الخضراء تغلي مع توسّع رقعة مظاهرات التيار الصدري ضد الإطار التنسيقي
بغداد - وسّع التيار الصدري في العراق نطاق احتجاجاته، الاثنين، وسط استنفار أمني غير مسبوق، عبر دفع الآلاف من أنصاره إلى داخل المنطقة الخضراء، والاحتشاد في مبنى البرلمان والمنشآت الملحقة به، مع سيطرتهم بشكل كامل على ساحة التحرير وسط بغداد، ومبنى المطعم التركي الواقع على نهر دجلة الذي كان أيقونة الاحتجاجات الشعبية بالبلاد التي تفجّرت في أكتوبر 2019.
في المقابل، خرج بضعة آلاف من أنصار قوى "الإطار التنسيقي"، وأبرزها جماعة "عصائب أهل الحق"، بزعامة قيس الخزعلي، وتيار "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، وتحالف "دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي، إلى جانب زعماء فصائل مسلحة شاركوا بشكل شخصي في التظاهرات أمام المنطقة الخضراء من جهة الجسر المعلق (جنوبي المنطقة الخضراء) وهي الجهة المقابلة لوجود الصدريين الذين يتمركزون في الجانب الشمالي منها.
وحمل المتظاهرون أعلام العراق ورايات ملونة ورددوا شعارات منددة بقيام أتباع الصدر باقتحام المباني الحكومية داخل المنطقة الخضراء الحكومية، وطالبوا بضرورة حفظ شرعية الدولة والنظام العام في البلاد.
واستخدمت القوات المسلحة العراقية خراطيم المياه لمنع اقتراب المتظاهرين من الحواجز الإسمنتية والأسلاك الشائكة المحيطة بالبوابة الجنوبية للمنطقة الخضراء الحكومية.

ورفع أنصار الصدر في محافظات البصرة وكربلاء وبابل والمثنى وواسط والقادسية والديوانية وكركوك وديالى في الاحتجاجات التي خرجت عصر الاثنين، صوراً لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي يرتدي بدلة إعدامات، مطالبين القضاء بمحاكمته، مرددين شعارات مطالبة بالإصلاحات، وإنهاء "الفساد والتبعية"، فضلاً عن شعارات مؤيدة لزعيمهم مقتدى الصدر.
وذكرت وسائل إعلام محلية أن دعوة وزير الصدر شهدت استجابة كبيرة لأنصاره وزاد زخمها حضور عدد من العشائر العراقية التي أيدت دعوة الصدر "لتغيير النظام السياسي بشكل شامل"، ولوحظت "البيارق" التي تحمل عناوين هذه العشائر وسط تظاهرات الصدريين في محافظات مثل بابل والمثنى والبصرة ونينوى وغيرها من المحافظات في الوسط والجنوب.
كما شهدت محافظة نينوى، للمرة الأولى، مظاهرة حاشدة شارك فيها المئات من أنصار زعيم التيار الصدري الاثنين، في المحافظة المعروفة بصبغتها السنية.
وقبيل ساعات على خروج أتباع تحالف الإطار التنسيقي في تظاهرات مناوئة لاعتصامات أنصار التيار الصدري، وسط مخاوف من تمدد الأزمة السياسية للشارع، ودخول الفصائل المسلحة الحليفة لإيران على الخط، دعا زعيم تحالف الفتح الممثل للحشد الشعبي هادي العامري، إلى حوار بين طرفي الصراع، وحقن دماء العراقيين.
وقال العامري الذي بدا غير مؤيد لخطاب التصعيد، الذي ينتهجه تحالفه في بيان "في أجواء التصعيد الإعلامي من خلال البيانات والبيانات المضادة، والتي تدعو إلى الحشد الجماهيري، وقد تخرج عن السيطرة وتفضي إلى العنف، أكرر ندائي مخلصاً إلى الإخوة في التيار الصدري وفي الإطار التنسيقي، إلى أن يغلبوا منطق العقل والحكمة وضبط النفس والتأني وتقديم مصلحة البلاد والعباد، من خلال الحوار الجاد والبنّاء، للتوصل إلى حلول لنقاط الاختلافات في ما بينهما".
وأكد أن "الدماء العراقية عزيزة على الجميع، وقد قدم الشعب العراقي العزيز منذ سبعينيات القرن الماضي إلى هذا اليوم دماء غزيرة وعزيزة"، مشدداً "كفى دماً، ورفقاً بالدم العراقي فهو أمانة في أعناق الجميع، ومسؤولية سفكه يتحملها الجميع"، داعياً إلى "التفاهم والحوار".
وبالمقابل، رد المتحدث باسم الصدر، صالح محمد العراقي، على دعوة العامري للحوار في بيان له نشره عبر حسابه على تويتر قائلا إنه سيتنازل للقبول بها لكن بشروط.
وأضاف العراقي الذي يعرف باسم وزير الصدر، ويتولى نشر مواقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر "تكرّر دعوة الأخ العامري للحوار بين الإطار (الذي ينتمي له) وبين التيار الصدري الذي تخلّى عنه، فأقول: إننا لو تنزّلنا وقبلنا الحوار فذلك مشروط بانسحاب الأخ العامري وكتلته من الإطار واستنكار صريح لكلام (سبايكر مان) الذي صرح به في التسريبات قبل أيام قلائل".
ويستخدم بعض العراقيين مصطلح "سبايكر مان" في إشارة نوري المالكي الذي تتهمه قوى عراقية بالمسؤولية عن مجزرة قاعدة سبايكر الجوية عام 2014 في محافظة صلاح الدين، والتي قتل فيها نحو 1700 من الطلاب العسكريين من قبل تنظيم داعش.
وأضاف العراقي "كنتَ أنت من ضمن الموقعين على وثيقة إصلاحية.. ولم تنفذ.. فمن الضامن لتطبيق الحوار الإصلاحي؟! فعليك بتحديد ضامن لكي ننقذ العراق من أنياب الفـساد".
وكان الصدر قد تراجع في السابع والعشرين من أغسطس 2021 عن قرار مقاطعة الانتخابات، بعد تسلمه وثيقة إصلاحية من القوى السياسية دعته إلى المشاركة في الانتخابات.
ولم يكشف الصدر حينها عن فحوى الوثيقة الإصلاحية والموقّعين عليها، لكنه دعا إلى أن "تكون الورقة الإصلاحية ميثاقا بين الكتل السياسية الموقّعة عليها وبين الشعب وبسقف زمني، ومن دون مشاركة الفاسدين وذوي المصالح الخارجية وعشاق التبعية".
وكان الإطار التنسيقي الحليف لإيران قد رحب بمبادرة رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، والتي دعت لعقد حوار في أربيل بين كل الأطراف السياسية.
لكن دعوة الصدر العشائر العراقية وقوات الأمن والمواطنين العراقيين إلى مساندته في تحقيق ثورة الإصلاح الحالية بالعراق معتبرا ما يحدث الآن من تظاهرات واعتصام لأنصاره فرصة لتبديد الظلام والفساد والولاء للخارج والطائفية، دفعت الإطار إلى الدعوة لتظاهرات مضادة للدفاع عن "الدولة"، معتبراً خطوات الصدر "دعوة للانقلاب على الشرعية الدستورية".
ويواصل الصدريون اعتصامهم في المنطقة الخضراء ببغداد لليوم الثالث على التوالي، فيما تزداد جموع المشاركين في الاعتصامات مع وصول وفود من محافظات وسط وجنوب البلاد إلى مقر البرلمان، ويرجح أنصار الصدر، أن الاعتصام قد يستمر إلى أيام أخرى إلى حين التوصل إلى حلول جذرية، منها الاتفاق على موعد جديد لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة فضلاً عن الاتفاق على تعديل الدستور.