"الدولرة" تخفف التضخم دون أن تحل الأزمة الاقتصادية في لبنان

الحكومة تعتبر قرار الدولرة الذي واجه اعتراضات كثيرة في الشارع سببا رئيسيا في ضبط السوق السوداء وضمان استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية.

بيروت - تراجع معدل التضخم في لبنان للمرة الأولى منذ ما يقرب من أربع سنوات، حيث تقوم الشركات والمحلات التجارية في الدولة التي تمزقها أزمة اقتصادية حادة، بتسعير سلعها بشكل متزايد بالدولار بدلا من الليرة المحلية، في حين يلاقي هذا القرار جدلا واسعا بشأن جدواه على المدى الطويل وتأثيره على اقتصاد البلد المنهك سياسيا واقتصاديا.

ويعود سبب بدء اعتماد التسعير بالدولار في لبنان إلى الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد منذ اندلاع الاحتجاجات في عام 2019 وفك ارتباط الليرة المحلية بالدولار في السوق الموازية، ومن ثم في المصارف المحلية، ما أدى لتدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار بشكل ملحوظ، وبالتالي زيادة العبء على المواطنين الذين لا يزال جزء كبير منهم يتقاضى رواتبه بالعملة المحلية وعلى سعر صرف لا يضاهي قيمة العملة الحالية في السوق السوداء.

وارتفعت أسعار الاستهلاك في لبنان بنسبة 70.4 بالمئة على أساس سنوي الشهر الماضي، مقارنة مع 123 بالمئة في فبراير/شباط، بحسب ما أفاد جهاز الإحصاء الحكومي الاثنين، وفق ما ذكر موقع وكالة بلومبرغ.

وانخفض المعدل للشهر الخامس على التوالي ويقترب الآن من ربع ذروته البالغة 269 بالمئة التي وصل إليها في أبريل/نيسان 2023.

ومنذ صيف العام 2019، يشهد لبنان أزمة اقتصادية صنفها البنك الدولي بين الأسوأ منذ العام 1850، وتُعتبر الأسوأ في تاريخ لبنان. وفي مطلع مارس 2023، بدأت محال السوبرماركت تسعير السلع بالدولار بقرار من السلطات إزاء التراجع السريع في قيمة العملة المحلية.  وكانت قد سبقتها إلى ذلك قبل أشهر، المطاعم والمتاجر في بلد يستورد 90 بالمئة من سلعه.

وارتفعت أسعار السلع الغذائية بشكل هائل منذ العام 2019. ويفيد البنك الدولي أن نسبة التضخم بلغت 332 بالمئة من يناير 2021 إلى يوليو 2022، وهي الأعلى في العالم.

ودفع الانهيار الاقتصادي في لبنان ثلاثة أرباع سكان البلاد إلى الفقر، مع خسارة الليرة أكثر من 98 بالمئة من قيمتها السوقية، وفق فرانس برس.

وفي حين أن "الدولرة" خففت من التضخم، فإنها تهدد بتفاقم الصعوبات التي يواجهها الأشخاص الذين ما زالوا يتقاضون أجورهم بالليرة اللبنانية ولا يستطيعون الوصول إلى العملات الأجنبية.

وقال وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام في مقابلة مؤخرا مع "سي.إن.إن" إن قرار الدولرة الذي واجه اعتراضات كثيرة في الشارع اللبناني سبب رئيسي في ضبط السوق السوداء وضمان استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية.

وبدأت الليرة اللبنانية تشهد استقراراً في أسعار الصرف منذ الصيف الماضي، مما تجسد في صورة فائض بميزان المدفوعات تحتاج إليه البلاد بشدة في الوقت الذي تعيش فيه حرباً في الجنوب منذ أكتوبر/ تشرين الأول وشللاً سياسيّاً في ظل غياب رئيس جمهورية وحكومة تصريف أعمال، وجمود في إنتاج الحلول للأزمة القائمة منذ خمس سنوات.

وقال سلام إن "قرار وزارة الاقتصاد بدولرة الأسعار أثبت زمنياً وعلمياً أنه قرار خلق استقرار في سعر صرف العملة المحلية". وأضاف أن هناك دراسة صادرة عن جامعة هارفرد الأميركية أكّدت أنه القرار الأفضل، وأنه تمكن من ضبط السوق السوداء التي كانت تستغل الفوضى لتحقيق أرباح طائلة على حساب المواطن اللبناني، وتابع إن هذا القرار خدم الجميع، بما فيهم المواطنون الذين يتقاضون رواتبهم بالعملة المحلية.

لكن سامي نادر، الخبير الاقتصادي ومدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية، يرى أن اعتبار استقرار سعر الصرف أمراً مفروغاً منه ينطوي على مخاطر، وقال في اتصال "إذا اعتبرنا الدولرة (بحسب مفهومها العلمي) هي انتقال كل النظام اللبناني إلى تبني الدولار باعتباره العملة الرئيسية في البلاد وتوقف الصرف المركزي عن طباعة العملة المحلية، إذاً قرار الدولرة صائب ويضمن استقرار العملة، ولكن إذا كان مفهوم الدولرة تسعير البضائع بالدولار الأميركي في وقت يستمر المصرف المركزي بطباعة الليرة اللبنانية، فذلك لا يضمن استقرار العملة بتاتاً".

وتحدث سلام عن القانون الجديد الذي سيصدر قريباً لحماية المستهلك اللبناني والذي "سيخلق ثورة واستقراراً في السوق"، وأكّد أن المخالفات ستتراوح بين ألف دولار و«خمسة آلاف أو خمسين ألفاً أو حتى مئة ألف دولار".

وأضاف إن القانون يقتضي اتخاذ إجراءات قضائية بكل من يخالف هذا القانون، مؤكداً أن تراجع سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي أسهم بخلق حالة من عدم اللامبالاة لدى التجار بسبب أسعار المخالفات المتدنية.

ويتناول قانون حماية المستهلك اللبناني الجديد جوانب مختلفة تهدف إلى حماية حقوق المستهلكين ومصالحهم.

ويركز مثل هذا القانون على ضمان عدم استغلال المستهلكين من خلال ممارسات تجارية غير عادلة، وإمكانية الوصول إلى معلومات دقيقة عن المنتج، ومن الممكن أيضاً أن يهدف القانون إلى تعزيز العلاقة بين السياسات النقدية والاستراتيجيات المالية.

وبدأت وزارة الاقتصاد والتجارة بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مشروع التحول الرقمي، والذي يندرج في إطار خطة شاملة لمكافحة الفساد، وتعزيز كفاءة الخدمات، وتسهيل إجراءات العمل، وفي هذ الإطار اعتبر سلام أن لبنان متأخر جداً، مشيراً إلى أن وزارة الاقتصاد أخذت إجراءات للمضي قدماً في هذا المجال لتكون أول وزارة تتبنى هذا التحول.