
السودانيون يستمدون القوة من الأكاسيا لحصاد صمغها الثمين
كردفان (السودان) - يستمد المزارعون في السودان من الأكاسيا وهي أحد أفضل الأشجار تكيفا في العالم مع الجفاف وتغير المناخ القوة لتحمل الظروف المناخية القاسية نفسها التي يتعايش معها هذا النوع من الشجر وذلك لحصاد صمغها الثمين.
ويُنتج الصمغ العربي الضروري في صناعة المشروبات الغازية في العالم من هذه النبتة في المناطق القاحلة في السودان، حيث تقاوم الشجرة درجات الحرارة المرتفعة بشكل متزايد، لكن المزارعين باتوا يكافحون لزراعتها.
وتوضح فاطمة رملي المنسقة الوطنية لجمعية منتجي الصمغ في الهيئة القومية للغابات التي تضم سبعة ملايين عضو أن صمغ الأكاسيا "نبتة مهمة لمكافحة التصحر، إذ تقاوم الجفاف وتزيد من خصوبة التربة وهو أمر ضروري لزيادة الإنتاج الزراعي".
وتنمو غابات الصمغ في ولايات عدة غرب السودان في ما يعرف بـ'حزام الصمغ العربي' الذي يمتد لمسافات تقع وسط قرى مزارعين يقترب عددهم إلى ستة ملايين مزارع منهم مليونا امرأة.
ويمتد حزام الصمغ العربي السوداني في 12 ولاية على حدود البلاد المتاخمة مع إثيوبيا وإرتريا شرقا ومع دولة تشاد وأفريقيا الوسطى غربا.
والصمغ العربي هو مستحلب مستخلص من أغصان وجذوع شجرة الأكاسيا وهي مادة شفافة بيضاء تميل إلى البني والبرتقالي تتحول إلى قطع صلبة تتكسر كالزجاج وتحمل أهمية كبيرة في الصناعات العالمية.
وتحتوي تلك القطع على الكثير من المواد الغذائية والدوائية، إذ تستخدم في صناعات شتى من المشروبات الغازية إلى العلكة مرورا بالمستحضرات الصيدلانية، كما أنها تحتفظ بخصائصها لعقود زمنية طويلة قد تصل إلى خمسة آلاف سنة دون أن يطرأ عليها أي تغيير.
ويشكل إنتاج الصمغ العربي وفق الوكالة الفرنسية للتنمية مفخرة للسودان الذي يحتل صدارة البلدان المنتجة له عالميا ويستحوذ على حوالي 70 في المئة من تجارته العالمية، حتى أن هذا المكون الطبيعي بقي معفى من العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على البلاد على مدى عقود في ظل حكم الرئيس المخلوع عمر البشير من جانب الولايات المتحدة التي تُبدي صناعاتها الغذائية والدوائية نهما كبيرا على هذا الصمغ الذي يشكل خصوصا مكونا رئيسيا في المشروبات الغازية.

ولكن لحصاد هذا الصمغ الثمين يجب على المزارعين أن يتحملوا ظروف مناخية قاسية ويقول محمد موسى الذي يجمع الصمغ من أشجار منتشرة في غابة الدموكيه المملوكة للدولة "نعمل لساعات تحت الشمس الحارقة" للحصول في نهاية المطاف "على ما يكفي بالكاد لشراء الماء حتى حلول موسم الأمطار".
وبحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) يبلغ ارتفاع درجات الحرارة المسجلة في منطقة كردفان ضعف المتوسط العالمي أي درجتين إضافيتين في أقل من ثلاثين عاما.
ويكافح السودانيون للتكيف مع المناخ الجاف والتصحر وتضاف إلى ذلك تقلبات الأسعار العالمية للصمغ العربي لذلك يفضل مزارعون كثر قطع شجر الأكاسيا وبيعه لصنع الفحم من أجل الحصول على دخل أكثر استقرارا أو العمل في مناجم الذهب القريبة ومن بين هؤلاء أربعة من أبناء عبدالباقي أحمد الخمسة الذين اختاروا العمل الشاق في مجال التعدين بدلا من الاهتمام بأشجار الأكاسيا الخاصة بوالدهم.
والأمر نفسه حصل مع عبدالله بابكر، إذ فضّل أبناؤه الثلاثة التنقيب عن الذهب على تسلق الأكاسيا. ويقول الرجل البالغ 72 عاما إنهم "يريدون وظيفة ذات أجر أعلى".
كما أن السودان لا يستغل سوى نسبة ضئيلة من الغابات المنتجة للصمغ العربي لأسباب تعود إلى عمل كبار السن فقط في مجال حصاده أو ما يعرف شعبيا بـ'الطق' وهجرة الشباب إلى المدن.
وأمام هذا الوضع يعمل السودان الذي صدر 88 ألف طن من الصمغ العربي عام 2021 مقابل 110 ملايين دولار، بحسب البنك المركزي، على استبدال أشجار الأكاسيا المقطوعة للحطب أو البناء.
وتقول رملي التي تعمل في وزارة الزراعة والغابات في السودان "لقد حاولنا إعادة زرع الأشجار في المناطق التي تدهورت ولمنع انحسار حزام الصمغ العربي"، في إشارة إلى منطقة تبلغ مساحتها حوالي 500 ألف كيلومتر مربع وتمتد من دارفور على الحدود مع تشاد إلى القضارف قرب إثيوبيا.
ومنحت منظمة الفاو في الآونة الأخيرة عشرة ملايين دولار لوزارة الزراعة والغابات لمساعدة مزارعي الأكاسيا في الحفاظ على سبل عيشهم وتهدف هذه المساعدة أيضا إلى تمويل "السور الأخضر العظيم" وهو مشروع ضخم من المفترض أن يغطي منطقة شاسعة من الساحل الأفريقي إلى القرن الأفريقي بالأشجار بهدف احتواء التمدد المتواصل للصحراء.
ويشرح الباحث في هيئة البحوث الزراعية مدني إسماعيل لوكالة فرانس برس أن "الجفاف هو أحد الصعوبات الرئيسية التي يواجهها السكان" الذين يعيشون في المناطق المزروعة بأشجار الأكاسيا.
وليس أحمد غريبا عن هذا الوضع، إذ دأب على قطع لحاء أشجار الأكاسيا منذ أكثر من 30 عاما لإزالة السائل الذي يتجمد بسرعة ويتحول إلى كرات بلون الكهرمان.
ويقول الرجل البالغ 52 عاما والمالك لما يقرب من 30 هكتارا من أشجار الأكاسيا في قرية البوطي على بعد 55 كيلومترا من الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان وسط السودان "عائلتي هي التي علمتني هذا العمل الجاد".
أما محمد موسى فقد علّم مهنته لأبنائه "حتى لو لم يكونوا مهتمين بها. بهذه الطريقة على الأقل، إذا لم يكن لديهم أمر آخر لامتهانه يمكنهم الاستعانة بها".
ويرى خبراء ومسؤولون أنه على الرغم من أهمية الصمغ العربي ودوره المفترض في دعم الاقتصاد السوداني، إلا أن البلاد لا تزال غير قادرة على اعتباره موردا رئيسيا للإيرادات وتوفير العمالة.
ويعزو عاملون في حصاد الصمغ العربي ضعف استغلاله إلى قصر فترة الحصاد المقدرة بشهرين اثنين، ما يجعله قطاعا غير مستدام للعمالة.
كما أن ضعف المعدات المستخدمة في الحصاد وعدم وجود مصانع تعيد تشكيله وتطور منتجاته وضعف التمويل الممنوح من المصارف لإنتاج الصمغ العربي جعلت منه قطاعا مهمشا.
ورغم أن الحكومة السودانية أنشأت مجلسا متخصصا للصمغ العربي في 2009 للوقوف على أحوال إنتاج وتسويق وتصدير السلعة، إلا أن ذلك لم يساهم في تطوير الصادرات.