الحركة الحوثية.. المنطلقات الفكرية والسِّياسية

وهم حق الإمامة

جاءت الحركة الحوثية حركة لإحياء المذهب الزيدي، وهو المذهب الذي يشترك مع المذاهب الشيعية في أحقية سلالة الإمام علي بالحكم. ووفقاً للزيدية، فإن الإمامة أو الولاية العامة للمسلمين، تنحصر في الذكور البالغين المنحدرين من «البطنين» (سلالة الحسن أوالحسين ابني علي بن أبي طالب) فهؤلاء جميعهم يمكن لأي شخص منهم الادعاء بالإمامة؛ إذا ما توافرت فيه الشروط الأربعة عشر للولاية. ويجيز المذهب الادعاء بوجود إمام زيدي أو غير زيدي.

مع أن الحوثية حركة إحيائية للمذهب الزيدي - فإن أدبياتها وخطاباتها العلنية -على الأقل- لا تدعو إلى عودة النظام الإمامي بشكل واضح وصريح، فكل «ملازم» حسين الحوثي، وخطابات أخيه عبدالملك، والحوارات الإعلامية مع قادة الحركة ومنظريها لا تشير لعودة النظام الإمامي، بشكل صريح، بل إن الكثير من خطابات الحركة أشارت إلى أنها لا ترغب بعودة الإمامة، وأنها أصبحت جزءاً من التاريخ.

إن موقف الحركة من هذه المسألة يتسم بالغموض المتعمد، الذي ربما يمكن إرجاعه إلى فكرة التقية، المعتمدة في المذاهب الشيعية، والتي تجعلها تتجنب التصريح بفكرة تؤمن بها، حتى تتسنى لها الظروف لإعلانها. وقد تجنب حسين الحوثي الحديث عن الحكم في اليمن لرغبته في تفادي الصدام مع السلطة، وكان كل حديثه عن عموم الأمة الإسلامية، ومن له حق الولاية، وما مبررات حصر الولاية في البطنين، وفوائدها ومخاطر تولي غيرهم للحكم. وقد ركز حسين الحوثي على فكرة «العلم» الذي يختاره الله من ذرية النبي في بعض الفترات.

تتحدث الحركة في كل أدبياتها، عن حصر الحق في الولاية العامة لسلالة الحسن والحسين (البطنين) ففيما يسمى «الوثيقة الفكرية والثقافية»، التي حررت عام 2012 نجد الوثيقة تلخص هذه المسألة في ثلاث قضايا هي: الاصطفاء ومضمونها يقوم على أن الله اصطفى آل محمد ليتولوا المسؤولية الكاملة عن الدين، حيث تقول الوثيقة «ونعتقد أن الله سبحانه اصطفى أهل بيت رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجعلهم هداة للأمة وورثة للكتاب بعد رسول الله إلى أن تقوم الساعة». ويشترك الحوثيون في هذه القضية مع بقية المذاهب الشيعية، فيما يختلفون في من يحق له الحكم من آل النبي.

ترافق صعود الحركة الحوثية مع أحداث كبيرة شهدتها المنطقة العربية والعالم في ذلك الحين (2001-2004) ومن هذه الأحداث اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى) عام 2000 وهجمات 11 سبتمبر (أيلول) وما تبعها من غزو لكل من أفغانستان والعراق. وقد استغل حسين الحوثي تلك الأحداث لتسويق مشروعه السياسي، من خلال إظهارها كأنموذج لحالة ضعف الأمة، ومؤامرات أعدائها، وهو ما يستوجب الحاجة للعلم القادر على مواجهة الأعداء، واستنهاض الأمة وغيرها من الشعارات التي تعج بها ملازم الحوثي وخطابات الحركة.

على الرغم من أن الحركة الحوثية وقادتها توقفوا عن الحديث عن قضية الولاية بالشكل المكتوب في ملازم حسين الحوثي من بعد دخولهم صنعاء، لحساسية هذه القضية، فإن الملازم يتم طباعتها والترويج لها باعتبارها الإطار الفكري للحركة. فيما موضوع الصراع الحضاري مع الآخر ما زال هو المشروع الكبير الذي تدعيه الحركة وتردده في خطابها العام.

استغلال الخلافات السياسية

أجادت الحركة توظيف الخلافات السياسية بين النخبة السياسية لصالحها، وظهر هذا الأمر بشكل واضح بعد اندلاع الاحتجاجات المطالبة برحيل صالح عام 2011، حيث بادرت الحركة بالانضمام للمحتجين دون أن تذوب معهم وتأتمر بأمرهم، وفي الوقت نفسه؛ بدأت الحركة بمد خطوط اتصال وتنسيق مع صالح وفريقه. وخلال تلك الفترة سيطرت الحركة على مدينة صعدة، بالتفاهم مع الجنرال الأحمر وما سمي بقوى الثورة، وعينت الحركة أحد الموالين لها في منصب محافظ صعدة.

وبعد خروج صالح من الحكم في بداية 2012 مارست الحركة نشاطاتها بشكل علني في جميع مناطق اليمن وتحديداً في العاصمة، وقامت باستقطاب الكثير من القوى والأشخاص المحسوبين على الرئيس صالح وكذلك المعارضين له. وقامت بتنصيب نفسها كخصم أيديولوجي وسياسي لحزب الإصلاح وحلفائه، والذي برز كقوة رئيسة في السلطة التي خلفت صالحاً.

أدى ذلك إلى تحالفها، بشكل أو بآخر، مع جميع خصوم الإصلاح الأيديولوجيين والسياسيين، ومن هؤلاء الرئيس السابق وحزبه المؤتمر الشعبي والقوى اليسارية، كالحزب الاشتراكي والكثير من القوى المحسوبة على الليبراليين. كان لكل طرف من هذه الأطراف هدفه الخاص من إضعاف الإصلاح وحلفائه العسكريين والقبليين.

السيطرة على مؤسسات الدولة

يتمتع الحوثيون بميزة نسبية كبيرة على جميع الأطراف الأخرى، بعد أن سيطروا على جميع مؤسسات الدولة –تقريباً- وسخروها لصالحهم. وقد تمت السيطرة في البداية من خلال ما أسموها «اللجان الثورية»، التي أصبحت –عملياً- هي المتحكمة بشؤون المؤسسات الحكومية، وفي مرحلة لاحقة قاموا بتعيين عناصرهم في الوظائف الرئيسة، دون أي اعتبار للمؤهلات أو الخبرات أو القوانين المنظمة للعمل في هذه المؤسسات، فعلى سبيل المثال، تم ترفيع بعض عناصرهم في وزارة الداخلية من رتبة جندي إلى رتبة لواء، وهي أعلى رتبة في هذه الوزارة[14]. في الوقت نفسه؛ تم فصل الكثير من الموظفين الذين شكوا في معارضتهم، وكانت النتيجة أن أصبحت جميع مؤسسات الدولة في صنعاء والمناطق التي يحكمونها تحت سيطرتهم المباشرة.

تمت هذه السيطرة عبر الأقلية الهاشمية، التي استحوذت على جميع الوظائف العليا والحساسة، ومعظم الوظائف الوسطى، وأصبحت -عملياً- بمثابة الأقلية المختارة صاحبة الامتيازات والحظوة. وبهذه الإجراءات تكون الحركة الحوثية قد جمعت في سلوكها هذا ما بين الأنظمة الشمولية، التي يسيطر أعضاء التنظيم فيها على مؤسسات الدولة، والأنظمة الاستبدادية التقليدية التي تحصر المناصب الرئيسة في سلالة معينة.

عملت هذه السيطرة على زيادة نفوذهم بشكل واضح، حيث أظهر الكثير من الموظفين ولاءهم للحوثيين رغبة في الحصول على منافع أو خوفا منهم، أما من لم يرغب في القبول بهم فقد انسحب من موقع عمله.

تمثيل الحركة

بما أن الحركة قد قامت من أجل إحياء المذهب الزيدي، الذي يحصر الحكم في السادة الهاشميين فإن هؤلاء هم الأنصار الطبيعيون للحركة؛ لكونها ستمنحهم حق الحكم والمكانة العليا في المجتمع، وهو ما يجعلهم أقلية ذات امتيازات خاصة؛ تشمل التمتع بالوظائف العليا في الدولة، والمكانة الاجتماعية المرموقة، وغيرهما من الامتيازات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

تأكد هذا الأمر في كل المناطق والمواقع التي سيطر عليها الحوثيون، فجميع المناصب المهمة والحساسة داخل الحركة يشغلها أشخاص ينتمون للسادة الهاشميين، وجميع التعيينات الرسمية في المواقع الحساسة في الدولة، والتي صدرت عن الحوثيين بعد دخولهم صنعاء، مُنحت لأشخاص من هذه الفئة نفسها. ومعظم الوظائف في المستويات الوسطى أعطيت لهم أيضاً. وقد تم ذلك دون أي اعتبار للكفاءة أو الخبرة أو الشهادة العلمية.

وبنظرة سريعة لجميع التعيينات التي تمت من قبل الحوثيين في مؤسسات الدولة، نجد أن أكثر من (70%) -على أقل تقدير- قد تمت لهاشميين، وهو ما يؤكد توجه الحركة لجعل هؤلاء بمثابة الأقلية المهيمنة على الدولة، وصاحبة الامتيازات الخاصة بها، وأداة السيطرة العسكرية والمالية والاجتماعية والثقافية. والحركة الحوثية تعيد استنساخ أنموذج الحكم الإمامي، الذي كان يمنح السادة الهاشميين معظم المناصب السياسية والإدارية والقضائية والعسكرية في الدولة.