الطائفية في تحليل الدوائر الانتخابية في الكويت

ثمة طفولة سياسية تحكم الترشيحات لأعضاء مجلس الأمة. الانتماء الفرعي، بدلا من قدرات المرشح ووعيه، هو الأساس.

مع اقتراب موعد الانتخابات الكويتية، تزداد حدة النقاش حول فرص نجاح المرشحين. وتقدم العديد من الجهات عبر برامجها تحليلا لهذه الفرص، لكنها تعتمد غالبا على التقسيمات المذهبية والعرقية والقبلية، مقارنةً بإعداد الناخبين في كل دائرة.

من المؤكد أن هذه الطريقة هي الطريقة الأسهل ‏والأكثر بدائية في تحليل التنافس الانتخابي، والتي تتهرب من تقييم البرامج والمواقف والمقترحات التي يتبناها المرشح، ان تعزيز هذه التقسيمات يسهل على السلطة والجماعات والشخصيات الرديفة السيطرة على العملية الانتخابية.

‏تستهدف السلطة من خلال تقسيم الدوائر والمناطق الانتخابية الى تعزيز التنافس وفقًا لمعادلات تقليدية، سعياً منها لضمان سهولة السيطرة على العملية الانتخابية، والتأثير تاليا على توجهات مجلس الامة، وتلعب هذه البرامج دورا في تحقيق ذلك.

ومن المؤسف أن برامج بورصة المرشحين والتحليل الانتخابي لا تهدف جميعها إلى خدمة المجتمع كما ينبغي ان يكون دورها، فبعضها يستهدف تحقيق الارباح المادية، وبعضها يستهدف الهوية الوطنية، ولا يهم حجم الضرر الذي قد تخلفه على استقرار المجتمع وأمانه الاجتماعي وتجانسه الثقافي.

لو أمعنا النظر في جهود مراكز الدراسات ووسائل الإعلام في الدول المتطورة، فسنجد أنها تُبنى على تقديم دراسات شاملة تخدم مسار التطور الديمقراطي، وتعتمد على استطلاعات رأي محايدة وموضوعية لقياس فرص نجاح المرشحين.

وعلى الرغم من ذلك، فإنها تواجه بانتقادات حادة بسبب انعدام الرقابة الكافية عليها، مما يثير الشكوك حول مصداقيتها. فما بالك بما هو قائم لدينا مع غياب تام للأجهزة الرقابية، وانتشار عدم المهنية، وتحيز القائمين على البرامج لفئاتهم المختلفة؟

في قناة فضائية أظهر أحد مقدمي البرامج تحيزًا طائفيًا واضحًا خلال تقديمه لبرنامجه المخصص لتحليل فرص المرشحين، دعا خلاله أبناء طائفته لعدم التراخي خشية فوز مرشحي الطائفة الأخرى، متجاهلا ان هذه السلوكيات تمثل تحريضًا طائفيًا بغيضا، وتخالف مبادئ الحياد والموضوعية.

هذه البرامج الطائفية في تحليل الدوائر الانتخابية، تلحق الضرر بالدولة والمجتمع لأنها تُؤدّي إلى تفاقم الانقسامات، وتهمش بعض الفئات الاجتماعية، وتتسبب بعزلهم، وتقلل من فرص وصولهم الى المجلس.

من المؤكد ان قوة التجاذبات في الساحة الانتخابية، وهيمنة الطفولة السياسية على الاداء العام، سيجعل من الحياد والموضوعية قرارا صعبا ومكلفا للغاية، فكل الاطراف سيعتبرون حيادك بمثابة "اعلان موقف" موجها ضدهم.

بيد اننا بحاجة ماسة اليوم الى شريحة مثقفة تفصل نفسها عن تجاذبات الانتخابات، دون ان تبتعد عنها، وتلعب دوراً حيويا في رصد الساحة ونقد اداء المرشحين بموضوعية، ونشر ثقافة المواطنة والمساواة ونبذ الطائفية والعنصرية.

ومن المهم أن يدرك الناخبون أن الاختيار يجب أن يكون بناءً على الكفاءة والقدرة على خدمة الوطن، لا على أساس الانتماءات الفرعية، وهو ما يوجب على الناخبين أن يُقارنوا بين برامج المرشحين واختيار من يعتقدون أنه الأفضل لخدمة مصالحهم ومصالح الوطن.

تحقيق النضج السياسي مسؤولية وطنية، ويتطلب نجاحه تضافر جهود الجميع للمشاركة الفاعلة في الانتخابات، واختيار المرشحين بناءً على كفاءتهم الفكرية والسياسية، وتقييمهم بناءً على ادائهم، بعيدًا عن التقسيمات الضيقة التي تحاول بورصات المرشحين ان تحشر بها الوطن.