الحالة السياسية في الكويت

الرؤية السياسية غير حاضرة لا في عقل الرئيس ولا المرؤوس.

ينشغل الشعب الكويتي هذه الايام في متابعة الانتخابات البرلمانية التاسعة عشر، وكل الانظار متجهة الى بورصة اسماء المرشحين الاكثر حظا للفوز في مقاعد مجلس الامة القادمين.

خلال هذه الايام الحاسمة يكتفي المرشح بطرح العناوين الرئيسية والشعارات الانتخابية التي تدغدغ مشاعر وحاجات الناخبين، واي نقاشات حول تفاصيل برنامجه الانتخابي تكون مؤجلة بعذر انشغال ذهن المرشح بالحملة الانتخابية القائمة.

بعد انقضاء السباق الانتخابي يتراجع الحديث عن البرامج السياسية للنواب وتصب جهود غالبية النواب في الجدل حول قضايا جانبية وصراعات بينية، بعضها يقترب من النزاعات الشخصية، والانشغال بالمماحكات والخلافات اليومية.

ويستمر هذا الانشغال والجدل الى حين حل البرلمان او انتهاء مدته او ابطاله بالمحكمة الدستورية، بأقل حصيلة من الانجازات والتقدم في الاداء السياسي، وبأكبر قدر من تضييع فرص التطور والنهوض الوطني، والضحية الكبرى دائما هي تأجيل بناء الرؤية الفكرية والسياسية لحاضر ومستقبل الوطن.

من ابرز تبعات تأجيل بناء الرؤية ان ما يطلق عليهم بالنخبة السياسية يتماثلون في منطق فهم وادارة الشأن العام مع الجماهير، فكلاهما ينطلق من ردود الافعال والظروف التي صنعت الحدث لا من المنظورات الفكرية والسياسية.

بمعنى آخر كان الاصرار او التراخي في بناء الرؤية الفكرية والسياسية سببا في تساوي الوزير مع بقية الموظفين، والنائب مع بقية الناخبين، في فهم مفردات العمل العام. فلو افترضنا ان المقاعد القيادية تبدلت، فان ذات القرارات سوف يتم اتخاذها بفارق النزعة الدينية او العلمانية فقط للشخص، أما الرؤية السياسية فهي غير حاضرة لا في عقل الرئيس ولا المرؤوس.

ادى ذلك الغياب الى تحول العمل السياسي من صفته كمصلحة عامة إلى ميدان للانتهازية، فعندما تتراجع الافكار، وتغييب مقاييس جودة الاداء، يتقدم اولئك الذين يمتلكون القدرة على تحقيق المكاسب الخاصة (للأفراد او الجماعات) على حساب مصالح الموطنين.

ومن بين تبعات غياب الرؤية الفكرية والسياسية انشغال جميع الاطراف في كشف العيوب والمثالب، دون النظر في صواب الافكار والمبادرات من عدمها. ولذا فإن المصلحة العامة لا تحكم المواقف السياسية عادة وانما الحرص على عدم اعطاء الخصم نقاط قد تُحسب لصالحه هو الاهم.

أدى ذلك الى بقاء الافكار في مراحلها الجنينية، ليتم وأدها لا بسبب فشلها وانما لانها أُنتجت من قبل جماعة او جهة منافسة، لتبقى الافكار دائما حبيسة الصراع والعناد بين اطراف النزاع، وتتعثر المبادرات مهما كانت مهمة وضرورية.

وهذا ما حدث في ملفات حساسة من قبيل ملف العفو، وهو من الملفات الشائكة التي حملتها المعارضة حيث طالبت بالإفراج عن سجناء الرأي والسماح بعودة المهجرين، وعلى الرغم انها مطالب حقوقية صرفة الا أنها وقعت فريسة الذوق المذهبي، والتشدد الديني.

اذ لم يتردد التيار الديني من ابداء اعتراضهم على شمول العفو الاميري للمتهمين بما عرف بخلية العبدلي، او السماح بعودة المهجرين من المتهمين بإيوائهم، وطالبوا باقتصار العفو الاميري على عناصر محددة من الاسلاميين او المعارضين والذين عرفوا بمهجري تركيا.

كاد هذا النزاع ان يتسبب في افشال فكرة المصالحة الوطنية، واغلاق ملف العفو، لولا أن المرحلة السياسية الجديدة تقتضي طي صفحة الماضي بالكامل، والبدء من جديد لاستعادة الهدوء والمضي قدما في مشروع التنمية المأمول.

يعود ذلك باعتقادي الى ضبابية الرؤية الفكرية والسياسية عند الجماعات الناشطة في الشأن المحلي، اذ تعكس هذه المواقف المتشددة فهما ضيقا لمعنى العمل السياسي في دولة تعددية، ويكشف ان النشاط السياسي في الكويت شبيه جدا بالنشاط السياسي في اغلب الدول العربية والذي ينتمي الى إيديولوجيات مغلقة، تعاطت مع الشأن السياسي بوصفه مشروعا حزبيا لتحقيق المصالح الضيقة، وتحول العمل السياسي من ممارسة فن الممكن وتقديم التنازلات من أجل المصلحة العامة إلى الاستعداد للنزال والصراع في سبيل تحقيق الهدف، حتى لو ادى ذلك لخسارة الجميع وغرق السفينة.