الصراع يحتدم بين الدبيبة والبرلمان بسبب 'الإنفاق الموازي'

الدبيبة ينتقد قرار مجلس النواب بشأن إعداد ميزانية خاصة لما يعرف بصندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا معتبرا ذلك بأنه تهديد مباشر للاستقرار الاقتصادي ومحاولة لفرض واقع موازٍ خارج النظام المالي الموحد للدولة.
معركة سياسية بين الدبيبة وعقيلة صالح تدور رحاها في ميدان المال وعائدات النفط
الدبيبة يتهم عقيلة صالح بصرف 100 مليار دينار خارج الميزانية العامة
الدبيبة يشن هجوما معاكسا على مؤسسات وشخصيات تطالب باقالته

طرابلس - في مشهد يعكس تصاعد الخلافات السياسية والانقسام الحاد داخل ليبيا، أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، رفضه القاطع لأي "مسارات موازية للإنفاق العام"، منتقدًا قرار مجلس النواب في شرق البلاد بشأن إعداد ميزانية خاصة لما يعرف بـ"صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا". هذا الرفض يأتي في وقت تتعاظم فيه مؤشرات الصراع المالي والسياسي بين الحكومتين المتنافستين، في طرابلس وبنغازي ووسط جهود من البرلمان لاقالة الدبيبة وحل حكومته على خلفية التوتر العسكري في طرابلس.
وخلال اجتماع مع عدد من أعضاء المجلس الأعلى للدولة وفق بيان لمنصة "حكومتنا" الرسمية على فيسبوك.، وصف الدبيبة الخطوة التي أقدم عليها مجلس النواب بأنها تهديد مباشر للاستقرار الاقتصادي الوطني ومحاولة لفرض واقع موازٍ خارج النظام المالي الموحد للدولة. وقال إن الإنفاق الموازي "يشكل عبثًا حقيقيًا بالاقتصاد الليبي، ويمثل التفافًا على المؤسسات الشرعية"، محذرًا من أن "تحميل الدولة أعباء مالية غير مدروسة سيؤدي إلى استنزاف احتياطاتها وخصم فعلي من جيب المواطن الليبي".

وجاءت تصريحات الدبيبة بعد ساعات من جلسة عقدها مجلس النواب في بنغازي، برئاسة عقيلة صالح، أقر خلالها تشكيل لجنة من النواب لإعداد ميزانية لـ"صندوق التنمية وإعادة الإعمار"، وهو كيان أنشئ في 2021 ويرأسه بلقاسم حفتر، نجل قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر. وتوكل للصندوق مهمة التعاقد مع شركات عالمية لتنفيذ مشاريع إعمار في المناطق المتضررة، لكن بتمويل مباشر من البرلمان، دون المرور بالحكومة في طرابلس.
وترى حكومة الوحدة أن هذه الخطوة تشكل خرقًا خطيرًا للمنظومة المالية، ومحاولة لتكريس حالة "السلطة الموازية" التي يعيشها شرق ليبيا. ويذهب مراقبون إلى أن ما يجري ليس مجرد خلاف إداري، بل تعبير صريح عن معركة سياسية تدور رحاها في ميدان المال وعائدات النفط.
وتأتي هذه التطورات على خلفية تصاعد التوتر الأمني والسياسي الذي شهدته العاصمة طرابلس مؤخرًا، مع اندلاع اشتباكات بين تشكيلات مسلحة بعضها محسوب على حكومة الوحدة، بالإضافة إلى احتجاجات متباينة بين مناهضين للدبيبة ومؤيدين له. هذه الأحداث ألقت بظلالها على المشهد، وزادت من تعقيد الأزمة المتفاقمة.
وبينما يرفض الدبيبة أي تدخل من مجلس النواب في إدارة الموارد أو إطلاق صناديق مالية خارج الإطار المعترف به دوليًا، تلوّح الحكومة الموازية بقيادة أسامة حماد، والمدعومة من البرلمان، بورقة النفط، مهددةً بوقف الإنتاج أو إعلان "القوة القاهرة" إذا استمر تجاهلها كممثل شرعي عن جزء كبير من البلاد.
وفي هذا السياق، وجه رئيس حكومة الوحدة اتهامات مباشرة للبرلمان بالوقوف خلف عمليات إنفاق غير مشروع، مؤكدًا أن أكثر من 100 مليار دينار ليبي تم صرفها خلال العامين الماضيين خارج الميزانية العامة. وطالب رئيس المجلس عقيلة صالح بتقديم كشف شفاف يوضح مصير هذه الأموال.
وأضاف أن هذه الممارسات ساهمت في تقويض قيمة الدينار الليبي، وضربت ثقة الأسواق المالية، وساهمت في رفع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن. كما أشار إلى أن خبراء اقتصاديين حذروا من أن الميزانيات الموازية ستنعكس فورًا على سعر صرف الدولار في السوق السوداء، ما يفاقم الأوضاع المعيشية.
وفي أبريل/نيسان الماضي، خفض البنك المركزي الليبي قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية، في خطوة وصفها محللون بأنها نتيجة مباشرة للإنفاق المتعدد من الحكومتين المتنافستين، والذي أدى إلى تدهور الأوضاع المالية العامة، وتنامي الدين الداخلي.
وتعيش ليبيا، منذ ثلاث سنوات، انقسامًا مؤسساتيًا بين حكومتين تتنازعان الشرعية والسيطرة؛ الأولى بقيادة عبدالحميد الدبيبة، المعترف بها دوليًا، والثانية برئاسة أسامة حماد، المكلفة من مجلس النواب في شرق البلاد. وبينهما يستمر الصراع على السلطة والثروة، وتُستخدم فيه أدوات المال والجيش والإعلام.
رغم محاولات الوساطة الدولية، خصوصًا من جانب بعثة الأمم المتحدة، لم تفضِ جهود التفاوض إلى تسوية سياسية تنهي هذا الانقسام. وفي ظل التلويح بوقف الإنتاج النفطي، ورفض الحكومة في طرابلس للتمويل الموازي، يبدو أن البلاد تدخل مرحلة جديدة من شد الحبل السياسي والمالي، ما ينذر بمزيد من التأزم والانقسام.
ومع تعثر الوصول إلى انتخابات وطنية شاملة، وانعدام آفاق واضحة لتوحيد المؤسسات، يظل المواطن الليبي هو الخاسر الأكبر في هذه المعركة، حيث تُستخدم مقدرات البلاد كأدوات ضغط بين أقطاب السلطة المتناحرة.