الحكومة الإسلامية.. الأردبيلي قبل الخميني

النموذج المطروح في فكر الأردبيلي للحكومة قد توافق مع حكومة الولي الفقيه القائمة في إيران الاسلامية الحالية والدستور الإيراني أشار إليها في عدة مواضع منه والسعي بتصديرها إلى دول العالم.

بقلم: فاطمة عطا

نجد من الضروري القاء الضوء على نوع الحكومة الاسلامية في فكر المحقق الأردبيلي وان كانت عائدة لزمن ماضي ومرتكزة على فكر فقيه ينتمي للقرن العاشر الهجري الا انها مبنية على اسس فكرية ما زال يوجد من يؤمن بها ويحاول تعميمها على بقاع المعمورة ولاسيما الاسلامية منها وان اختلفت الطرق والوسائل الى ذلك.

من هو المحقق الأردبيلي: هو أحمد بن محمد الأردبيلي المشهور بالمقدس الأردبيلي والمعروف بالمحقق الأردبيلي وكان من مشاهير ومفاخر علماء الامامية في القرن العاشر الهجري ومعاصراً للعهد الأول من السلطنة الصفوية محل ولادته في قرية نيار من توابع مدينة أردبيل.

تعد الحكومة في فكر المحقق الأردبيلي ضرورة اجتماعية لحياة البشر لحاجة الانسان اليها لكونه مخلوقاً مدنياً بالطبع فحياة البشر لا تستقيم او تسير بدون القانون والشريعة التي هي عبارة عن "تعليم حسن المعاش والمعاد طبقاً للصواب والسداد ورفع الظلم والفسق والفساد" فوجود الحكومة في حياة البشر له ضرورة عقلية وهي من اللطف الإلهي بالناس إذ يرسل إليهم الانبياء لكي يعلموهم الشريعة والقانون والمصالح لكي يتبعوها والمفاسد ليتجنبوها وان هذا الامر هو في عهدة اشخاص ينصبهم الله لهذا الغرض يعلم اهليتهم ويرضى عنهم وهو ما يقع تعيينهم على الله بنفسه . فلا يترك مخلوق من المخلوقات بدون قائد اوامام وذلك حتى في بدن الانسان فاللحواس الظاهرة والباطنة قائداً وهو القلب فاذا كان صحيحاً وسالماً فان جميع الأعضاء تكون سالمة، وإذا فسد تؤول جميع الاعضاء الى الفساد وتوجب خراب معمورة البدن الإنساني، ولكي لايكون الناس بالضلال والحيرة فانهم لايتركون بدون قائد او رئيس.

على ما ورد اعلاه فان وجود الحكومة في حياة البشر هو ضرورة حتمية ومن ثلاث منطلقات:

الأول عقلي، والثاني يتعلق باللطف الإلهي، والمنطلق الثالث الاجتماعي للإنسان، لكي لاينحو إلى الفساد والخراب من دون قاطع مابيه وبينهما يدله على الصواب والصلاح.

يكون مصدر الحاكمية للحكومة الإسلامية الهياً، أي أن الله يعين الحاكم أو القائد لها بالخصوص وعلى ذلك فأن الله يفوض رئاستها الى رسوله واوليائه المعصومين وتكون حاكميته مطلقة على أمور الناس الدينية والدنيوية معاً بلا انفصال أو فراق، وهذا النوع من الحكومة يسميه الأردبيلي بالحكومة المشروعة لكونها ارتكزت على حاكمية الله المتمثلة بولاية النبي وولاية المعصومين ونوابهم العامين اي الفقهاء الجامعين للشرائط. والولاية النبوية افضل واكمل وجه للحاكمية الإلهية على الارض فحكومة الرسول هي اصلح حكومة وهو اصلح فرد للتدخل في امور الناس الدينية والدنيوية وهو الذي يستطيع ان يجلب المصالح ومنافع الناس الدينية والدنيوية ودفع مفاسد ومضار الأمور عن حياتهم وتنظيم مبدأهم ومعادهم بافضل نحو .

وبما انه لانبي بعد نبي الله محمد لذا وجب ان يكون له خلفاء في امور الناس الدينية والدنيوية لهم نفس صفاته وشرائطه ما عدا النبوة ، ويقومون بنفس الواجبات التي قام بها النبي من حيث تبليغ الاحكام الالهية وحفظ الشرع بعد الرسول ويتصف الامام الذي يخلف النبي برئاسة الحكومة الاسلامية بنفس خصائص وصفات الرسول وهي: العصمة، الخلو من العيوب العمى والطرش وسوء الخلق والقسوة والجبن والتخلق باخلاق وضيعة ولدغة اللسان، اي ان يكون افضل من جميع الامة، وعلى ذلك فخلافة الرسول لا تكون الا على ايدي الائمة المعصومين ذلك ان جميع الامور الدينية والدنيوية التي تحتاجها الحكومة تقع على علوم وشروط غير محدودة وهي لاتوجد في غير المعصوم .

وفقاً لما ورد بتعيين الإمام حدث اختلاف مابين فريق المسلمين بحسب الفكر السياسي لهم، اذ يعتبر اهل السنة ان المهم تعينه عن طريق الاجماع أو النص أو بيعة المسلمين، في حين ان طريق ثبوت الامامة و الولاية باعتقاد الشيعة هو نفسه طريق ثبوت النبوة ويجب ان يكون بنص من الله او النبي أو الإمام المعصوم فطريق التعيين امام المسلمين هو النصب من قبل الله والرسول والامام المعصوم ويتعبره واجباً من الله والرسول، وبما ان التكليف باقٍ لحاجة البشر الى الشريعة الالهية والحكومة باقية حتى في عصر الغيبة وهنا يكون محل اشغال الحكومة للقيادة والرئاسة عليها من قبل الفقهاء الجامعين للشرائط فقط (كالعلم والعدالة وهم ورثة الانبياء وقائمين مقام امام العصر ونوابه ويعتقد ان اذن الامام بنيابتهم معلوم وبديهي لانه في غير هذه الصورة سيحدث الاختلال في نظام عصر الغيبة وسيختل نظام المجتمع وتؤول حياة الناس الى الضيق والحرج . لان الحكام الفاسدون والجائرون من غير الممكن ان يتولوا القيادة الدينية والدنيوية لجماعة المتدينين حيث لايقبل الله ابد حكومة الفاسقين على المؤمنين وعليه فالحكومة في عصر الغيبة جائزة لاشخاص يكون الله ورسوله راضٍ بحكومتهم .فبدون الامام لايمكن الاقتراب من الصلاح والابتعاد عن الفساد. يورد أدلة عقلية ونقلية لذلك وهي الحكومة المشروعة، ونجد ان النموذج المطروح في فكر الأردبيلي للحكومة الاسلامية قد توافق مع حكومة الولي الفقيه القائمة في جمهورية ايران الاسلامية الحالية والدستور الإيراني قد اشار اليها في عدة مواضع منه والسعي الى تصديرها الى دول العالم الأخرى.

المصدر: علي خالقي، آفاق الفكر السياسي عند المحقق الأردبيلي، ترجمة :فاطمة شوربة،(ايران، مؤسسة دار معارف الفقه الاسلامي، 2006).