الجولاني يواجه دعوات تنادي برحيله بوعد اسقاط الأسد!

إجراءات "هيئة تحرير الشام" لتهدئة الاحتجاجات بإصدار عفو عام عن بعض المساجين وفق شروط، لم ترق لمطالب المتظاهرين.

ادلب - بعد نحو أسبوعين من بدء المظاهرات في إدلب المطالبة بإسقاط زعيم "هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني، خرج لتهدئة الشارع بإطلاق الوعود البعيدة عن الواقع "بتحرير كامل سوريا" من سلطة الرئيس بشار الأسد، بعد أن فشلت محاولات إسكات المتظاهرين ببعض القرارات التي لا علاقة لها بالشعارات التي رفعها المحتجون.

وقال الجولاني خلال لقاء جمعه بعدد من "وجهاء ونخب" المناطق الخاضعة لسيطرة الهيئة ، إنّ "مهمة بناء المجتمع ليست مهمة فردية أو تتعلق بفئة من الناس بل هي مهمة جماعية، والواجب على أي سلطة الاستماع إلى مطالب الناس وتنفيذ المحقة منها". وأضاف "الكثير من الناس يطالب بحالة مثالية في المحرر، وهذا طموح جيد ونشجعه، إلا أننا يجب أن ننظر إلى الواقع بموضوعية، ولهذا نجلس معكم كممثلين عن شرائح عديدة في المجتمع لسماع المطالب"، وفقاً لما نقلت وزارة الإعلام التابعة لـ"حكومة الإنقاذ".

وبدأت شرارة الاحتجاجات بمقتل الشاب تحت التعذيب، إذ دعا المتظاهرون إلى محاسبة القائمين على الفعل، لكن المطالب توسعت لاحقاً، لتشمل إسقاط الجولاني، وتحييد جهاز الأمن العام عن الحياة العامة، وإطلاق سراح معتقلي الرأي من بقية الفصائل وغيرهم، وإنهاء المحاصصات في العمل التجاري، وإلغاء الرسوم والضرائب على البضائع.

واتخذت "هيئة تحرير الشام" و"حكومة الإنقاذ" التابعة لها إجراءات عقب الاحتجاجات، منها إصدار عفو عام عن بعض المساجين وفق شروط، إلا أن هذه الخطوات لم ترق لمطالب المتظاهرين، خاصة أن قرارات العفو هذه، تصدر كل عام تقريباً بشكل روتيني.

ورد زعيم هيئة تحرير الشام، على هذه المطالب بالقول أنه سيكون هناك "عصر جديد للثورة السورية المباركة خلال هذه السنة والسنة التي بعدها، لكنه مرتبط بوحدة القرار والتكامل الحاصل فيما بيننا وبينكم (المجتمعون معه)".

والهدف الأساسي الذي أعلنه الجولاني، هو "تحرير كامل سوريا بإذن الله تعالى ويجب أن نتعاون على هذا، فهناك فرص كبيرة إن شاء الله والثورة مستمرة وندخل عامها الـ 14 ونحن مرفوعو الرأس وفي كل عام لدينا إنجازات كثيرة وكبيرة"، مضيفا "من الواجب علينا السماع للمطالب المحقة بشكل منضبط ومنظم، والمؤسسات قائمة لخدمة الأهالي في المحرر على أكمل وجه، والتطوير من جودة الخدمة". وتابع "هناك الكثير من المطالب يتم العمل عليها ولكن لا تظهر ثمارها بشكل مباشر"، مشيراً إلى "إجراءات إصلاحية ستُتخذ داخل الجهاز الأمني وتطوير للعملية القضائية والرقابية".

ويخيّم الصراع والانقسام الداخلي على المشهد ضمن الهيئة بعد مضي أشهر على ظهور أزمة "العمالة" داخل التنظيم لصالح جهات خارجية، حيث لم تقدم الهيئة رواية مقنعة حيال حقيقة ما جرى وما قد يجرى سواء لعناصرها أو لسكان المنطقة ما جعلها هدفا لروايات وقصص متنوعة تتغير حسب مسار الأزمة.

وكانت إحدى قنوات "الإعلام الرديف" على تلغرام المسماة "مراقب المحرر"، تربط أسماء عدد من العسكريين المعتقلين بـ"غرفة عمليات دولية"، قائلة إنّه تم "تجنيد أبو ماريا القحطاني من قبل غرفة عمليات دولية ورسم خطة لإنهاء الثورة والجهاد، بعد وعود للقحطاني بالمناصب واستلام المشهد في المناطق المحررة".

وتتحدث الروايات غير الرسمية داخل هيئة تحرير الشام، على لسان بعض الأشخاص ممن أُطلق سراحهم عن أن المحققين في "جهاز الأمن العام" كانوا يجبرون المعتقلين على الإدلاء باعترافات تدين قادة بارزين في الهيئة، من أجل اعتقالهم وتوسيع دائرة خلية العملاء.

وتزعم بعض الروايات أن ملف "العملاء" لا وجود له بالأصل، رغم تصريحات الجولاني التي تؤكد أن ملف العملاء حقيقي، كما أن الرواية تتحدث عن مخطط انقلابي كان يقوده "الأمنيون" على التيار العسكري في الهيئة، عبر زجهم في السجن بتهمة العمالة، في سياق الصراع المحتدم بين التيارات داخل التنظيم على النفوذ.

والمشهد في شمالي وغربي سوريا شديد التعقيد مع انتشار ميليشيات مسلحة تتنافس على النفوذ والمصالح، بينما يرخي هذا الوضع بظلاله على أي محاولات لتشكيل تحالفات لمواجهة ما يقول الجولاني إنها تحديات كبيرة ناشئة من رحم انقلاب تركيا على حلفائها بعد أن أبدت رغبة شديدة في طي صفحة عشر سنوات مع النظام السوري والتأسيس لمرحلة جديدة في العلاقات.

وفي تصريحات سابقة تسلط الضوء على قلق هيئة تحرير الشام وحلفائها، حذّر الجولاني أنصاره من أن "يخذلهم القريب والبعيد" في اشارة على ما يبدو لتركيا التي تدعم الفصائل السورية المعارضة بشقيها السياسي والعسكري. وتعتبر هيئة تحرير الشام أكبر تلك الفصائل وتسيطر على آخر معقل للمعارضة السورية في شمال سوريا وتحافظ على مستوى من التنسيق مع السلطة التركية وهو ما يضمن لأنقرة إلى حدّ ما إدارة الوضع والانفلاتات التي تحدث بين الحين والآخر في صفوف الميليشيات الموالية لها.