السودان يربط تنفيذ اتفاق انشاء القاعدة الروسية بتشكيل البرلمان
الخرطوم - أكد رئيس الوفد السوداني المشارك في الاجتماع الدولي لقضايا الأمن بموسكو، عباس محمد بخيت، أن اتفاق إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان لا يزال بانتظار مصادقة البرلمان، فيما يبدو محاولة لتأجيل تنفيذ الاتفاق الذي شهد محطات من الشد والجذب خصوصا أنه يعيد تشكّل التوازنات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر.
وأشار بخيت إلى أن غياب مجلس تشريعي منتخب منذ سقوط نظام البشير عام 2019 حال دون إتمام إجراءات المصادقة الرسمية.
ويتجاوز مشروع إنشاء قاعدة روسية في السودان كونه مجرد اتفاق عسكري، بل يمثل تحوّلاً استراتيجيًا في خارطة النفوذ الدولي في البحر الأحمر. في الوقت الذي ترى فيه روسيا فرصة لتعزيز مكانتها العالمية، يرى السودان في هذا التعاون مخرجًا من العزلة وفرصة لبناء شراكة بديلة. ومع ذلك، فإن نجاح هذا المشروع سيبقى رهينًا بالتوازنات الدولية والإقليمية، وقدرة الخرطوم على المناورة بين القوى الكبرى دون الدخول في صدام مباشر مع الغرب.
وأوضح بخيت في تصريحات، على هامش مشاركته في الاجتماعات الأمنية بالعاصمة الروسية، أن الاتفاق أُبرم إبان عهد النظام السابق، لكنه لم يُفعّل بعد بسبب غياب السلطة التشريعية اللازمة، مؤكداً أن السودان يتطلع إلى تشكيل برلمان منتخب بعد انتهاء الحرب الحالية، بهدف الدفع بمثل هذه الاتفاقات التي تخدم مصالح البلاد الاستراتيجية.
ولا ترغب دول، تتقدمها الولايات المتحدة، في حصول خصمها الاستراتيجي روسيا على مواطئ قدم على في البحر الأحمر بالسودان.
روسيا تحتاج إلى قاعدة الدعم اللوجستي في السودان لتكون بوابة رئيسية لها تجاه القارة الإفريقية عوضاً عن بوابتها المؤقتة في بنغازي
ورغم مرور سنوات على الإعلان عن اتفاق على إقامة قاعدة روسية بالسودان، ومصادقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عليها في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، إلا أن المسألة ظلت متعثرة وأعلنت الخرطوم حينها أن الاتفاق يحتاج لموافقة برلمانية، قبل إجراءات البرهان في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 حل الحكومة ومجلس الوزراء واندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وفي فبراير الماضي تم الإعلان عن التوصل إلى "تفاهم كامل" في ملف إنشاء قاعدة عسكرية بحرية روسية في مدينة بورتسودان. بعد جولات عدة من المفاوضات حول الموضوع استمرت لسنوات، وتعثرت أكثر من مرة، بسبب تقلبات الأوضاع في السودان. لكن الجانبين أكدا أن التفاهم الأولي حول الموضوع ما زال موضع اهتمام من الطرفين ومطروحاً على جدول المناقشات.
ويتيح الاتفاق، الذي ينتظر أن تتبلور ملامحه النهائية قريباً، توسيع حرية الحركة للسفن الحربية الروسية في البحر الأحمر، بإقامة منشأة بحرية روسية قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، واستيعاب 300 عسكريا ومدنيا.
ويمكن لهذه القاعدة استقبال أربع سفن حربية في وقت واحد، وتُستخدم في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين لأفراد أطقم السفن الروسية. في المقابل تعمل روسيا على دعم الجيش السوداني بالأسلحة والمعدات الحربية اللازمة لتطويره.
وتحتاج روسيا إلى قاعدة الدعم اللوجستي في السودان لتكون بوابة رئيسية لها تجاه القارة الإفريقية عوضاً عن بوابتها المؤقتة في بنغازي، خاصة بعد فقدان روسيا خلال الحقبة السوفياتية قاعدة بربرة البحرية في الصومال. ومنذ ذلك الحين لم يكن لروسيا أي وجود عسكري في قاعدة بحرية في البحر الأحمر، وبالتالي فإن نجاح الاتفاقية يرجح حرص روسيا على استخدام القاعدة اللوجستية في بورتسودان لتسهيل أنشطتها وتعزيز نفوذها في إفريقيا لتكون كقاعدة دعم بحرية أخرى إلى جانب القاعدة البحرية في طرطوس السورية -حميميم- التي تستخدمها كنقطة انطلاق نحو ليبيا شمال إفريقيا.
وقال بخيت إن العلاقات بين موسكو والخرطوم، خاصة على الصعيدين الأمني والاستخباراتي، تمتد لعقود، وتتضمن تبادلاً تدريبياً وتنسيقاً في قضايا عدة من بينها مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية، مضيفاً "هناك تبادل بين ممثلي أجهزة المخابرات في البلدين، والتعاون في هذا المجال مستمر ومتطور".
وشدد المسؤول السوداني على أن الخرطوم تسعى لتعزيز شراكتها مع موسكو في مختلف المجالات، وفي مقدمتها الشأن الأمني، بما يضمن حماية المصالح الوطنية السودانية والحفاظ على أمن البلاد القومي.
وكشف بخيت عن استعدادات لزيارة مرتقبة لرئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان إلى موسكو في أكتوبر للمشاركة في القمة الروسية العربية.
وأوضح أن التعاون الأمني والاستخباراتي مع روسيا يشهد تطوراً ملحوظاً، بينما تظل اتفاقية إنشاء قاعدة عسكرية روسية في السودان معلقة حتى تصديق البرلمان الجديد.
وحذَّر بخيت من تداعيات العقوبات الأميركية على الاقتصاد السوداني، مشيراً إلى مخاطر مخطط دولي لتقسيم البلاد.
وكان وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم ياسين قد قال خلال زيارة سابقة إلى موسكو إن "الحديث في الواقع لا يدور عن اتفاقية واحدة، بل عن 4 اتفاقيات متعلقة بالتعاون العسكري بين البلدين تقضي بإنشاء ممثلية لوزارة الدفاع الروسية في السودان وتسهيل دخول السفن الحربية الروسية في الموانئ السودانية، ومن ثم الاتفاق على إنشاء مركز دعم لوجيستي روسي في السودان". ولفت إبراهيم إلى أن 3 من هذه الاتفاقيات لا تزال مستمرة، وهناك "بعض المسائل التكميلية بالنسبة لها".
كما برزت معطيات عن أن موسكو تتعهد بموجب الاتفاق بدعم قدرات الجيش السوداني. وكان المحلل السوداني عثمان الميرغني قد قال لوسائل إعلام، في وقت سابق، إن "الجيش السوداني في حاجة ماسة إلى الأسلحة والذخائر وقطع الغيار لطائراته المقاتلة روسية الصنع". ورأى أن "تقديم قاعدة بحرية لروسيا في المقابل هو الخيار الأفضل".