الخناق يضيق على الدبيبة.. ملتقى مصراتة يدعو لرحيل حكومة الوحدة

مصراتة تعتبر قوة سياسية وعسكرية واقتصادية هامة في الغرب الليبي وأي تحول في موقفها أو في موقف مكوناتها الفاعلة له تأثير كبير على المشهد العام في ليبيا.

طرابلس – أصدر ملتقى مصراتة الجامع بيانا الأحد دعا فيه صراحة لرحيل حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها بقيادة عبدالحميد الدبيبة، مشددا على ضرورة تشكيل سلطة تنفيذية جديدة تتولى إدارة شؤون البلاد بعدما فشلت حكومة الوحدة في حل الأزمات المتراكمة.

ويكابد الدبيبة في واجهة دعوات تطالبه بالرحيل في ظل الانسداد السياسي واحتجاجات سابقة أعقبت اشتباكات دموية مسلحة، لكنه نجح حتى الآن في ضمان البقاء ولو لفترة أخرى، بينما تقول مصادر إنه يعول على الميليشيات الموالية لحكومته لكبح التيار المناوئ لاستمراره في السلطة.

وتعكس هذه الدعوة تآكلا في شرعية حكومة الدبيبة ودعمها الشعبي، وتحولا في مواقف بعض الفاعلين الرئيسيين، مما يفرض ضغطا متزايدا على الحكومة ويدفع باتجاه البحث عن حلول سياسية جديدة لإنهاء الأزمة الليبية.

وجاء في البيان أن الأوضاع المعيشية في البلاد بلغت مرحلة “الانهيار”، مشيرا إلى تدهور غير مسبوق للوضع الاقتصادي بما يشمل ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة الدينار، وهو ما أثر مباشرة على الوضع المعيشي للمواطنين وقدرتهم الشرائية.

ولاحظ أن صورة المواطن الليبي منذ تولي حكومة الوحدة السلطة في العام 2021، تدهورت على الساحة الدولية. كما استشهد البيان بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب القاضي بإعادة حظر دخول الليبيين إلى الولايات المتحدة، واعتباره مؤشرا على "انكماش الاحترام الدولي لليبيا". ولم يخف ملتقى مصراتة مخاوفه وقلقه من تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية واستمرار هدر المال العام.

وحذّر كذلك مما وصفها بـ"المشاريع الوهمية التي يجري التسويق لها تحت شعار "عودة الحياة"، بينما هي في الحقيقة تستخدم "كغطاء لنهب الموارد دون تحقيق أي نتائج ملموسة"، وفق ما ورد في البيان.

الملتقى الذي يشكل اطارا جامعا لعدة قوى سياسية، طالب كذلك مصرف ليبيا المركزي بوقف فوري لتمويل حكومة الوحدة الوطنية، مستثنيا فقط صرف رواتب موظفي القطاع العام. كما شدد على ضرورة وقف ما وصفه بـ"العبث" بالمال العام تحت ما يسمى "غطاء التنمية".

ودعا في الختام أهالي مصراتة وهي المدينة التي لها ثقل سياسي واقتصادي ولها رمزيتها في أي حراك، إلى اجتماع شعبي حاشد في منطقة أولاد بعيو وذلك تأكيدا على موقف المدينة الداعم لإنهاء الانقسامات السياسية وانهاء الاقتتال وللمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة تقود نحو بناء دولة القانون والدستور.

ووجه الملتقى كذلك دعوة للمجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي طالبه فيها بتعليق عمل الحكومة لمدة 3 أشهر لتعبيد الطريق لتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة من خلال البرلمان وبموافقة وتوافق وطني شامل.

وكان ملتقى مصراتة الجامع قد انطلق في 29 يوليو/تموز 2024، بمشاركة ممثلين من مجلس الدولة ومجلس النواب بمدينة مصراتة، ويقوده إبراهيم أبوفناس.

بيان ملتقى مصراتة الجامع يشدد على تشكيل سلطة تنفيذية جديدة
بيان ملتقى مصراتة الجامع يشدد على تشكيل سلطة تنفيذية جديدة

وتحمل دعوة ملتقى مصراتة الجامع إلى رحيل حكومة الدبيبة وتشكيل سلطة جديدة دلالات مهمة وعديدة في المشهد الليبي المعقد، من ضمنها أنها تؤكد تآكل الشرعية والدعم الشعبي اذ تشير إلى أن الحكومة قد فقدت جزءًا كبيرًا من ثقتها ودعمها داخل مدينة مصراتة، التي تعتبر من أهم الداعمين لها في السابق. وهذا يعكس استياءً واسعًا من أداء الحكومة وفشلها في تلبية تطلعات الشارع الليبي.

وتؤكد الدعوة كذلك أن الشعب يطالب برحيل الحكومة بسبب فشلها في إدارة شؤون البلاد، مما يعطي بُعدًا شعبيًا للمطالبات، وليس فقط سياسيًا.

وتشير هذه التطورات أيضا إلى تغيير في المواقع التقليدية: فمصراتة تعتبر معقلاً سياسيًا وعسكريًا لعبدالحميد الدبيبة، لذا فإن صدور دعوة من "ملتقى مصراتة الجامع" لرحيله يمثل تحولا كبيرا في موازين القوى ويعكس تراجعا في الدعم الذي كان يحظى به. وهذا يشير إلى أن بعض الفصائل والمكونات داخل المدينة لم تعد راضية عن الوضع القائم أو ترى أن مصالح المدينة لم تعد تتماشى مع بقاء هذه الحكومة.

وقد تكون هذه الدعوة مؤشرا على انشقاقات أو خلافات داخلية بين الأطراف الفاعلة في مصراتة، أو بينها وبين حكومة الدبيبة، خصوصًا بعد ورود تقارير سابقة عن مشاركة قوات من مصراتة في اشتباكات طرابلس، وهو ما رفضه البعض داخل المدينة.

والمطالبة بتشكيل سلطة جديدة وإقرار الدستور وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة تعكس رغبة في إنهاء حالة الانقسام والفوضى والبحث عن مسار سياسي مستدام يعيد الاستقرار إلى البلاد، بينما يؤكد الملتقى على موقفه الرافض للحرب والداعم لبناء دولة القانون، مما يدل على السعي إلى حل سلمي للأزمة بعيدا عن الصراعات المسلحة.

وتضاف هذه الدعوة إلى سلسلة من الاحتجاجات والمطالبات المتزايدة برحيل حكومة الدبيبة، سواء في طرابلس أو غيرها من المدن الليبية. وهذا يضع الحكومة تحت ضغط داخلي كبير.

وعلى الرغم من أن حكومة الوحدة تتمتع بشرعية دولية، إلا أن فقدانها للدعم المحلي، خاصة من مناطق كانت تعتبر قاعدة لها، يضعف موقفها بشكل كبير ويهدد قدرتها على الاستمرار في الحكم بفاعلية.

وتمثل مصراتة قوة سياسية وعسكرية واقتصادية هامة في الغرب الليبي وأي تحول في موقفها أو في موقف مكوناتها الفاعلة له تأثير كبير على المشهد العام في ليبيا ويمكن أن تشجع هذه الدعوة أطرافًا أخرى على التعبير عن موقفها الرافض لحكومة الدبيبة، مما يزيد من عزلة الحكومة ويفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة في الأزمة الليبية.