الجولاني يكلف محمد البشير بتشكيل الحكومة للمرحلة الانتقالية

الجولاني بحث مع محمد الجلالي انتقالا سلسا للسلطة فيما أكد الائتلاف السوري المعارض عدم التنسيق معه في عملية التعيين.
الجولاني يضع قائمة بأسماء كبار المتورطين بتعذيب المعارضين ستنشر قريبا
حزب البعث السوري يؤكد دعمه للمرحلة الانتقالية
الأمم المتحدةتطالب بأن تكون الترتيبات الانتقالية شاملة قدر الإمكان
البشير يعلن تكليفه بتولي رئاسة حكومة انتقالية في سوريا حتى أول مارس
المعارضة السورية تأمر مقاتليها بالانسحاب من المدن وتنشر قوات أمنية خاصة بها

دمشق - بدأت قيادة الفصائل السورية المعارضة التي أطاحت بالرئيس بشار الأسد البحث في "انتقال السلطة" غداة طي صفحة حكمه الذي امتد قرابة ربع قرن، فيما تداولت وسائل اعلام حديثا بين زعيم هيئة تحرير الشام أبومحمد الجولاني مع رئيس الحكومة السورية محمّد الجلالي "لتنسيق انتقال الحكم" بحضور محمد البشير رئيس حكومة الانقاذ الذي كلفه الجولاني بتشكيل الحكومة للمرحلة الانتقالية.

ولم يعرف بعد ما إذا كان أحمد الشرع (الجولاني) سيشرك بقية فصائل المعارضة في السلطة أم سيقصر المشاركة على فصيله هيئة تحرير الشام والموالين لها، بينما يشير تكليف البشير بتشكيل الحكومة إلى أنه قد ينفتح على بعض الجماعات المعارضة لكسب ولائها، في حين يتوقع أن يواجه انقسامات وتحديات بسبب تركيبة جماعات المعارضة السورية المشتتة والتي تختلف في ايديولوجياتها.

وأعلن البشير في بيان تلفزيوني الثلاثاء أنه تم تكليفه بتولي رئاسة حكومة انتقالية في سوريا حتى أول مارس/آذار 2025.

وبعد أكثر من خمسة عقود على حكم آل الأسد وحزب البعث سوريا بقبضة حديد، تدخل البلاد مرحلة جديدة مع انتظار الآلاف أنباء عن مصير أبنائهم المعتقلين خصوصا في سجن صيدنايا، بينما بدأ النقاش في العالم بشأن مصير مئات آلاف اللاجئين الذين فرّوا بعد اندلاع النزاع عام 2011.
وبدأت هيئة تحرير الشام وفصائل حليفة لها في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، هجوما واسعا انطلاقا من شمال سوريا، لتدخل دمشق فجر الأحد وتعلن فرار الرئيس الأسد.
وأعلنت الفصائل المعارضة أن الجولاني الذي بدأ يستخدم اسمه الحقيقي أحمد الشرع، بحث مع رئيس الحكومة السورية محمّد الجلالي "تنسيق انتقال السلطة".
ووزعت الفصائل مقتطفا ظهر فيه زعيم هيئة تحرير الشام وهو يتحدث الى الجلالي بحضور شخصين أحدهما محمد البشير. وجاء في تعليق نُشر مع الفيديو أنّ هدف الاجتماع "تنسيق انتقال السلطة بما يضمن تقديم الخدمات لأهلنا في سوريا". وكان الجلالي أبدى استعداده "للتعاون" مع أيّ قيادة يختارها الشعب.

في المقابل نفى نائب رئيس الائتلاف السوري المعارض عبدالمجيد بركات حدوث مشاورات مع الائتلاف لتعيين البشير قائلا أن القرار "قد يكون لطمأنة الشعب السوري في هذه المرحلة من خلال الإسراع في بناء السلطة السورية".

وفي مؤشر الى بدء رسم المرحلة المقبلة، أعلن مجلس الشعب تأييده إرادة الشعب لبناء "سوريا الجديدة"، بينما قال الأمين العام لحزب البعث إبراهيم الحديد "سنبقى داعمين لمرحلة انتقالية في سوريا هادفة للدفاع عن وحدة البلاد أرضا وشعبا ومؤسسات ومقدرات".

وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون الثلاثاء إن الترتيبات الانتقالية عقب الإطاحة بالأسد لا بد أن تكون شاملة قدر الإمكان لتضم فصائل من بينها هيئة تحرير الشام المنتصرة التي تصنفها الأمم المتحدة جماعة إرهابية.
واعتبر في مؤتمر صحفي أن الهيئة أرسلت حتى الآن رسائل إيجابية" إلى الشعب السوري.
وأضاف "الحقيقة هي أنه حتى الآن، أرسلت هيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة الأخرى رسائل إيجابية إلى الشعب السوري. لقد وجهت رسائل تدعو إلى الوحدة".
وبينما تتواصل المظاهر الاحتفالية في دمشق، يختلف المشهد أمام سجن صيدنايا السيئ الصيت في ريف العاصمة، حيث احتشد الآلاف بانتظار معرفة مصير أقارب لهم معتقلين.
وفي الطريق المؤدي الى السجن، اصطف طابور من السيارات امتد على طول نحو سبعة كيلومترات، ما دفع المئات الى المتابعة سيرا على الأقدام. ومع استمرار منظمات إنسانية في القيام بعمليات بحث داخل السجن، بقي كثر منهم حتى وقت متأخر ينتظرون معرفة معلومات عن أقارب لهم.
وبين هؤلاء يوسف مطر (25 عاما) الذي جلس على صخرة ينتظر أكثر من عشرة أشخاص من أقاربه يعتقد أن جميعهم يقبعون داخل السجن الواقع على مسافة نحو 30 كيلومترا من دمشق.
وقال "جميعهم أخذهم الأمن بدون أي سبب، فقط لأننا من مدينة داريا" التي كانت من أولى المدن التي انتفضت على نظام الأسد مطالبة بإسقاطه عام 2011، وشهدت بعد ذلك معارك بين الفصائل المعارضة والقوات الحكومية.
وكانت منظمة "الخوذ البيضاء" أعلنت أنها أرسلت إلى سجن صيدنايا فرقا "للبحث عن أقبية سرية داخله يُتوقع وجود معتقلين فيها".
وفي الأثناء، أعلنت "غرفة عمليات الجنوب" المعارضة الإثنين العثور على نحو أربعين جثة موضوعة داخل أكياس بيضاء، وتظهر عليها علامات تعذيب، داخل غرفة تبريد في مستشفى حرستا قرب دمشق، وفق ما أفاد أحد عناصرها.
وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، تداول سوريون صور سجناء أُطلق سراحهم خلال تقدّم المعارضة، من أجل التعرّف عليهم في إطار جهد جماعي للمّ شمل العائلات. وأطلق آخرون نداءات للعثور على أقاربهم المفقودين.
وتقدّر رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا أن 30 ألف شخص دخلوا إلى السجن منذ اندلاع النزاع في 2011، وقد أفرج عن ستة آلاف منهم فقط، فيما يُعتبر معظم الباقين في حكم المفقودين، خصوصا أنه نادرا ما يُبلّغ الأهالي بوفاة أبنائهم، وإن تمكنوا من الحصول على شهادات وفاة لهم، فإنهم لا يتسلمون جثثهم.
وأعلن الجولاني أنّ السلطات الجديدة في سوريا ستنشر قريبا "قائمة أولى بأسماء كبار المتورّطين بتعذيب الشعب السوري" لملاحقتهم ومحاسبتهم.
وفي بيان نشره فجر الثلاثاء على تطبيق تلغرام، قال الجولاني "سنقدّم مكافآت لمن يدلي بمعلومات عن كبار ضباط الجيش والأمن المتورطين في جرائم حرب".
وأضاف "لن نتوانى عن محاسبة المجرمين والقتلة وضباط الأمن والجيش المتورطين في تعذيب الشعب السوري. سوف نلاحق مجرمي الحرب ونطلبهم من الدول التي فرّوا إليها حتى ينالوا جزاءهم العادل".
وأوضح أنّ الحكومة المقبلة التي ستتولى السلطة في سوريا ستقدّم "مكافآت لمن يدلي بمعلومات عن كبار ضباط الجيش والأمن المتورطين في جرائم حرب".
وتابع "لقد أكّدنا التزامنا بالتسامح مع من لم تتلطّخ أيديهم بدماء الشعب السوري، ومنحنا العفو لمن كان ضمن الخدمة الإلزامية"، مؤكّدا أنّ "دماء وحقوق" القتلى والمعتقلين الأبرياء "لن تُهدر أو تنسى".

حين رأس "حكومة الإنقاذ" في إدلب، حاول محمد البشير إرساء شيء من النظام في آخر معقل للفصائل المسلّحة المعارضة في مواجهة الأسد.

وقال مصدران مقربان من مقاتلي المعارضة السورية اليوم الثلاثاء إن القيادة أمرت مقاتليها بالانسحاب من المدن وبنشر وحدات تابعة لهيئة تحرير الشام من الشرطة وقوات الأمن الداخلي.

وحين رأس "حكومة الإنقاذ" في إدلب، حاول محمد البشير إرساء شيء من النظام في آخر معقل للفصائل المسلّحة المعارضة في مواجهة الرئيس بشار الأسد.

وُلد البشير في العام 1983 في جبل الزاوية في محافظة إدلب، في منطقة كان النفوذ الأكبر فيها في السنوات الأخيرة لهيئة تحرير الشام ومعها فصائل حليفة أقل تأثيرا.

ودرس الهندسة الكهربائية والإلكترونية في جامعة حلب، كما درس الشريعة والحقوق في جامعة إدلب، وفق سيرته الذاتية. وسبق أن عمل في الشركة السورية للغاز.

واعتبارا من يناير/كانون الثاني، ترأس "حكومة الإنقاذ" وهي هيئة إدارية أنشأتها فصائل المعارضة، كما سبق أن تولى منصب "وزير التنمية والشؤون الإنسانية" في الهيئة.

أنشئت "حكومة الإنقاذ" وقد ضمّت وزارات وإدارات وسلطات قضائية وأمنية، في إدلب في العام 2017 لمساعدة قاطني المناطق الخاضعة للمعارضة حيث لا وجود للخدمات الحكومية.

ومذّاك الحين بدأت توسّع نطاق المساعدة إلى حلب، أول مدينة كبرى خرجت عن سيطرة الحكومة بعد بدء هجوم فصائل المعارضة المسلّحة المباغت والخاطف في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، وسيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي وصولا إلى دمشق الأحد وإطاحة الأسد.

لكن إدارة منطقة تابعة للمعارضة يقطنها نحو خمسة ملايين شخص تختلف تماما عن المهمة التي أوكلت إليه الثلاثاء في بلد نخرته الانقسامات ويعاني القسم الأعظم من سكانه من الفقر.

وإضافة إلى الانقسامات القائمة بين الفصائل نفسها، تسعى جماعات أخرى للسيطرة على معاقل الحكومة السابقة.

وفي أول ظهور له خارج منطقة إدلب، بدا البشير في تسجيل فيديو للقاء مع الجلالي نُشر الإثنين، جالسا إلى جانب الجولاني ومرتديا بدلة رمادية وساعة ذهبية.

وقال الباحث في المركز العربي في واشنطن رضوان زيادة إن البشير هو "الأقرب" إلى الجولاني وقيادة العمليات المشتركة للفصائل المسلّحة المعارضة. إلا أن زيادة شدّد على أن "التحديات التي يواجهها كبيرة جدا".

وأضاف "كما كانت الثورة ثورة لكل السوريين، فإن العملية الانتقالية ستكون مسؤولية جميع السوريين لضمان نجاحها وضمان الانتقال السلمي إلى الديموقراطي".