السعودية تتجه للتخلص من الارتهان لتقلبات السياسة الأميركية

البيت الأبيض يعتبر تخفيض دول أعضاء في أوبك لإنتاج النفط "لا يُنصح بها نظرا للضبابية في السوق"، مضيفا "لا نتفق مع السعودية في كل الأمور لكننا لا نزال شركاء".
قرار الخفض الجديد للإنتاج النفطي يجعل العلاقات الأميركية السعودية أمام منعطف هامّ

الرياض - أثار قرار عدد من الدول الأعضاء بالكارتل النفطي "أوبك+" بخفض طوعي في الإنتاج جدلا واسعا بالنظر إلى ارتدادات هذه الخطوة التي تأتي لتكشف أن السعودية باعتبارها قائدة هذا التقليص، قررت التحرر من ارتهانها لعلاقة متقلبة مع الولايات المتحدة، خاصة بعد التوتر الصامت الذي شابها في الفترة الماضية على خلفية التخفيض السابق والذي أثار غضب الإدارة الأميركية التي طالبت قبلها بالرفع في الإنتاج لا العكس.

وقالت واشنطن فجر اليوم الاثنين إن إعلان أعضاء في تحالف "أوبك+" عن خفض طوعي في إنتاج النفط، "أمر غير منطقي في الوقت الراهن، نظرا لحالة عدم اليقين التي يعاني منها الاقتصاد العالمي".

ويتوقع أن تحدث هذه الخطوة التي ترفع إجمالي تخفيضات أوبك+ للإنتاج إلى 3.66 مليون برميل يوميا، منعطفا حاسما في العلاقات الأميركية السعودية، خاصة بعد أن تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن في المرة السابقة بفرض "عواقب" على السعودية لانحيازها إلى روسيا في تقليص الإنتاج، في حين سعى بعض المشرعين بالولايات المتحدة لتعليق مبيعات الأسلحة للمملكة، الحليف القديم بالشرق الأوسط، فضلا عن أعادة قانون "نوبك" لتفكيك التحالف النفطي.

قال مسؤول بالبيت الأبيض اليوم الاثنين إن تخفيضات منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) للإنتاج لا يُنصح بها نظرا للضبابية في السوق، مضيفا "لا نتفق مع السعودية في كل الأمور لكننا لا نزال شركاء". 

وذكر جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي، إن البيت الأبيض أوضح ذلك لأوبك، مضيفا أن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع المنتجين والمستهلكين لضمان النمو وخفض الأسعار للمستهلكين.

تخفيضات أوبك+ للإنتاج ترتفع إلى 3.66 مليون برميل يوميا
تخفيضات أوبك+ للإنتاج ترتفع إلى 3.66 مليون برميل يوميا

هزة في الأسواق 

وأحدث تحالف أوبك+ الذي يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وحلفاء من بينهم روسيا هزة في الأسواق بإعلانه خفض أكبر للإنتاج بنحو 1.16 مليون برميل يوميا الأحد.

ويبدأ قرار خفض الإنتاج اعتبارا من مطلع مايو/ أيار المقبل حتى نهاية 2023، كإجراء احترازي من ظروف سلبية ستؤثر على الطلب العالمي على الخام، وفق التحالف.
وارتفعت أسعار النفط اليوم الاثنين مسجلة أكبر زيادة يومية منذ نحو عام بعد أن تسبب إعلان تحالف أوبك+ المفاجئ بخفض الإنتاج بقدر أكبر في إرباك الأسواق.

وقفز خام برنت 4.33 دولار أو 5.4 في المئة إلى 84.22 دولار للبرميل بحلول الساعة 0900 بتوقيت غرينتش، بعد أن لامس أعلى مستوى في شهر عند 86.44 دولار في وقت سابق من الجلسة.

كما صعد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 4.17 دولار أو 5.5 في المئة إلى 79.84 دولار للبرميل، بعد أن سجل في وقت سابق أعلى مستوى منذ أواخر يناير/كانون الثاني.

وكان من المتوقع أن يبقي تحالف أوبك+ على قراره السابق بخفض الإنتاج مليوني برميل يوميا حتى ديسمبر/كانون الأول في اجتماعه الشهري اليوم الاثنين.

ونتيجة لذلك، خفض بنك غولدمان ساكس توقعاته لإنتاج أوبك+ بنهاية 2023 بمقدار 1.1 مليون برميل يوميا ورفع توقعاته لسعر خام برنت إلى 95 دولارا للبرميل في 2023 و100 دولار في 2024، حسبما قال في مذكرة. 

وقال الكرملين اليوم الاثنين إن دعم أسعار النفط والمنتجات النفطية يصب في مصلحة قطاع الطاقة العالمي، وذلك بعد يوم من إعلان روسيا أنها ستمدد خفضا لإنتاجها النفطي بواقع 500 ألف برميل يوميا حتى نهاية العام.

وروسيا عضو في مجموعة أوبك+ للدول المنتجة للنفط التي أعلنت تخفيضات مجمعة بنحو 1.16 مليون برميل يوميا في خطوة مفاجئة الأحد وصفتها الولايات المتحدة بأنها غير منطقية.

وردا على سؤال حول الانتقادات الأميريكة، قال دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين للصحفيين "في هذه الحالة، من مصلحة قطاع الطاقة العالمي الحفاظ على الأسعار العالمية للنفط والمنتجات النفطية عند المستوى المناسب. وهذا ما يجب التركيز عليه. وسواء كانت البلدان الأخرى راضية أم لا، فهذا شأنهم الخاص".

وأضاف بيسكوف أنه من المهم الحفاظ على الأسعار عند مستوى معين لأن هذا القطاع كثيف الاستثمار ولأنه في المستقبل المنظور ليس من الممكن تلبية احتياجات جميع البلدان من مصادر متجددة.

ولدى سؤاله عما إذا كانت روسيا قد نسقت إجراءاتها مع أوبك+، قال "روسيا على اتصال دائم مع عدد من دول مجموعة أوبك+، هذه عملية طبيعية، لكن لا شيء أكثر. وفي هذا الصدد، يكون للدول خط مستقل، مصلحة مستقلة في استقرار السوق".

وقال مسؤول في شركة تكرير كورية جنوبية إن الخفض "نبأ سيء" لمشتري النفط وإن أوبك تسعى "لحماية أرباحها" في مواجهة مخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي.

وذكر مسؤول التكرير الكوري الجنوبي وتاجر صيني أن خفض الإمدادات سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الخام في الوقت الذي يؤدي فيه ضعف الاقتصادات إلى انخفاض الطلب على الوقود والأسعار، مما يضغط على أرباح المصافي. ورفض كلاهما الكشف عن هويته لأنهما غير مخولين بالحديث إلى الإعلام.

 

مخاوف من مزيد تباطؤ الاقتصاد وتراجع الطلب
مخاوف من مزيد تباطؤ الاقتصاد وتراجع الطلب

مخاوف

وقال تاكايوكي هونما، كبير الاقتصاديين في شركة سوميتومو كوربوريشن غلوبال ريسيرش، إن خفض المعروض من النفط الخام من أوبك+ سيكون سلبيا بالنسبة لليابان لأنه قد يزيد التضخم ويضعف اقتصادها.

وأضاف "تريد الدول المنتجة على ما يبدو أن ترى أسعار النفط ترتفع إلى 90-100 دولار للبرميل، لكن ارتفاع أسعار النفط يعني أيضا زيادة مخاطر التباطؤ الاقتصادي وتباطؤ الطلب".

وقال متعاملون إن تخفيضات إنتاج أوبك+ تأتي في الوقت الذي من المتوقع أن تسجل مشتريات الصين، أكبر مستورد للخام في العالم، رقما قياسيا في 2023 مع تعافيها من جائحة كوفيد-19، بينما يظل الاستهلاك قويا من الهند، المستورد الثالث عالميا.

في الوقت نفسه، قال متعاملون ومسؤول تكرير هندي إن طلب شركات التكرير الأوروبية على خام الشرق الأوسط ارتفع، خاصة خام البصرة الثقيل والخام العماني، ليحل محل النفط الروسي الذي يحظره الاتحاد الأوروبي منذ ديسمبر/كانون الأول.

وأضاف أنهم "سيواجهون ضغوطا شديدة الآن"، متوقعا أن تعاني السوق "من شح كبير في المعروض".

وأخطرت الكويت المشترين بالفعل بأنها ستخفض صادراتها للاحتفاظ بمزيد من الخام لمصفاة الزور، بينما تكثف أرامكو السعودية عملياتها في مصفاة جازان.

وقال متعاملون إن أرامكو السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، والتي كان من المتوقع أن تخفض أسعار البيع الرسمية لمبيعات النفط بعقود محددة المدة إلى آسيا في مايو/أيار، قد تقرر الآن رفع الأسعار بدلا من ذلك.

وذكر مسؤول التكرير الهندي، الذي طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مصرح له بالتحدث إلى وسائل الإعلام، أنه مع ارتفاع الأسعار وقلة المعروض من خام الشرق الأوسط عالي الكبريت، قد تضطر الصين والهند لشراء المزيد من النفط الروسي، مما يعزز إيرادات موسكو.

وأضاف أن ارتفاع أسعار خام برنت قد يرفع سعر خام الأورال وغيره من منتجات النفط الروسية أعلى من السقف السعري الذي حددته مجموعة دول السبع الكبرى بهدف تقليص إيرادات موسكو من النفط.

البدائل

في حين توقع التجار والمحللون أن يكون هناك فائض في الخام في الربع الثاني مع إغلاق مصافي التكرير الآسيوية للصيانة وإغلاق المصافي الفرنسية بسبب الإضرابات، فإنهم يتوقعون الآن أن تؤدي تخفيضات أوبك+ إلى شح المعروض في الأسواق قبل الصيف موسم ارتفاع الطلب.

وقال مصدر صيني في مجال التكرير إن تخفيضات أوبك ستساعد في امتصاص الكميات الفائضة في الغرب.

وذكرت شركات التكرير في اليابان وكوريا الجنوبية أنها لا تفكر في الحصول على براميل نفط روسية بسبب مخاوف جيوسياسية، وقد تبحث عن إمدادات بديلة من أفريقيا وأميركا اللاتينية.

وقال هونما من سوميتومو "يمكن لليابان أن تسعى للحصول على مزيد من الإمدادات من الولايات المتحدة لكن نقل النفط الامريكي عبر قناة بنما مكلف".

ويراقب التجار أيضا ردود فعل الولايات المتحدة، التي وصفت تحرك أوبك+ بأنه غير حكيم وقال التاجر الصيني "خلاصة القول، الغرض من هذا التخفيض الهائل في الإنتاج هو بشكل أساسي استعادة قوة السوق التسعيرية".

 كيف سيريح موسكو؟ 

وأدّى قرار خفض الإنتاج إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل سريع، وهذا الانتعاش في الأسعار يفيد بشكل خاص روسيا التي "تحتاج إلى النفط لتمويل حربها المكلفة في أوكرانيا"، كما ذكر شيلدروب.

وما يزيد القرار أهمية هو أنّ موسكو تخضع للعديد من العقوبات الغربية ردا على غزوها أوكرانيا. وكان الهدف من هذه العقوبات تحديدا خفض عائدات روسيا من النفط.

ويقول الخبير في "اس اي بي" إنّ القرار يؤكد بالتالي أن "روسيا لا تزال جزءا لا يتجزّأ ومهمّاً" من مجموعة أوبك بلاس.

كما يقوّي القرار بشكل إضافي العلاقات السعودية - الروسية التي لم تهزّها الحرب بل عززته، كما يلفت الخبراء الذين يراقبون هذه الجبهة المشتركة القوية في مواجهة الاضطرابات التي حصلت في الأشهر الماضية.

لماذا يشكّل القرار نكسة لواشنطن؟ 

سبق للولايات المتحدة أن أبدت انزعاجها من الخفض السابق الذي أُعلن عنه في أكتوبر/تشرين الأول. ويقول محللو "دي ان بي" إنّ هذا القرار الجديد يشكّل "استفزازا جديدا للدول المستهلكة التي تعاني بسبب أسعار الفائدة المرتفعة والتضخم المرتفع".

وعلقت السلطات الأميركية اليوم الإثنين على الاقتطاعات المفاجئة في انتاج النفط، معتبرة انها "ليست في الوقت المناسب".

ولفت المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي إلى أن أسعار النفط انخفضت منذ الخريف. وقال "نركّز على الأسعار، وليس على عدد البراميل".

وإذا كان تحالف اوبك بلاس نشأ كردّ فعل على التحدّيات التي تشكّلها المنافسة الأميركية، فهو لم يعد يخشى النفط الصخري المنتج في الولايات المتحدة والذي توقف نموّه.

وبرأي إينيس فإنّ أوك بلاس الذي يهيمن على السوق مع 60 في المئة من صادرات النفط، "لديه سلطة قوية على تحديد الأسعار" مقارنة مع الوضع الذي كان قائما قبل عدة سنوات.

وعلى الصعيد الدبلوماسي أيضا فإنّ "السعودية ليست خائفة من الولايات المتحدة" التي تقيم علاقات معقدة مع الرياض وخسرت نفوذها في المنطقة، كما يقول نيل ويلسون المحلل لدى فينالتو الذي أضاف "نشهد ظهور حقبة جديدة" كما اتضح من التقارب الأخير بين إيران والسعودية برعاية الصين.

وخلص ويلسون إلى القول إن "السعوديين يقومون بما يجب أن يفعلوه والبيت الأبيض ليست لديه كلمة كما يبدو في ذلك".