الضغوط الأميركية تدفع اردوغان سريعا للتهدئة مع ألمانيا

الرئيس التركي لم يعد يملك الكثير من الخيارات بعد أن افتعل عداوات مجانية مع الشركاء الأوروبيين لحسابات انتخابية، فاضطر تحت وطأة الأزمة مع واشنطن للتراجع عن مواقفه المتشددة حيال دول أوروبية منها ألمانيا على وجه الخصوص للتنفيس عن أزمته.

اردوغان يصل إلى ألمانيا بعد توتر شديد مع واشنطن
الرئيس التركي يأمل في فتح صفحة جديدة مع برلين بعد أزمة دبلوماسية
تقلبات مواقف اردوغان تعكس حالة الإرباك الناجمة عن ضغوط أميركية

برلين - دفعت الضغوط الأميركية على تركيا في الفترة الأخيرة الرئيس رجب طيب اردوغان إلى مراجعة مواقفه المتشددة حيال الشركاء الأوروبيين بعد أزمات دبلوماسية افتعلها اردوغان ذاته ضمن سعيه لرفع أسهم شعبيته خلال استفتاء 2016 الذي منحه صلاحيات واسعة وخلال الانتخابات الرئاسية المبكرة التي منحته ولاية رئاسية جديدة بصلاحيات تنفيذية تمكنه من قبضة محكمة على السلطة.  

وسارع اردوغان تحت وطأة التصعيد التجاري الأميركي على خلفية احتجاز تركيا قسا أميركيا بتهم تتعلق بالإرهاب، إلى تهدئة التوتر مع ألمانيا التي وصلها اليوم الخميس في زيارة يرجح أن تكون فاتحة تسوية للأزمة مع دول أوروبية كان قد هاجمها مرارا.

واستُقبل الرئيس التركي ظهر اليوم الخميس في برلين بالتشريفات العسكرية خلال زيارة الدولة التي يفترض أن تؤدي إلى المصالحة بين البلدين على رغم الاحتجاجات التي كانت في استقباله أيضا.

ويأتي وصول اردوغان الذي سيبقى حتى السبت في ألمانيا، فيما سيقرر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بعد الظهر من سيستضيف كأس أوروبا-2024 تركيا أو ألمانيا.

وتبدو ألمانيا الأوفر حظا، لكن الاتهامات الأخيرة بالعنصرية الموجهة إلى مسؤولي الاتحاد الألماني لكرة القدم، شوهت كثيرا صورتها.

وكان الانسحاب المدوي للاعب مانشافت مسعود اوزيل من المنتخب الألماني أحرج رئيس الاتحاد الألماني، بعد أن اتهمت اللاعب بالعنصرية. ودعم اردوغان علنا اللاعب ذو الأصول التركية.

الرئيس التركي رجب طيب اردوغان والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل
اردوغان فاقم التوترات مع ألمانيا بانتقادات لاذعة لميركل تجاوزت كل الأعراف الدبلوماسية

وعلى المستوى السياسي بين أنقرة وبرلين، كثرت مواضيع الخلاف في السنوات الأخيرة، من الانقلاب الفاشل في 2016 على اردوغان الذي عاتب ألمانيا على دعمها الفاتر له إلى اعتقال الرعايا الألمان في تركيا، ومنهم صحافيون.

لكن بدأت عملية حلحلة رغم أن خمسة ألمان ما زالوا مسجونين، وفق وزارة الخارجية الألمانية.

وستستقبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ضيفها الرئيس التركي الجمعة، قبل مؤتمر صحافي مشترك. وسيلتقيان مجددا السبت. وسيلتقي الخميس مندوبين عن الجالية التركية التي يبلغ عدد أفرادها ثلاثة ملايين نسمة.

وستشهد ألمانيا تظاهرات تنظمها منظمات غير حكومية تدافع عن حقوق الإنسان، أو للجالية الكردية، خلال زيارة اردوغان وخصوصا بعد ظهر الجمعة في برلين حيث يأمل المنظمون في مشاركة حوالي 10 آلاف شخص.

وأكد اردوغان أنه يريد فتح "صفحة جديدة" للعلاقات الألمانية-التركية، كما جاء في مقالة نشرتها صحيفة فرنكفورتر الغيميني تسايتونغ.

وسيدشن السبت مسجدا في كولونيا مولته منظمة تركية، لكن الطبقة السياسية الألمانية تنتقد هذه الزيارة.

توتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن تدفع اردوغان للحضن الروسي وتعيده سريعا للحضن الأوروبي

والواضح أن اردوغان الذي خلق عداوات مجانية مع الشركاء الأوروبيين لم يعد يملك كثيرا من الخيارات في مواجهة ضغوط أميركية شديدة وأزمة بين الحليفين والشريكين في حلف شمال الأطلسي.

والمعلوم أيضا أن الرئيس التركي يقلب مواقفه بشكل براغماتي بما يخدم مصالحه وبما يساعده على الخروج من أزماته.

وكانت واشنطن قد رفعت الرسوم الجمركية على وارداتها من تركيا كما فرضت عقوبات على وزيرين تركيين وهددت بفرض المزيد من العقوبات بعد أن رفضت أنقرة الافراج عن قس أميركي تتهمه بالإرهاب.

وتدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب طالبا من تركيا الإسراع بإطلاق سراح القس لكن السلطات التركية رفضت.

وقال اردوغان وكبار مسؤولي حكومته إن تركيا لن ترضخ لسياسة الاملاءات والعقوبات، فيما تعهد ترامب بمواصلة الضغط على النظام التركي.

وترتبط ألمانيا وتركيا بعلاقات تجارية مهمة وهو ما ينطبق ايضا على عدد من الدول الأوروبية، إلا أن الرئيس التركي فاقم التوترات مع الشركاء الأوروبيين ولوح مرارا بالغاء اتفاق كبح الهجرة الذي وقعته أنقرة وبركسل في مارس/اذار 2016.

وقد هاجم الحكومة الألمانية لرفضها إلقاء وزراء أتراك خطابات في تجمعات انتخابية كما رفضت برلين القاء اردوغان ذاته خطابا في الجالية التركية ضمن الدعاية للاستفتاء في ابريل/نيسان 2017 والانتخابات المبكرة في نفس الفترة من العام 2018.

وذهب في انتقاداته إلى أبعد من مجرد التنديد بمنعه ووزرائه من القاء كلمات في الخارج، مهاجما المستشارة الألمانية ومعتبرا أن تصرفاتها تشبه التصرفات في الحقبة النازية.