الروائي الصيني يوهوا: الأدب دفعني لهجر الطب والعمل موظفا بهيئة الثقافة

الكاتب الصيني يؤكد أن اختيار القاهرة لتكون نقطة الاتصال اختيار موفق لأول دورة من دورات المنتدى الأدبي الصيني العربي.
من خلال التواصل تنفتح الآفاق ويتم التعارف بصورة جيدة ومن ثم يثمر التعاون ويكون له أثر إيجابي على القارئين الصيني والعربي.
يوهوا يصرح بأن تجربته مع العالم العربي، انطلقت من نشر أعماله لدى أربعة ناشرين
دراسته للطب وعمله به لخمس سنوات ومعايشته لوالديه الطبيبن متجل في كل كتابات يوهوا

بدأ الروائي الصيني يوهوا أبرز وجوه المشهد الأدبي في الصين اليوم، حياته طبيب أسنان، لكن أصالة موهبته الأدبية كانت من القوة بحيث دفعته للتخلي عن هذه المهنة ليقرر أن يذهب موظفا في هيئة قصور الثقافة حيث يتمتع موظفوها بالراحة وعدم وجود ضغوط تثقل كاهلهم وتجعلهم مقيدين طوال الوقت، وقد تطلب الانتقال أن يقدم قصة منشورة، وبالفعل نشر أول عمله له قصة قصيرة بعنوان "النجوم" في 1984، لكن قصته "رحلة شاب في الثامنة عشرة" التي نشرتها مجلة أدب بكين 1987 وضممتها مجموعته "صيف حار جدا" وكانت تصور تجارب الشباب في فترة الثورة الثقافية، أهلته لينتقل بعدها للعمل في قصر الثقافة في مدينة خانغجوو التي يعيش بها. لكن دراسته للطب ومعايشته لوالديه الطبيبين أيضا جعلت تأثير الطب عليه متجليا بقوة في مجمل أعماله. 
قدم حتى الآن خمس روايات طويلة: "على قيد الحياة"، "مذكرات بائع الدماء"، "مناجاة تحت المطر"، "اليوم السابع"، "الأشقاء". وست مجموعات قصصية تجمع بين القصة والرواية القصيرة، وخمسة كتب في المقالة الأدبية.  ترجمت أعماله إلى أكثر من عشرين لغة أجنبية بما فيها اللغة العربية. وحازت أعماله جوائز محلية وعالمية منها: جائزة "جرينزاني كافور للرواية" (1998)، "وسام الفنون والآداب الفرنسي برتبة فارس" (2004)، "جائزة الإسهام المتميز في الكتاب الصيني" (2005) وغيرها. وقد صدرت الترجمة العربية لرواياته: "على قيد الحياة"، "اليوم السابع"، "مذكرات بائع الدماء".
التقينا يوهوا بالقاهرة حيث حضر ضمن وفد أدبي للمشاركة في المنتدى الأدبي الصيني العربي، وذلك في حضور مترجم أعماله للعربية د. حسانين فهمي حسين أستاذ اللغة الصينية المساعد بكلية الألسن جامعة عين شمس. 
بداية أكد يوهوا على أن زيارة مصر زيارة مهمة وتشكل بداية للتواصل الأدبي والتعاون الحقيقي بين اتحاد كتاب الصين واتحاد الكتاب والأدباء العرب واتحاد الكتاب المصريين، وقال "هذه الخطوة نحو التواصل مع الأدباء والكتاب خارج الصين بدأت منذ فترة طويلة مع فرنسا واستراليا حيث نظم مثل هذا اللقاء الذي تم تنظيمه مع الكتاب والأدباء المصريين والعرب، وهي بداية طيبة لتحقيق مزيد من التواصل والتفاعل بين الأدبين العربي والصيني. 
واختيار القاهرة لتكون نقطة الاتصال اختيار موفق لأول دورة من دورات المنتدى الأدبي الصيني العربي، باعتبارها مركزا للثقافة العربية ومحطة مهمة لللأدب العربي، وقد حضر عدد مهم من الكتاب الصينيين والعرب بما فيهم الكتاب المصريون وكانت المشاركة الأكبر للمصريين، وقد حظى اللقاء بمتابعة إعلامية جيدة الأمر الذي يمثل فرصة جيدة لتعريف القارئ العربي بالمزيد عن المشهد الأدبي الصيني ورموزه، وبعد عامين من الآن سوف يتم انعقاد الدورة الثانية من المنتدى ودعوة الكثير من الأدباء العرب لترسيخ العلاقات بين الأدبين وتسليط الضوء على الأدب العربي في الصين من خلال تعريف أدبائه بالناشرين الصينيين وتناول الإعلام لأعمالهم والاحتفاء بتاريهم الأدبي والثقافي". 
وأضاف "لا بد للطرفين الصيني والعربي من التواصل بشكل أكبر، فمن خلال هذا التواصل تنفتح الآفاق ويتم التعارف بصورة جيدة ومن ثم يثمر التعاون بينهما ويكون له أثر إيجابي على القارئين الصيني والعربي".
ورأى يوهوا أن المنتدى مجرد بداية مهدت لها المؤسسات سواء على الجانب الصيني أو العربي، ونأمل في المرات القادمة أن تكون هناك لقاءات أوسع مع الروائيين والكتاب الفاعلين في الأدب العربي، لقد طلبت لقاء الروائي علاء الأسواني لأناقشه في الكثير من الأمور الأدبية حيث قرأت له أعماله المترجمة للصينية، لكن للأسف لم يكن موجودا في مصر، وأرجو مستقبلا أن تتسع دائرة الترجمة للأدباء العرب حتى يتسنى لنا التعرف على أكبر عدد منهم".
وحول البدايات لفت أن بداياته كانت بعد التحاقه بكلية طب الأسنان وعمله لمدة خمس سنوات بطب الأسنان، "لم أكن أرى نفسي في مهنة طب الأسنان، وفي هذه الفترة كانت حركة الثورة الثقافية الكبرى تشهد راحة البعض وممارسة هواياتهم وترسيخ مواهبهم بحرية مثل العاملين بالهيئة العامة لقصور الثقافة الصينية وانشغال البعض الآخر وعدم قدرتهم على الالتفات إلى ما يملكون من موهبة، ولأن الالتحاق بالعمل بقصور الثقافة كان يتطلب نشر عمل أدبي، وكوني أملك الموهبة الأدبية عملت على نشر قصة لي لألتحق بالعمل في بقصور الثقافة، وهذا ما تحقق لي لأجد متسعا من الوقت للقراءة والإبداع.
وأقر يوهوا أن هدفه الأول كان الحصول على وظيفة في قصور الثقافة وترك مهنة طب الأسنان لكي يتسنى له أن يجد الوقت للقراءة وممارسة موهبة الكتابة، وقال: هذه الموهبة بالطبع كانت قائمة وراسخة لدي لكني لم أكن أجد الوقت لممارستها، لذا كان قرار الانتقال لوظيفة ليست بها ضغوط وعمل كثير.
وأضاف "في هذه الفترة كنت قد قرأت الكثير من الأعمال العالمية التي كانت مترجمة للصينية مثل أعمال تولستوى وبلزاك وديكنز وفكتور هيجل وكافكا ونجيب محفوظ وغيرهم من الروائيين الكبار في العالم، كما قرأت الكتاب الصينيين قديما وحديثا لكني اهتممت بشكل خاصة بقراءة كتاب جيلي مويان، ما يوان، سوتونغ، ييه جاويان، تسان شويه، قه فيي، سون قان لو.
وقال يوهوا: "تجربتي مع العالم العربي، انطلقت من نشر أعمالي لدى أربعة ناشرين، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، المركز القومي للترجمة بمصر، وهناك دار صفصافة التي نشرت لي عملين "صيف حار جدا" و"الماضي والعقاب". الناشرون لهم دور مهم جدا في التعريف بالأدب الصيني رواية وقصة بشكل خاص، وهذا ما تأكد لي من خلال متابعتي لما تم ترجمته ونشره بالعربية سواء في الكويت أو مصر في السنوات الأخيرة".
وكشف أن أهم ملامح الرواية الصينية في السنوات الأخيرة تتمثل في أعمال الجيل الذي أنتمي إليه ويضم مويان، ما يوان، سوتونغ، ييه جاويان، تسان شويه، قه فيي، سون قان لو وآخرين، والذي مر بفترة الحركة الثقافية الكبرى ولدينا تجارب استطعنا التعبير عنها في أعمالنا الروائية والقصصية، والتي تتماس حركة المجتمع الصيني وسيرنا الذاتية، وأوصلنا للقارئ الصيني قبل القارئ الأجنبي اهتمامنا بالتعبير عن همومه وقضاياه، أما بالنسبة للجيل الحالي من الأدباء فأعمالهم قد تكون بعيد عن الهموم والقضايا الحياتية للمواطن الصيني العادي.
وأشار يوهوا إلى أن اختياره عنوان روايته "مذكرات بائع الدماء" جاء بعد انتهائه من كتابتها، وقال "وجدت أنه الأكثر تعبيرا عن مضمونها، فهموم البطل كانت كلها ترتكز على بيع الدم للحصول على الحاجات الأساسية للحياة، ومصدر الرواية جاء في إطار أنني قضيت مجمل حياتي في الصغر في المستشفيات، حيث كان يعمل والدي طبيبين ويقيمان في السكن الخاص بالأطباء، وقد رأيت بالفعل الشخصية المسئولة عن شراء الدم من الفلاحين الفقراء الذين كانوا يترددون على المستشفى للتبرع بدمائهم في مقابل الحصول على المال، وكانوا بالفعل كما ذكرت في الرواية يتنافسون على بيع دمائهم ويأتون ببعض الهدايا العينية لهذا المسئول لكي يفضل قبولهم للتبرع بالدم والحصول على أجور مناسبة مقابل ذلك.
هذا بالإضافة إلى سعيي للقاء الفلاحين الذين يبيعون دماءهم والذين عرفت منهم أن ما يحصلون عليه لقاء بيع الدم أعلى من أجورهم في العمل بالزراعة، وبالتالي بالفعل الرواية لها جذور واقعية كنت شاهدا عليها. وقد حظيت بتقدير وإشادة كبيرتين في الصين بنفس المستوى الذي حصلت عليه روايتي الأولى "على قيد الحياة"، وهما الرويتان اللتان حققا أعلى مبيعات في أعمالي حيث باعت "مذكرات بائع الدماء" 2 مليون نسخة حتى الآن، كما أثرت على الحد من انتشار ظاهرة بيع الدماء لكنها لم تنهها نهائيا، فللآن هناك من يقوم بهذا الأمر خاصة في بعض المناطق النائية نتيجة نقص الدم في المستشفيات، هذا على الرغم من التفات الحكومة الصينية للظاهرة وسعيها لإيقافها من خلال إصدار منشورات تجرم بيع الدم مقابل الحصول على المال.
واعترف يوهوا أن تأثير دراسته للطب وعمله به لخمس سنوات ومعايشته لوالديه الطبيبن متجل في كل كتاباته، فـ "هناك الموت الذي رأيته في الكثير من المواقف، والدم الذي كان يطاردني في مختلف غرف المستشفي خاصة في غرف العمليات الجراحية، والألم الذي كان يخيم على المرضى وكذلك حزن الأهالي على موت أو مرض أقاربهم، كل هذا العالم المسكون بالأوجاع تراه في أعمالي".
وأوضح أن هناك ضرورة مهمة للالتزام في الأدب وأن الأدب لا بد أن يتماس مع المجتمع ويكون قريبا منه، وأن على الكاتب أن يصور المجتمع ويناقش قضاياه، ولكن هناك بالتأكيد اختلافات وتفاوتات في الرؤى والمعالجات والاهتمامات بين الكتاب. وشخصيا أميل إلى الجانب الجمالي والفني في العمل الروائي أو القصصي دون أن يمنعني ذلك من الاهتمام بالقضايا المجتمعية والتعبير عن الواقع الحياتي للناس.
وأكد يوهوا أن هناك نقدا أدبيا قويا ومتابعا في الصين وهناك عدد كبير من المجلات الثقافية التي تهتم بالنقد الأدبي ومتابعة المشهد الروائي والقصصي، لكن للأسف هذا النقد متخصص وأكاديمي موجه للنخبة، فيما هناك تقصير على مستوى انتشار النقد الأدبي الذي يستفيد منه القارئ العادي بشكل مباشر.
ورأى أن هناك تحسنا واضحا في حضور الأدب الصيني عالميا في السنوات الأخيرة، فمن خلال تجربتي كان تأثير ترجمة أعمالي في التسعينيات بسيطا أما الآن فالوضع مختلف فبمجرد ترجمة عمل في أي دولة أوروبية يلقى ترحيبا واسعا ويؤثر في الأوساط الثقافية والأدبية تأثيرا سريعا وأعرف ذلك من الأصداء التي تصاحب الترجمة وبعد صدورها.
 

بداية للتواصل الأدبي
يوهوا يتوسط الحمامصي ود. حسانين فهمي حسين