السعودية تدعم الاستثمارات الصناعية بـ267 مليار دولار

المملكة تعول على صندوق الاستثمارات العامة لتمويل مشاريع بمليارات الدولارات في مختلف المجالات في اطار خطة لتنويع الاقتصاد وعدم التعويل على النفط ضمن رؤية 2030.

الرياض - قال وزير الصناعة السعودي بندر الخريف إن استراتيجية المملكة الوطنية تستهدف استثمارات تصل قيمتها إلى تريليون ريال سعودي (267 مليار دولار) وفق ما ذكرت قناة الإخبارية السعودية اليوم الخميس حيث تشق المملكة طريقها لتكون رائدة اقتصاديا وصناعيا وسياحيا وثقافيا في اطار رؤية 2030. 
وفيما تحضر نخب الاقتصاد العالمي فعاليات "مبادرة مستقبل الاستثمار" في الرياض، وهو تجمع سنوي محوري للتحول الاقتصادي في السعودية يتصاعد الاهتمام بالمحرك الرئيسي لهذا التغيير: صندوق الاستثمارات العامة.
من اجتذاب صفوة لاعبي كرة القدم إلى إطلاق خط طيران وطني جديد بل ومقهى فاخر يقدم قهوة ومثلجات من لبن الابل، بات الصندوق المحرك الرئيسي للتحوّل الراهن في الاقتصاد السعودي.
لكنّ كيف تحوّل الصندوق الذي ظل لعقود في الظل إلى المحرك الرئيسي لتنفيذ برنامج  ولي العد السعودي الأمير محمد بن سلمان الإصلاحي "رؤية 2030" وما الذي تكشفه استثمارات الصندوق بخصوص وجهة اقتصاد المملكة؟.
وتأسس الصندوق السعودي في 1971 واستمر دوره هامشي وفي الظل لعقود. وفي عام 2015 أعيد تشكيل مجلس إدارته لتكون بقيادة الأمير محمد، في تغيير يعتبره الموقع الرسمي للصندوق "نقلة نوعية" في مسيرته.
ومذاك أنطلق الصندوق، بقياده محافظه ياسر الرميان، لتوسعة محفظته الاستثمارية لتشمل قطاعات الطيران والدفاع والمركبات والنقل والخدمات اللوجيستية والقطاع العقاري والترفيه والرياضة.
وقال المحلل السعودي سليمان العقيلي إنّ الحكومة السعودية أرادت أن يكون الصندوق "حقل نفط بديل".
وأفاد أنّ "القطاع الخاص السعودي هشّ وليس في مستوى الطموح ليدير انتقال المملكة من دولة ريعية إلى دولة إنتاجية".
وتابع بالتالي أرادت القيادة السعودية "وجود صندوق نشط يؤسس شركات لها عائد. بحيث يغني عن حقول النفط اذا جفت يوما ما".
ويتفاخر الصندوق، الذي يعد من الأكبر في العالم، بإدارته أصولا بأكثر من 700 مليار دولار، عبر استثمارات في 90 شركة في 13 قطاع اقتصادي وبخلق 560 الف فرصة عمل "مباشرة وغير مباشرة"، حسب الموقع الرسمي للصندوق.
وفي منتصف الطريق لرؤية 2030، يظل الاقتصاد السعودي يعتمد بشكل مكثف على عائدات النفط، حتى فيما تشير البيانات الرسمية إلى نمو ثابت في عائدات القطاع غير النفطي.

السعودية تسعى للتخفيف من التعويل على عائدات النفط
السعودية تسعى للتخفيف من التعويل على عائدات النفط

وقال الخبير في معهد دول الخليج العربي في واشنطن روبرت موغلنيكي إنّه "من السابق لأوانه تقييم مدى فعالية الصندوق في تنويع الاقتصاد فعليًا".
في قطاع الرياضة، اتخذ الصندوق خطوات كبيرة بسرعة مذهلة منذ الاستحواذ على فريق نيوكاسل يونايتد الإنكليزي لكرة القدم في تشرين الأول/أكتوبر 2021.
وموّل الصندوق في نهاية 2022، صفقة تعاقد نادي النصر مع رونالدو المقدرة ت بنحو 400 مليون يورو لعامين ونصف، وحاول بعدها التعاقد مع بطل العالم الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي اختار اللعب في الولايات المتحدة.
وفي أيار/مايو الماضي، استحوذ الصندوق على 75% من أصول أكبر أربع أندية سعودية، الهلال والنصر في الرياض والاتحاد والأهلي في جدة، ثاني أكبر مدن البلاد،ما تبعه من انضمام نحو 40 لاعبا أجنبيا العديد منهم من نجوم الصف الأول لهذه الأندية.
وخلال نافذة الانتقالات الصيفية الأخيرة، احتلت الأندية السعودية المركز الثاني عالمياً في الانفاق على اللاعبين الجدد وراء الدوري الإنكليزي، بإنفاق بلغ 875.4 مليون دولار.
ويضطلع الصندوق بعملية تكيف اللاعبين الأجانب الكبار للحياة في الخليج، على ما أفاد مسؤول في الصندوق، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث للإعلام.
وأوضح "نقوم بكل ما هو غير رياضي التوقيع الأمور اللوجيستية وتطوير البنى التحتية للأندية" .
وتابع "فرقنا تزور كافة الأندية في أرجاء البلاد لمعرفة ما يحتاجون إليه"، من ملاعب التدريب إلى الصالات الرياضية وغرف الساونا.
وأكّد ضاحكا "عليهم (الأندية) فقط أن يلعبوا".
وبالإضافة لكرة القدم، في حزيران/يونيو الماضي، أطلق الصندوق دوري ليف غولف في نهاية 2021 لينافس "دوري بي جي ايه" الأميركي، قبل أن يعلن الطرفان في حزيران/يونيو الماضي الاندماج لينهيان حربا أهلية في هذه الرياضة.
يستثمر الصندوق حصصا كبيرة في شركات عالمية، حيث لديه حصص بنحو 8,9 مليار دولار في شركة صناعة السيارات الكهربائية "لوسيد" وحصة بقيمة 3,2 مليار دولار بشركة ألعاب الفيديو "أكتيفجن بليزارد"، بالإضافة لحصة في "أوبر" للنقل التشاركي.
لكنّ الاستثمارات في السوق المحلي لا تزال تشكّل 77 بالمئة من محفظة الصندوق، حسب ما جاء في تقريره السنوي.
وبعض من الاستثمارات المحلية مشاريع عملاقة تعمل على تغيير الصورة العامة من بلد نفطي إلى مركز سياحي وتجاري عالمي.
وتتضمن هذه المشاريع مشروع نيوم، المدينة المستقبلية التي تبلغ كُلفتها نحو 500 مليار دولار ومشروع "ذا لاين" وهو عبارة عن ناطحات سحاب متوازية مغطاة بالمرايا تمتد على مسافة 170 كيلومترًا بين التضاريس الجبلية والصحراوية.
بالإضافة إلى إطلاق شركة طيران محلية جديدة "اير رياض" بهدف تحويل العاصمة إلى "بوابة للعالم"، ما يثير تنافسا مع مراكز إقليمية للسفر الدوليّ مثل دبي والدوحة.
كما دعم الصندوق مشاريع تلعب على وتر المشاعر القومية والفخر بالمنتجات السعودية في عهد الأمير محمد، بما في ذلك شركة القهوة السعودية ومقهى "نوغ" الفاخر الذي يقدم مشروبات الإسبريسو والمثلجات والعصائر المصنوعة من حليب الإبل السعودي.
وأشار الخبير موغلنيكي إلى أنّ الموارد التي لا مثيل لها لدى صندوق الاستثمارات العامة تعني أنه يجب أن يضع في الاعتبار تأثيره على الأسواق المحلية.
وقال "تقييمي هو أن كيفية دخول صندوق الاستثمارات العامة إلى الأسواق والصناعات المحلية أقل أهمية في نهاية المطاف من كيفية إدارة هذه الكيانات الجديدة ومن ثم كيفية خروج الصندوق". وأضاف أنّ "الخطر الأكثر أهمية المرتبط ببعض مبادرات الاستثمار المحلية الأصغر حجماً هو احتمال مزاحمة الجهات الفاعلة في القطاع الخاص".
وبغض النظر عن هذه المخاوف، ليس هناك شك في أن صندوق الاستثمارات العامة سيستمر في النمو.
وخلال الشهور القليلة الماضية، نقل 8% بالمئة من شركة أرامكو العملاقة، درة تاج الاقتصاد السعودي، إلى الصندوق مباشرة أو شركات تابعة لها.
وأعلن ولي العهد السعودي أنّه يريد أن يصل حجم أصول الصندوق إلى تريليون دولار بحلول نهاية عام 2025.