الروائح عند العرب

في أثناء الحروب الصليبية حمل الصليبيون معهم صناعة العطور من بلاد الشام إلى إنكلترا وفرنسا.

عرف العرب عالم الروائح واستنشاقها وميزوا بين أنواعها، وإن لم يجروا تجارب علمية أو عملية على ما يحدث في المخ عند استنشاق رائحة ما، إلا أنهم عرفوا الفروق الدقيقة جدا بين رائحة ورائحة، وكيف تتحول الرائحة الطيبة إلى رائحة كريهة، وما الذي يحدث للبن أو اللحم أو الشراب، على سبيل المثال، إذا تُرك عددا من الأيام، كما توقفوا طويلا عند رائحة الجسم، وعلى الأخص جسم المرأة، وما ينبعث منه من روائح قد تكون زكية، وقد تكون غير ذلك. كما عرفوا روائح النباتات والحيوانات والحشرات وغيرها، وتحدثوا عن رائحة الموت، ورائحة الموتى، وذكرت الروائح بمسمياتها المختلفة في الكثير من أشعارهم ومعاجمهم اللغوية.

وقد تميّز عصر الحضارة العربية الإسلامية بتطوير صناعة العطور التي ظلت لمئات السنين فنًا شرقيًا خالصًا.

"لقد ضمَّخَها العطرُ حتى لقد تُيمت بحبها النسماتُ".

(لقد عرف العرب العطور منذ وقت طويل، ويقال إنهم أول من استخدم تاج الزهرة لاستخراج ماء الزهور، ولم يستعملوا تاج الأزهار كعطرٍ فقط بل استعملوها كدواء أيضاً.

عرف العرب الياسمين والبنفسج وزهر الليمون والورد وغيرها من المصادر المهمة لاستخراج العطور، ولكن جوهر العطر يُستخرج من مصادر أخرى غير الأزهار، كالخشب ولاسيما خشب الأرز وخشب الصندل، ومن الأوراق مثل النعناع والغرنوق والخزامى، ومن جذور معينة مثل الزنجبيل والسوسن.

وتكمن الطريقة العربية لصناعة العطور في استقطار تيجان الأزهار مع الماء العاشق للزهور، وتكون عبر وضع رقائق من الزجاج في إطارات خشبية حيث تغلف بدهن نقي وتغطى بتيجان الأزهار وتكدس الواحدة فوق الأخرى. ويجري تبديل التيجان بين الحين والآخر إلى أن يمتص الدهن النقي الكمية المطلوبة من العطر.

ويعد الفيلسوف ابن سينا من أفضل العلماء المسلمين في صناعة العطور، فقد اكتشف طريقة استخراج العطر من الورود عن طريق "التقطير"، كما يعد الفيلسوف الكندي من أبرز العلماء العرب في صناعة العطور وله كتاب بعنوان "كيمياء العطور" ذكر فيه قائمة طويلة لعطور مختلفة، وكان يستخدم المسك والعنبر كجزء أساسي في أغلب العطور التي عرفها العرب والمسلمون بعد ذلك.

كان العرب والمسلمون الأوائل يعرفون قيمة العطور وأهميتها للإنسان، فللتعطير رجاله وصنّاعه ومستخدموه.

العطور العربية جزء من الثقافة العربية بشكل عام ومن أشهر منتجاتها: العود، العنبر، المسك، الياسمين، الريحان. وتختلف طريقة تصنيعها، وبعضها يحتاج للتقطير مثل الورد الطائفي.

قرأتْ كليوباترا عن العطور العربية، وقررت القيام برحلة إلى شبه الجزيرة العربية عام 40 قبل الميلاد، علّها تكتشف أنواعا جديدة من العطور. وهناك شاهدت بئر زمزم في مكة، كانت البئر تتدفق مرحبة بزيارة الملكة المصرية، وكان الماء العاشق يعيش طفولته في تلك البئر المقدسة).

وفي أثناء الحروب الصليبية حمل الصليبيون معهم هذه الصناعة من بلاد الشام إلى إنكلترا وفرنسا التي أصبحت رائدة في هذا المجال.

كما عرف المصري القديم أهمية الروائح في الحياة؛ فاستخرج الزيوت من النباتات العطرية وأدخلها في علاج بعض الحالات، فيما عرف بالعلاج بالرائحة، فضلا عن استخدامها في التزيين، والتحنيط، كما عرف عنه حبه واهتمامه بزهرة اللوتس، وأخذها عنهم اليونانيون ثم الرومان الذين أنشأوا طرقاً للتجارة بينهم وبين مصر والهند. وبانهيار الإمبراطورية الرومانية اختفى هذا النوع من "العلاج بالروائح" في العصور المظلمة.

ما بين الأقواس ورد في رواية "الماء العاشق" للكاتب.