الدبيبة يواجه الاحتجاجات الشعبية بالترهيب وفرض الولاء القسري
طرابلس – تشير تقارير إلى أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، عبدالحميد الدبيبة، لجأ إلى أساليب التخويف والترهيب لضمان الدعم الشعبي لحكومته، فبعد فشله في قمع الاحتجاجات المطالبة برحيله عبر استخدام الخطاب الديني المتشدد لرئيس دائرة الإفتاء في غرب ليبيا المعزول، الصادق الغرياني، اتهمت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا حكومة الدبيبة بـ"إجبار موظفين حكوميين على المشاركة في مظاهرات داعمة له".
ووفقا لبيان المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، تلقت بلاغات وشكاوى موثقة من موظفين مدنيين في عدة وزارات وهيئات عامة، تفيد بتعرضهم لضغوط مباشرة وتهديدات صريحة باتخاذ إجراءات إدارية ضدهم، تشمل الفصل، النقل، ووقف المرتبات، في حال عدم مشاركتهم في مظاهرة نظمتها الحكومة بميدان الشهداء بطرابلس.
ووصفت المؤسسة هذه الإجراءات بأنها "تمثل خرقًا صارخًا للدستور الليبي، وللقوانين الوطنية، والمواثيق الدولية"، مؤكدة أن استخدام أجهزة الدولة ومواردها لـ"فرض الولاء السياسي يعد انتهاكًا أخلاقيًا وقانونيًا"، محملة رئيس الحكومة والوزراء المسؤولية الكاملة عن تعريض حياة المدنيين للخطر، خصوصًا في ظل التوترات الأمنية التي تشهدها العاصمة.
وتجمع مئات من الليبيين السبت في طرابلس، مقر حكومة الوحدة الوطنية لإظهار دعمهم لها بعد تظاهرتين حاشدتين طالبتا برحيلها بسبب القتال الدامي الذي شهدته العاصمة منتصف هذا الشهر.
وتم نقل العديد من المشاركين في حافلات إلى وسط طرابلس من مدن مجاورة مثل مصراتة (200 كيلومتر إلى الشرق) والعزيزية (50 كيلومترا إلى الجنوب الغربي).
وأطلق المتجمعون شعارات "لا للميليشيات! نعم لسلطة القانون والدولة"، و"يجب حل الميليشيات"، ورفع بعضهم لافتات تدعو إلى إجراء انتخابات.
وعلى الجانب الآخر، خرج محتجون في مدن طرابلس والزاوية وصرمان في موجة احتجاجات غاضبة، شملت إغلاق طرق رئيسية وإشعال الإطارات، للمطالبة بإسقاط كافة الأجسام السياسية القائمة في البلاد.
ففي العاصمة طرابلس، أغلق المحتجون الطريق السريع وعددًا من المفترقات الحيوية، أبرزها جزيرة الفرناج وسيمافرو زناتة وطريق الشط–الشعاب، مستخدمين الإطارات المشتعلة، ما تسبب في توقف تام لحركة المرور.
ورفع المتظاهرون لافتات وشعارات تؤكد رفضهم لاستمرار الأجسام السياسية الحالية، مطالبين برحيلها فورا.
وفي مدينة الزاوية، أُغلق مدخل المدينة من جهة بوابة الصمود، إضافة إلى الطريق القريب من إشارة الضمان، وسط حالة من التوتر الشعبي، عبّر خلالها المحتجون عن غضبهم من "تجاهل السلطات السياسية لمطالبهم"، ملوحين بمواصلة التصعيد حتى تحقيق التغيير.
وامتدت الاحتجاجات إلى مدينة صرمان، حيث قطع المتظاهرون الطرق المؤدية إلى وسط المدينة، وأشعلوا الإطارات في أكثر من موقع، مؤكدين أن الأزمة السياسية والأمنية لا يمكن معالجتهما دون تغيير جذري في السلطة.
وتداول نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر لحظات إغلاق الطرق وإضرام النيران، وسط انتشار أمني محدود، وغياب أي رد رسمي حتى الآن من الحكومتين شرق وغرب البلاد أو المجالس السياسية المعنية.
وحاول الدبيبة في وقت سابق الرد بقوة على توسع دائرة الاحتجاجات الشعبية بتوظيف الخطاب الديني المتشدد عبر المفتي المعزول الصادق الغرياني. وحرض عبدالرحمن القن المذيع بقناة "التناصح" التابعة سهيل الغرياني، في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك حكومة الدبيبة على استخدام القوة ضد المتظاهرين الذين وصفهم بـ"العابثين"، داعيا إلى "التعامل بجدية وحزم مع كل من يعبث بمصالح الناس".
كما سبق أن صرح الغرياني نفسه بأن "كل من خرج في ميدان أو كتب لنصرة أي جهة سيموت ميتة جاهلية"، في محاولة لثني المحتجين عن حراكهم.
وأشارت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إلى أنها تتفهم الضغوط التي تمارس على العسكريين وكتائب الأمن والكتائب المسلحة وأفراد وزارة الداخلية، وخاصة من مدينة مصراتة، للانخراط في هذه الحشود. وحذرت المؤسسة من خطورة "عسكرة الدولة واستخدام مؤسساتها لصالح شخص واحد وليس دولة واحدة، في مواجهة الإرادة الشعبية ومطالب الليبيين بالتغيير السياسي وإجراء الانتخابات".
وفي خطوة تصعيدية، أعلنت المؤسسة تقديم بلاغ رسمي إلى مكتب النائب العام (الصديق الصور) أرفقته بأسماء المسؤولين الحكوميين ونسخ من الشكاوى التي تلقتها، مؤكدة شروعها في توثيق كافة الانتهاكات تمهيدًا لإحالتها إلى المنظمات الحقوقية الدولية المختصة.
كما دعت المؤسسة إلى فتح تحقيق فوري مع الجهات المتورطة، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في هذه الوقائع، مشددة على ضرورة أن تتخذ بعثات الأمم المتحدة والجهات الدولية في ليبيا موقفا واضحًا تجاه ما وصفته بـ"التضييق الممنهج على الحريات العامة".
ويعكس هذا المشهد المتوتر تدهورا خطيرا في الوضع السياسي والحقوقي في ليبيا، وتدفع هذه التداعيات البلاد نحو مزيد من عدم الاستقرار والغموض، في ظل تمسك الدبيبة بمنصبه، في وقت يرفض عدد من النواب في البرلمان تشكيل حكومة جديدة، نظرا لعدم تبلور وجهة النظر الدولية بشأن الأوضاع في ليبيا.
وأفاد طلال الميهوب رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب أن 26 نائبا أبدوا رفضهم تشكيل حكومة جديدة من دون حدوث توافق سياسي بشأنها، مشيرا إلى أن رئاسة البرلمان ترى أن خطوة تشكيل حكومة جديدة قد تمثل ضغطا على المجتمع الدولي للدفع بإزاحة الدبيبة، خصوصا بعد خروج المظاهرات الكبيرة ضده.
وذكر أن بعض النواب يرون تشكيل حكومة جديدة تكرار لتجارب فاشلة، تفتقر إلى التوافق السياسي الشامل حولها، ونوه بأنه على مدار العامَيْن الماضيَيْن، وبالتزامن مع تصاعد خلافاته مع حكومة الدبيبة، كرّر البرلمان دعوته إلى تشكيل حكومة جديدة موحدة لتتولى إدارة البلاد وتمهّد لإجراء الانتخابات.
وعلى النقيض من هذه المواقف الداخلية، صرّحت المبعوثة الأممية، هانا تيتيه، بأن المجتمع الدولي لا يزال يعترف بحكومة الدبيبة، ورأت أن أي مبادرة جديدة يقوم بها أي طرف بشأن تشكيل حكومة يجب ألا تكون أحادية.
من جانبها، كشفت البرلمانية أسمهان بالعون في تصريحات لتلفزيون "المسار"، عن تحولات محورية في الملف الليبي، مشيرة إلى أن "ما قبل 13 مايو 2025 ليس كما بعده، والملف الليبي بات اليوم تحت الإشراف المباشر من واشنطن". وأضافت أن تصريحات مستشار الرئيس الأميركي التي أكدت على ضرورة الحل السلمي، هي أكبر دليل على ذلك.
وتابعت بالعون بأن الخطة الأميركية تتضمن إعادة تشكيل المشهد السياسي بالكامل عبر خارطة طريق جديدة تقود إلى تشكيل حكومة تكنوقراط مصغرة تشرف على الانتخابات.
وأوضحت أن حكومة الدبيبة ستبقى فترة مؤقتة إلى حين الاتفاق على عملية سياسية جديدة لاختيار البديل المناسب خلال الأشهر القادمة. كما أشارت إلى أن الحرب في طرابلس مستبعدة حاليًا بعد اتفاق الأطراف على الهدنة والتهدئة، لكن خطر التصعيد يبقى قائمًا في ظل هشاشة الوضع الأمني.
في خطوة قد تشير إلى محاولات لتجاوز هذا الانسداد السياسي، كشفت صباح جمعة نائبة مقرر مجلس النواب، أن جلسة الإثنين المقبل ستشهد تقديم المرشحين لرئاسة الحكومة برامجهم الانتخابية أمام أعضاء المجلس.
وبينت جمعة أن هذه الخطوة تأتي في إطار استكمال المسار الدستوري والسياسي لتشكيل سلطة تنفيذية موحدة، تحظى بتوافق وطني ودولي. وأكدت أن مجلس النواب ملتزم بالجدول الزمني المحدد، مشيرة إلى أن الجلسات ستُعقد بحضور الأطراف المعنية، ووسط متابعة من جهات محلية ودولية لضمان الشفافية والمصداقية.
وهذه التطورات المعقدة تكشف عن عمق الأزمة الليبية، حيث تتشابك المصالح المحلية المتجذرة مع الرؤى الدولية المتضاربة، مما يحكم على جهود التوصل إلى حل مستدام بالتعقيد. فيما ينتظر ما إذا كانت المساعي البرلمانية الراهنة ستتمكن من تحقيق التوافق المنشود، أم أن المشهد الليبي سيظل محتجزا خلف جدران تمسك الأطراف بمواقفها المتصلبة.