الدبيبة يدافع عن قرارته لتحييد الجماعات المسلحة رغم تصاعد العنف

الدبيبة يبرر سقوط عشرات القتلى في الاشتباكات بين عناصره وقوات الردع باستعجال في تنفيذ القرارات، فيما يطالب مجلس ألمن الدولي بمحاسبة المسؤولين.

طرابلس - دافع رئيس حكومة الوحدة الوطنية طرابلس - دافع رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة ليلة السبت/الأحد عن مشروع "ليبيا خالية من الميليشيات والفساد"، للسيطرة على العاصمة طرابلس مؤكدا عزمه المضي قدما في تحقيق أهدافه، على الرغم من الدعوات المطالبة برحيله، في أعقاب الاشتباكات المسلّحة الدامية التي شهدتها خلال الأيام القليلة الماضية.

وقال الدبيبة في خطاب تلفزيوني "من يستمر في الفساد أو الابتزاز لن نتركه. هدفنا هو ليبيا خالية من الميليشيات والفساد".

وأضاف "الميليشيات تغولت، وسيطرت على كل المشهد السياسي والمالي والاقتصادي وحتى الاجتماعي"، لافتا إلى أن "الميليشيات انقسمت إلى ثلاث مجموعات، الأولى انسحبت وعادت لحياتها، والثانية اندمجت في مؤسسات الدولة، والثالثة اعتمدت على ابتزاز الدولة. جزء من هذه الميليشيات أصبح أكبر من الدولة، وعندما جاءت حكومتنا وجدنا هذا الواقع أمامنا، وحاولنا التعامل معهم بشكل هادئ وسلس".

ودعا الدبيبة ، الشباب الملتحقين بالمليشيات إلى الانضمام لمؤسسات الدولة"، وقال "نريد لطرابلس أن تعود، فالمستقبل الحقيقي للدولة مع الجيش والشرطة. لقد تأخرنا في ذلك حقا، لكننا بدأنا".

وعبدالحميد الدبيبة وصل إلى السلطة عام 2021 عبر عملية مدعومة من الأمم المتحدة، وكان من المقرر إجراء انتخابات في ذلك العام لكنها تعطلت بسبب الخلافات بين الفصائل المتنافسة، مما أدى إلى بقائه في السلطة حتى الآن.

ويرى مراقبون أن الدبيبة بخطابه الذي ألقاه في ساعة متأخرة من الليل يسعى للدفاع عن مشروعه في تحييد الفصائل المسلحة التابعة للمجلس الرئاسي والسيطرة على العاصمة طرابلس في محاولة لضمان بقائه في السلطة.

وسرد الدبيبة ما حصل من وقائع واقتتال داخل العاصمة ووسط المدنيين قائلا "بدأنا يوم الاثنين بعملية سريعة وخاطفة وناجحة دون إراقة دماء واستطعنا القضاء على ميليشيا عاثت فسادا في البلاد بالقتل والسرقة والتعذيب والابتزاز".

وأضاف أنّ "تلك الميليشيات سيطرت على 6 مصارف وتقوم بابتزاز الدولة والوزراء وسجن وتعذيب وإعدام كل من يخالفها الرأي"، في إشارة إلى مقتل قائد كبير لإحدى الجماعات المسلحة يدعى عبدالغني الككلي، المعروف باسم غنيوة، والهزيمة المفاجئة التي لحقت بجهاز دعم الاستقرار الذي يتولى قيادته على يد الفصائل المتحالفة مع الدبيبة.

ويخضع جهاز دعم الاستقرار للمجلس الرئاسي الذي جاء إلى السلطة في عام 2021 مع حكومة الوحدة الوطنية التابعة للدبيبة من خلال عملية دعمتها الأمم المتحدة.  وكان مقر جهاز دعم الاستقرار في حي أبوسليم المكتظ بالسكان.

وقالت وزارة الداخلية في بيان إنه تم العثور على تسع جثث متحللة في ثلاجة مشرحة في مستشفى الخضراء في أبو سليم. وأضافت أن جهاز الأمن الوطني لم يبلغ السلطات عنها.

ونشر المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة مقطعا مصورا للدبيبة وهو يوجه التحية لقوات الأمن التي تحمي مبنى رئاسة الوزراء.

وقال المكتب في بيان إن الدبيبة استقبل في وقت لاحق وفودا من الوجهاء لمناقشة أوضاع طرابلس وما أطلق عليها "العملية الأمنية الناجحة في أبوسليم".

وقال المكتب في بيان "أكد رئيس الحكومة أن هذه العملية تندرج ضمن رؤية الدولة الثابتة لإنهاء التشكيلات المسلحة الخارجة عن مؤسسات الشرطة والجيش". 

ودافع الدبيبة في خطابه، عن القرارات التي أصدرها بعد عملية أبوسليم، قائلا "بعد العملية خرجنا بحزمة قرارات غيرنا بموجبها بعض القادة كان من ضمنهم رئيس جهاز الأمن الداخلي ورئيس إدارة السجون، أسامة نجيم الذي تفاجأنا بتقرير مفزع بحقه من محكمة الجنايات الدولية يتحدث عن فظائع كان يرتكبها" معقبا "شخص مثل هذا لا نحتمل بقائه في السلطة ليوم إضافي واحد".

وبعد أن أمر الدبيبة الثلاثاء بتفكيك الجماعات المسلحة، شهدت طرابلس أعنف اشتباكات منذ سنوات بين اثنتين من الجماعات المسلحة مما أسفر عن مقتل ثمانية مدنيين على الأقل، وفقا لما ذكرته الأمم المتحدة.

وحول هذه الاشتباكات والتي أدت إلى خسائر بشرية وأضرار مادية، اعترف الدبيبة بأن "الخطأ الذي حدث كان مشتركا"، في إشارة لاشتراك قواته وقوات "الردع" المعارضة له في الاشتباك داخل المدينة.

وبرر ذلك بقوله "كان هناك استعجال في تنفيذ قرارات الحكومة، وانتهى الأمر بكارثة اندلاع الاشتباكات وسط المدنيين، وهذا ما أزعجنا".

وفي محاولة لاحتواء الوضع، أعلنت وزارة الدفاع بحكومة الوحدة، الأربعاء، بدء تنفيذ وقف لإطلاق النار في العاصمة.

وفي إشارة لمبادرة قوات الردع بالهجوم على اللواء 444 عشية الثلاثاء تابع "ما حدث كان مشروع انقلاب يقف وراءه قادة المليشيات ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، والرئيس 'الأسبق' لمجلس الدولة، خالد المشري، وقيادات الرجمة بشرق البلاد".

وتأتي كلمة الدبيبة في الوقت في الوقت الذي تشهد فيه طرابلس احتقانا غير مسبوق بعد الأحداث الأمنية الأخيرة والتي نتج عنها قتلى وجرحى من المدنيين والعسكريين لم يعلن عن أعدادهم إلى الآن، إلى جانب الدمار الواسع في المباني والممتلكات العامة والخاصة.

وسبق خطاب الدبيبة مظاهرة نظمها ناشطون من مدن غرب ليبيا في ميدان الشهداء مساء السبت، مطالبين بإسقاط حكومته، دون أن تسجل فيها خروقات، على خلاف مظاهرات الجمعة التي شهدت حضورا كبيرا وانتهت بمحاولة اقتحام مقر رئاسة الوزراء وأعمال شغب أسفرت عن مقتل أحد أفراد الشرطة وإصابة بعض المتظاهرين.

ونزولا عند رغبة المتظاهرين أعلن عدد من الوزراء وكبار المسؤولين استقالاتهم من مناصبهم من بينهم وزير الاقتصاد والتجارة محمد الحويج، وبدر التومي وزير الحكم المحلي، ومبروكة توكي وزيرة الثقافة، ووزيرة العدل حليمة البوسيفي، ووزير الإسكان والتعمير أبوبكر الغاوي، ورمضان أبوجناح نائب رئيس الوزراء الذي أعفي من تسيير وزارة الصحة قبل أسبوعين، ومحمد فرج قنيدي وكيل وزارة الموارد المائية المكلف بتسيير الوزارة وغيرهم.

وطالب أعضاء مجلس الأمن على بمحاسبة المسؤولين عن الهجمات ضد المدنيين خلال الأيام الأخيرة في طرابلس، معبرين عن "قلق بالغ" بسبب تصاعد العنف في العاصمة.

وأشار أعضاء المجلس في بيان صدر مساء السبت إلى ورود تقارير عن وقوع إصابات بين المدنيين، داعين جميع الأطراف إلى حماية المدنيين. كما رحبوا بالتقارير عن الاتفاق على هدنة، مشددين على ضرورة احترامها دون شروط والاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، حسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة.

وأكدوا مجددا التزامهم القوي بـ"عملية سياسية شاملة يقودها ويملكها الليبيون، وتيسرها الأمم المتحدة، فضلا عن توحيد جميع المؤسسات، بما فيها المؤسسات العسكرية والأمنية".

وشددوا على أهمية إحراز تقدم عاجل لتحقيق سلام واستقرار وأمن دائم للشعب الليبي. مجددين الدعم للبعثة الاممية، واحترامهم "سيادة ليبيا واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية".

والجمعة الماضي، قال الرؤساء المشاركون لمجموعة العمل المعنية بحقوق الإنسان الخاصة في ليبيا إنهم تلقوا تقارير تفيد باستخدام الجهات الأمنية الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين في طرابلس.

وتشهد العاصمة الليبية منذ صباح السبت هدوءا حذرا تمثل في عودة الحياة تدريجيا، فقد فتحت المدارس أبوابها وأعلنت جامعة طرابلس عودة الدراسة، كما عادت حركة الملاحة الجوية إلى مطار معيتيقة، وفتحت أغلب الأسواق والمحلات.

وفي المقابل، أعلنت مراقبات التعليم في ثلاث بلديات بطرابلس الكبرى حالة العصيان المدني، وكذلك فعل بنكا: الوحدة، والتجارة والتنمية، في خطوة تشير إلى استمرار معارضة الحكومة والمطالبة بإسقاطها، فيما لم تشهد المدينة أي عمليات عسكرية منذ إعلان وقف إطلاق النار ظهيرة الأربعاء الماضي.

ويواجه الدبيبة تحديات متزايدة في الحفاظ على سلطته وتحقيق مشروعه في ظل تصاعد العنف والانقسام السياسي في طرابلس. وبينما يصر على المضي قدمًا في "تحييد الفصائل المسلحة"، يبقى المستقبل السياسي والأمني في العاصمة الليبية معلقًا على تطورات الأوضاع وقدرة الأطراف المختلفة على التوصل إلى حلول سلمية ومستدامة.