السياحة.. نفط سوريا الجديد

وزير السياحة السوري يريد تسويق المواقع التاريخية والدينية السورية عالميا

دمشق - باتت السياحة هدفا اساسيا في تنمية الاقتصاد السوري الى جانب قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة. وتجهد وزارة السياحة حاليا في محاولة رفع عائدات القطاع السياحي من سبعة في المئة من اجمالي الناتج المحلي الى نحو 20 في المئة واستقطاب12 مليون سائح بدلا من ثلاثة ملايين وتوفير نحو ستة بلايين دولار للموازنة السورية.
ورغم ان احداث ايلول/سبتمبر ادت في البداية الى انحسار ملحوظ في الحركة السياحية الاوروبية الى سورية بلغت نسبته 60 في المئة، الا انها وبفضل حملة مكثفة من النشاطات السياحية الخارجية والمعارض التي اقامتها الوزارة في دول اوروبية وعربية عادت الان لتبلغ85 في المئة من نسبة السياحة الاوروبية الى سورية خلال اول شهرين من العام مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، ويتوقع ان تبلغ مئة في المئة مع انتهاء الخريف الحالي.
كما ارتفعت حركة السياحة العربية بنسبة 38 في المئة في شهري كانون الثاني وشباط عن نفس الفترة من العام الماضي. ومن بين الامور الايجابية التي خففت من الآثار السلبية لاحداث ايلول كما يقول الدكتور سعد الله اغه القلعة وزير السياحة ان البنية التحتية السياحية لن تتأثر الى درجة اعلان الافلاس الذي حصل في اماكن اخرى لذلك يعتقد ان سوريا الان تجاوزت المرحلة الصعبة لاستمرار المنشآت السياحية. ويتجه الوضع الى الاستقرار بحيث سيكون هناك ارتفاع اكبر في السياحة العربية.
ويشدد وزير السياحة السوري على ضرورة تنويع المنتج السياحي، اذ ان السياحة صناعة استراتيجية لكن مشكلتها انها صناعة قلقة وتوازنها قلق بمعنى ان اي متغير في العالم يمكن ان يؤثر على هذه الصناعة.
ويقول انه "لكي نحمي الاقتصاد السوري من أي تغير او من احتمالات تغير السوق السياحية في العالم وضعنا الان سياسة تقضي ان نعمق السياحة الداخلية بحيث تتمكن من تغطية 40% في المئة من الطلب السياحي بحيث لا تتأثر صناعة السياحة السورية كثيرا بالهزات العالمية".
ويضيف الدكتور القلعة "ان النقطة الثانية التي طرحتها احداث نيويورك وواشنطن كانت ضرورة تعميق الصلة مع المغتربين سياحيا خصوصا ان هناك 16 مليون مغترب سوري ولبناني في العالم. وتحضر الوزارة حاليا لبرامج سياحية لطرحها على الجاليات السورية في المغتربات تتضمن اضافة الى دورات تعليم او تقوية اللغة العربية جولات سياحية تعزز من فخرهم بما في سورية وان يكتشفوا كيف ان بلدهم فيه رسم التاريخ لزراعة اول حبة قمح، وفيه اول خلائط معدنية واول ابجدية ثم تتابع الحضارات من ايبلا ومن اوغاريت ومن تدمر ومن الفترة الرومانية واليونانية".
وفي الحديث عن خطط الوزارة لجذب السياحة العربية والاجنبية والداخلية يشدد المعنيون بالصناعة السياحية على وجوب توفر عنصري الجودة والسعر ذلك ان عنصر الجودة يتناول جميع مراحل السياحة بدءا من حصول السائح على تأشيرة الدخول الى سورية وشرائه بطاقة الطائرة والخدمات المقدمة على شركة الطيران والترحيب ثم التسهيلات على نقاط الدخول الى البلاد والتخفيضات في الفنادق والخدمات المتوفرة في المناطق السياحية والاثرية.
وهناك اتجاه حاليا لتقديم خصومات بنسبة 40 في المئة لنزلاء الفنادق بما فيهم السوريون. وبالتزامن مع جهود استقطاب السياح هناك مساع لرفع الطاقة الاستيعابية للفنادق في البلاد اذ يوجد الان 36 الف سرير سيتم رفع هذا الرقم في مدى 15 سنة الى 170 الف سرير. الا ان الطاقة الاستيعابية التي مازالت قليلة نسبيا بالنسبة لامكانيات سورية السياحية.
ومن جهة اخرى فان تخفيض الاسعار الحقيقي سيتم عندما يزيد عدد الفنادق ويزيد عدد الاسرة ويصبح التنافس هو الذي يحكم عملية التسعير. لذلك تسعى الحكومة السورية لتشجيع الاستثمار السياحي. وحاليا تطرح مواقع كثيرة في سورية للاستثمار لبناء الفنادق وتقدم الحكومة تسهيلات كثيرة في هذا الصدد كما تجري اعادة تأهيل لجميع الفنادق.
وتملك سورية طبيعة جميلة ومتنوعة وتبدو السياحة فيها فريدة من نوعيتها بسبب تعدد الاسباب التي تدفع السياح الى زيارتها بين زيارة دمشق القديمة او حلب التي تضرب جذورها في التاريخ حتى العصور الوسطى او تدمر الشهيرة وقلعة الحصن ومواقع اثرية ضخمة يتجاوز عددها ثلاثة الاف من المعالم والصروح اضافة الى مناطق الاصطياف والسهر.
وتختلف دوافع القدوم الى سورية بين السياحة والتجارة. وتبين الدراسات ان قدوم العرب خاصة الخليجيين يكون بهدف الاصطياف اما اللبنانيون والاردنيون فيكون للتسوق وزيارة الاقرباء، وبالنسبة للسياح الاجانب فان الهدف الاساسي لهم هو السياحة الثقافية والدينية والمؤتمرات.
وتشكل دمشق الوجهة الاولى للسياح وتستقطب 39 في المئة منهم. وبعيدا عن العاصمة وضجيجها تمتلئ منطقة الزبداني احد اشهر مصايف دمشق في شهري تموز/ يوليو واب/اغسطس بزوارها العرب والأجانب الذين يأتون من اجل الهواء النقي والفواكه المتنوعة التي تعتبر وحدها كافية للخروج من دمشق الى مناطق لاتبعد سوى بضعة كيلو مترات عنها لكنها تختلف كثيرا عن العاصمة طقسا وتضاريسا.
وترتفع بلدة بلودان 1500 متر عن مستوى سطح البحر وتنتشر على سفح جبل يعتبر امتدادا لسلاسل جبال لبنان الشرقية لتطل على سهل الزبداني المشهور بالاشجار المثمرة بالفواكه والخضار التي تزدهر تجارتها في فصل الصيف.
ومايزيد المشهد روعة وجود الغابات والاحراج تحيط بها 16 بحيرة مخصصة مياهها للشرب والري وتتوفر في المحافظة اغراءات وتسهيلات كثيرة وبات السياح العرب يوقتون قدومهم الى البلاد مع موعد انطلاق الفعاليات السياحية والترفيهية المتعددة التي تشهدها المدينة طوال فترة الصيف ومنها مهرجان "التزيين العالمي" و"اللاذقية في الذاكرة" و"تراث اللاذقية" و"مهرجان المحبة"، والذي يعتبر عرسا حقيقيا تعيشه المدينة لتنوع فعالياته الفنية والرياضية والترفيهية، ومعرض الزهور وسوق المهن اليدوية وكرنفال الشاطئ الازرق اضافة الى النشاطات والحفلات الفنية على الكورنيش الجنوبي ومراكز التسوق.
ويتفنن اهل المدينة في ايجاد اساليب للجذب السياحي حيث ابتدعوا مهرجانات للتسوق وانتخاب صاحبة اجمل عيون وملوك الرقص الغربي بريك دانس وروك اند رول اضافة الى انتخاب ملكة جمال الحفل ويقدمون بعض جوائز السياح بأنفسهم.
ويعتبر القطاع السياحي قطاعا ممتازا لجذب الاستثمارات فأي مستثمر عربي او اجنبي يأتي الى سورية يتمتع بميزة ان المنشأة التي يريد ان يبنيها ستكون معفاة من الضرائب اثناء فترة الانشاء لمدة ثلاث سنوات ثم هي معفاة من ضريبة الدخل لمدة سبع سنوات اعفاء كاملا ويسمح له باستيراد المواد اللازمة لعملية الانشاء بنسبة تصل الى 50 في المئة من التكلفة الاجمالية. وبعد سبع سنوات تحسب الضرائب فقط على 50 في المئة من الارباح وليس على كامل الارباح. وطيلة مدة المشروع وبعد خمس سنوات من انجاز المنشأة يسمح للمستثمر ان يخرج رأسماله كاملا بالعملة الاجنبية اي رأسماله الذي ادخله بالدولار يخرجه بالدولار ثم ارباحه كل سنة كامل قيمة ارباحه يمكن ان يخرجها بالدولار. كما ان الحكومة السورية بصدد انشاء مايسمى النافذة الواحدة للاستثمار السياحي بمعنى انه مهما كانت الارض التي سينشأ عليها العمل سواء كانت ملكية عامة او ملكية بلدية او ملكية وزارة ستتعامل معها هذه النافذة، أي ان المستثمر غير مضطر ان يتابع اجراءاته لان وزارة السياحة ستقوم بذلك.
وفي الاطار ذاته يعقد المعنيون في الوزارة اجتماعات مع المستثمرين ورجال الاعمال في الدول الاجنبية لعرض نقاط الجذب السياحي في سورية وقوانين الاستثمار المطروحة. اما بالنسبة الى الترويج السياحي فان البرنامج الاهم الذي تعمل عليه وزارة السياحة حاليا هو المهرجان الدولي لتلاقي طريق الحرير في ايلول سبتمبر العام المقبل باعتبار ان سورية كانت عبر العصور ومنذ اكثر من الف سنة مركز لقاء كجميع طرق الحرير الآتية من الصين واليابان ومن اوروبا وذلك لتعريف العالم بأن اول قنصلية لمملكة البندقية في ايطاليا اقيمت خارج البندقية كانت في حلب في 1207 من اجل الحركة التجارية وخدمة القوافل الآتية من اوروبا الى حلب لتتلاقى مع طرق الحرير، وان اول قنصلية فرنسية خارج الاراضي الفرنسية كانت في حلب في عام 1537 واول قنصلية بريطانيا وخارج بريطانية في حلب عام 1592 وسيتضمن المهرجان استعادة للقاء بين الحضارات التاريخية من جميع انحاء العالم بمشاركة فنانين ومثقفين ومصممي ازياء وطباخين وموسيقيين من 70 دولة عربية وآسيوية واوروبية.
ومن عناصر الترويج السياحي الأخرى التركيز على البعد الحضاري لسورية حيث تم توقيع اتفاقات مع اسبانيا وايطاليا وتركيا لتقديم سورية وكل من هذه البلدان في شكل منفرد على اساس انهما منتج سياحي مشترك نظرا لتشاركهما في فترات حضارية مشتركة كحضارة الامويين والرومان والعثمانيين. كما تدرس وزارة السياحة فكرة اقامة مكاتب سياحية في جميع العواصم الهامة في السياحة العالمية والاعتماد على روابط المغتربين الســوريين وتم الانتهاء من برنامج يوفر زيارات افتراضية لاي موقع اثرى في سورية على الكمبيوتر ضمن موقع الوزارة على شبكة الانترنت اضافة الى اقامة نشاطات السباقات الرياضية ومهرجانات للزهور.
واكد الدكتور اغه القلعة "ان موازنة الترويج ارتفعت من 800 الف دولار الى 105 مليون دولار مع الامل ان تتضاعف في العام المقبل. ورغم الاهتمام الحكومي بالبعد الاقتصادي للسياحة باعتبارها "نفط سورية القادم" فان الجهود تنصب كي تكون حوار حضارات بين سورية وباقي دول العالم".
ويقول الدكتور اغه القلعة "نحن في سورية لا ننظر الى السياحة فقط على انها فعل اقتصادي فحسب اننا ننظر اليها ايضا على انها فعل حوار لان السائح وخاصة الاجنبي عندما يأتي الى سورية لا يزور فقط المناطق الاثرية او المنتزهات والمطاعم بل يتحاور مع المجتمع.. يكتشف الشعب السورى.. يكتشف الامن والاستقرار فى سورية.. يكتشف ان الصورة التي تروج لها بعض اجهزة الاعلام الغربية المتأثرة بدعايات صهيونية غير صحيحة.. يكتشف ان هذا الشعب الذي هو وريث الحضارات هو شعب حضاري وهو جدير ان يفهم وان يستعيد حقوقه وان ينظر له على انه ند للشعوب الاخرى".
وتتضمن الاجراءات الجديدة لتشجيع السياحة بسوريا دراسة امكانية حصول السائح على الفيزا بأسرع مايمكن، واذا امكن في المطار هذا طبعا بالنسبة للسائح الاوروبي لان العربي لا يحتاج الى فيزا لدخول سورية اضافة الى وجود مباحثات مع المؤسسة العربية السورية للطيران لخفض اسعارها. وهناك احتمال لخفض سعر بطاقة الطائرة بنسبة 20 في المئة ممايعنى خفض كلفة الجولة السياحية بنسبة8 فى المئة على السائح لتشجيعه على القدوم. اضافة الى مناقشات مع شركة الطيران السورية لتسير رحلات مباشرة مع عواصم مهمة ولعقد اتفاقات مع شركة طيران الشرق الاوسط اللبنانية للتعامل كاقليم واحد وتكامل الخدمات.