة التهديد، يقيم الجيش قواعد أمامية على طول الحدود، على ما أكّد المسؤول المحلي يعقوبو.

والعام الماضي، اعتقلت السلطات في غانا بدعم من واغادوغو شخصين يُشتبه في أنهما جهاديان لجآ في غانا، بعدما أُصيبا على الحدود. وتخشى السلطات الغانية أن يستغل الجهاديون قطاع تعدين الذهب غير الرسمي الواسع في البلاد.

وفي حين أن باوكو لم تتعرض للهجوم حتى الآن، يخشى البعض أن يستغل الجهاديون التوترات بين مجموعتين عرقيتين محليتين هما كوساسي ومامبروسي.

وقرب الحدود، يشهد الوجود العسكري والشرطي القوي على المخاطر. وتحرس قوات مسلحة مع مسؤولين في قسم الهجرة نقطة حدودية وطريقا سريعة.

لكن في المناطق الأبعد، تعبر عائلات بوركينا فاسو النازحة النهر الجاف بسهولة لكي تصل إلى بلدها وتهتمّ بالحقول خلال النهار فيما يذهب الأطفال إلى المدرسة، ثم يعودون جميعا إلى غانا قبل حلول المساء.

وقال رئيس جالية بوركينا فاسو داودا وهابو "نسمع أن الجهاديين ما زالوا يقتلون أناسا. لا نعرف ماذا سيحدث لذلك نحن باقون". أمّا رئيس الجالية الغانية عبدالله زكريا، فأكّد أن الجيش متمركز في مواقع قريبة، لكن القلق يزداد في المخيمات الحدودية، مضيفا "نخاف أن يأتوا إلى هنا ويتهجّموا علينا. ستزداد الأمور سوءًا".

أفريقيا جنوب الصحراء بؤرة للإرهاب

وأظهر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، استند إلى مقابلات مع المئات من المسلحين السابقين، أن الأمل في الحصول على عمل يأتي قبل المعتقد الديني كأبرز ما يدفع الأفراد للالتحاق بالجماعات المتطرفة سريعة النمو في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.

ونقل التقرير عن مسح سنوي يحمل اسم "مؤشر الإرهاب العالمي" أنه رغم انخفاض عدد الوفيات الناتجة عن الإرهاب حول العالم خلال السنوات الخمس الماضية، فقد ارتفع القتلى في أفريقيا جنوب الصحراء مما يجعلها الآن بؤرة الهجمات عالميا.

وشهدت دول من شرق أفريقيا إلى غربها سيطرة جماعات إسلامية مسلحة على مساحات واسعة من أراضيها، مما أدى لنزوح الملايين وتقويض الثقة في الحكم الديمقراطي وتفشي الجوع.

وكانت منطقة الساحل هي الأكثر تضررا، حيث وسعت الجماعات المرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية هجماتها في واحدة من أفقر مناطق العالم.

وأظهر تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن 25 بالمئة من المجندين المتطوعين في مثل هذه الجماعات ذكروا أن فرص العمل كانت سببهم الرئيسي للالتحاق بها، فيما أوضح 22 بالمئة أن سببهم الرئيسي كان رغبتهم في الانضمام إلى العائلة والأصدقاء، فيما أرجع 17 بالمئة الأمر إلى المعتقدات الدينية.

وأشار نحو نصف من شملهم المسح إلى أن "نقطة تحول" مرت بهم ودفعتهم للالتحاق بتلك الجماعات، مثل قتل قوات أمن الدول لأحد أفراد أسرهم أو اعتقاله.

وذكر البرنامج أن المسح استند إلى مقابلات مع أكثر من ألفي فرد في بوركينا فاسو والكاميرون وتشاد ومالي والنيجر ونيجيريا والصومال والسودان.

وبدلا من إتباع نهج عسكري، أوصى التقرير بزيادة الاستثمار في رعاية الأطفال وتعليمهم والارتقاء بسبل العيش لمواجهة التطرف العنيف ومنعه.

ويقوم معهد الاقتصاد والسلام بإعداد مؤشر الإرهاب العالمي ويستمد بياناته من قاعدة بيانات 'متعقب الإرهاب' لدى دراجون فلاي، وهي خدمة أمنية ومخابراتية بالقطاع الخاص.

وقُتل ما لا يقل عن 25 شخصا، هم 22 مدنيا وثلاثة عناصر من الشرطة، في هجوم شنّه على الأرجح جهاديون السبت في شمال بوركينا فاسو، وفق حصيلة جديدة أوردها حاكم المنطقة.

وأوضح الحاكم اللفتنانت كولونيل رودولف سورغو في بيان أن "بلدة باني في محافظة سينو (شمال) تعرضت لهجوم عنيف شنته جماعات مسلحة إرهابية"، مضيفا "أن الحصيلة المؤقتة لهذا الهجوم المشين والوحشي تشير إلى سقوط 25 شخصا هم 22 مدنيا وثلاثة عناصر من الشرطة، إلى جانب وقوع جرحى وأضرار مادية".

وكانت حصيلة سابقة أوردها قاطنان في المنطقة أشارت إلى سقوط ما لا يقل عن 12 قتيلا.

وأكد سورغو في بيان أن ثمة تدابير تتخذ "لضمان أمن البلدة" داعيا السكان إلى "تعاون أكبر لكي نتمكن معا من القضاء على الاخطبوط الإرهابي".

وقال أحد السكان الأحد إنّ المسلّحين "استهدفوا مركز الشرطة ومبنى البلدية ومدرسة". وأوضح أنّ "نيران المهاجمين طالت مُلكيّات (منازل) ومسجدا قبل ردّ قوات الدفاع والأمن".

وتشهد بوركينا فاسو باستمرار هجمات تُنسب إلى جهاديين. وتواجه منذ 2015 هجمات تنفّذها جماعات جهادية مرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وتزداد وتيرتها.

وقتل السبت في شرق البلاد ستة جنود في انفجار قنبلة يدوية الصنع، على ما أفادت مصادر أمنية.

وخلّفت هذه الهجمات آلاف القتلى كما أدّت إلى نزوح نحو مليوني شخص. وتحتلّ هذه المجموعات حوالي 40 بالمئة من أراضي بوركينا فاسو.

وحدّد الكابتن إبراهيم تراوري الذي نفذ انقلابا عسكريا في 30 سبتمبر/ايلول 2022 هو الثاني خلال ثمانية أشهر، هدفا يتمثل بـ"استعادة الأراضي التي احتلتها جحافل الإرهابيين".