الصدر من طهران إلى ساحات الاعتصام في النجف

المتظاهرون العراقيون يعرفون جيدا تاريخ مقتدى الصدر في استغلال احتجاجات الشارع لخدمة مصالحه وتعزيز قوته على التفاوض مع الحكومات.

النجف (العراق) - انضم زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر الثلاثاء، إلى عشرات آلاف المتظاهرين المطالبين بـ"إسقاط الحكومة"، في خطوة تعيد لأذهان العراقيين فشل احتجاجات 2016، حين انتهز رجل الدين الشيعي النافذ فرصة قيادتها ثم التفّ على مطالبهم.

ويعي جيدا مقتدى الصدر إن نزوله الشارع جنبا إلى جنب مع المتظاهرين سيعزز الضغط على السلطات التي تناهضها حركة احتجاجية سجلت نحو 250 قتيلاً حتى الآن.

ووصل سليل آل الصدر الذي يتبعه الملايين، من إيران مباشرة إلى ساحات الاعتصام في النجف، حيث جال بسيارته البيضاء، في رسالة واضحة إلى رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي الذي دعاه إلى الاستقالة، رغم أنه عراب الحكومة الحالية.

ويقدم زعيم التيار الصدري بظهوره في واجهة المشهد بمدينة النجف المقدسة لدى الشيعة جنوب بغداد، نفسه اليوم راعياً للإصلاح في حكومة يشارك فيها وبارك تشكيلها منذ عام.

وهو يسعى اليوم إلى خلط الأوراق في الحراك غير المسبوق في البلاد، والذي انطلق من ساحة التحرير في الأول من تشرين الأول/أكتوبر.

وتبنى الصدر سريعاً تلك مطالب المحتجين لكنه بقي يراقب من بعيد لاغتنام فرصة قيادة الأزمة حتى يظهر في ثوب المنقذ، وهو المنادي باستقلالية القرار في بلد ينقسم بين نفوذ إيراني وأميركي.

لكن المتظاهرون العراقيون الذي يخشون إعادة الصدر لما دأب عليه خلال احتجاجاتهم السابقة، رفضوا منذ بداية الحراك أي محاولة لركوب موجة الاحتجاجات سياسياً، وطالبوا الأحزاب ورجال الدين والساسة بعدم تلويثها بطابع ديني أو طائفي أو حزبي لإبقاء طابعها الشعبي وتحقيق مطالبهم.

وتاريخ التيار الصدري مليء بالاحتجاجات المنددة بالفساد وانتقاد الحكومات خاصة بين سنة 2015 وسنة 2017، لكن التسويات السياسية كانت دائما تذهب بمطالب المحتجين طي النسيان، بعد نجاح ورقة الصدر التفاوضية في تعزيز نفوذه بقوة الشارع.

وكانت أولى خطوات الضغط السياسي للصدر على عبدالمهدي، يوم السبت الماضي، حين قرر نواب كتلة "سائرون" التي يتزعمها رجل الدين بدء اعتصام داخل البرلمان، الذي بدوره طالب رئيس الحكومة بالحضور إلى مجلس النواب للمساءلة.

بين البرلمان والشعب حالياً، جسر الجمهورية الذي يفصل المنطقة الخضراء حيث المقار الحكومية، عن ساحة التحرير التي صارت مركزاً للحراك. وهناك تمطر القوات الأمنية المتظاهرين بين الفينة والأخرى بالغاز المسيل للدموع، لثنيهم عن التقدم.

لم يولِ عبدالمهدي أهمية لدعوته إلى البرلمان على الفور. لكنه خصص رسالة مطولة للرد على الصدر الذي دعا ليلة أمس في تغريدة إلى انتخابات نيابية مبكرة.

وقال رئيس الوزراء في رسالته "إذا كان هدف الانتخابات تغيير الحكومة، فهناك طريق أكثر اختصاراً وهو أن تتفق مع (هادي) العامري لتشكيل حكومة جديدة".

والعامري قائد منظمة "بدر" ورئيس ائتلاف "الفتح"، ثاني أكبر كتلة برلمانية وتمثل فصائل الحشد الشعبي المقرب من إيران.

ومنذ الجمعة، كانت مقار فصائل الحشد هدفاً للنيران في جنوب البلاد. وقتل العديد من المحتجين برصاص حراس تلك المقار، أو اختناقاً واحتراقاً لدى إضرام النار فيها.

ويشير محللون إلى أن ما حدث فعلاً، قد يكون تصفية حسابات بين الصدريين والحشد.

هذا الأخذ والرد العلني بين الصدر وعبدالمهدي، ليس محط إقناع للمتظاهرين في الشارع، الذين يصرون على "إسقاط النظام".

واتسعت دائرة الاحتجاجات الثلاثاء في العراق، بتظاهرات طلابية واعتصامات في جنوب البلاد، بعدما كسرت بغداد ليل الاثنين بالسيارات والأبواق والأناشيد حظر التجول الذي فرضه الجيش.

وشهدت مدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة، التي تبعد نحو مئة كيلومتر إلى جنوب بغداد، ليلة احتجاجات عنيفة، إذ أفادت مصادر صحفية عن سماع إطلاق رصاص حي في محيط مبنى مجلس المحافظة، فيما أعلنت المفوضية العراقية لحقوق الإنسان عن مقتل متظاهر.

وأكدت دائرة الطب العدلي في كربلاء مقتل شخص برصاصة في الرأس وأخرى في الصدر، فيما نفى المسؤولون الرسميون في المحافظة سقوط أي قتيل.

في أنحاء أخرى من البلاد، طالب عشرات الآلاف من المتظاهرين بإنهاء نظام تأسس قبل 16 عاماً إثر سقوط حكم صدام حسين، ويقول العراقيون إنه يلفظ أنفاسه الأخيرة.

ومنذ بداية الحراك الشعبي في 1 تشرين الأول/أكتوبر في العراق احتجاجا على غياب الخدمات الأساسية وتفشي البطالة وعجز السلطات السياسية عن إيجاد حلول للأزمات المعيشية، قتل 240 شخصا وأصيب أكثر من ثمانية آلاف بجروح، عدد كبير منهم بالرصاص الحي.

العراقيون لن يتراجعوا بعد كسر حاجز الخوف
العراقيون لن يتراجعوا بعد كسر حاجز الخوف

وشهدت التظاهرات المطلبية أيضاَ سابقة في العنف بالتعاطي معها، إذ سقط 157 قتيلاً في الموجة الأولى منها بين الأول والسادس من تشرين الأول/أكتوبر، و83 قتيلاً حتى الآن في الجولة الثانية التي بدأت مساء الخميس.

وبدت الموجة الثانية أكثر كسراً للحواجز. ففي المحافظات الجنوبية الشيعية العشائرية المحافظة، شارك عدد كبير من النساء بالاحتجاجات.

كما امتنع آلاف الطلاب والطالبات عن الذهاب إلى المدارس، فيما أقفلت جميع الدوائر في الحلة والديوانية والكوت والناصرية.

والتحقت نقابات مهن مختلفة بينها نقابة المعلمين ونقابة المحامين، التي أعلنت إضرابا لمدة أسبوع، ونقابة المهندسين ونقابة أطباء الأسنان بالاحتجاجات، رغم الإجراءات الأمنية التي تعرقل الوصول إلى أماكن الاعتصامات والتظاهرات.

وتوافدت حشود المتظاهرين صباح الثلاثاء إلى ساحة التحرير في وسط بغداد، والتي يحتلها المحتجون منذ مساء الخميس، وعلت الهتافات ضد حكومة عادل عبدالمهدي.

وقالت دعاء (30 عاماً) التي خرجت لمرات عديدة ليل الاثنين الثلاثاء، "هل ظنت الحكومة أننا سنبقى في المنزل؟ أبداً، لقد خرجنا إلى الشارع".

وأشار متظاهر آخر يضع كوفية على كتفيه ويلف على خصره علماً عراقياً إلى أن "ساحة التحرير لن تفرغ، حتى يحصل التغيير".

وقالت امرأة ترتدي حجاباً أسود اللون وبيدها علم عراقي "لا نريد هذه الحكومة بعد. نريد حكومة انتقالية وتغيير الدستور" بدلاً من الدستور الحالي الذي وضع في العام 2005 بإشراف أميركي.

ويرى مراقبون أن رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، المستقل غير المدعوم حزبياً أو شعبياً، لا يزال رهينة زعماء الأحزاب التي أتت به إلى السلطة ويتهمها المحتجون بالتقصير في توفير الوظائف والخدمات، وبملء جيوب المسؤولين بأموال الفساد الذي كان سبب تبخّر أكثر من 450 مليار دولار في 16 عاماً، بحسب أرقام رسمية.