الطرد من المنازل بتهديد السلاح جزء من انتهاكات واسعة بحق العلويين

منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قدمت شكوى إلى مديرية ريف دمشق طالبت فيها بوقف انتهاكات الملكية "بدوافع طائفية" وإعادة الممتلكات المنهوبة.

دمشق – في إحدى أمسيات أواخر يناير/كانون الثاني، اقتحم 12 رجلا ملثما منزل عائلة أم حسن في دمشق وهددوا أفراد العائلة ببنادق كلاشينكوف وأمروهم بالمغادرة.

وحين قدموا وثائق الملكية، اعتقل الرجال الشقيق الأكبر لأم حسن، وقالوا إنهم لن يفرجوا عنه إلا بعد مغادرتهم. وقالت أم حسن التي اكتفت بالكشف عن كنيتها خوفا من أن تصبح هدفا للانتقام، إن العائلة سلمت المنزل بعد 24 ساعة، واستلمت شقيقها، منهكا من مقر جهاز الأمن العام المحلي وتظهر عليها علامات الضرب والكدمات.

وأم حسن من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري السابق بشار الأسد. وقصتها وأسرتها ليست فريدة من نوعها.

وقال مسؤولون سوريون وزعماء علويون ومنظمات حقوقية و12 شخصا ممن قصوا حكايات عن تعرضهم لحوادث مماثلة تحدثوا إلى رويترز إنه منذ تولي الرئيس المؤقت أحمد الشرع السلطة في ديسمبر/كانون الأول، أجبرت قوات الأمن مئات العلويين على مغادرة منازلهم في دمشق.

وأفاد بسام الأحمد، المدير التنفيذي لمنظمة (سوريون من أجل الحقيقة والعدالة "أكيد لا نتكلم عن حالات فردية بل مئات وربما آلاف من حالات الطرد".

وقمع بشار الأسد ووالده حافظ الأسد، لأكثر من 50 عاما، أي معارضة من المسلمين السنة في سوريا الذين يشكلون أكثر من 70 بالمئة من السكان. وشغل العلويون العديد من المناصب العليا في الحكومة والجيش، وأداروا شركات كبيرة.
ويتهمون الآن أنصار الشرع الذين كانوا ينتمون سابقا لفرع تابع لتنظيم القاعدة، بإساءة معاملتهم بطريقة ممنهجة كنوع من الانتقام.

العلويين يخشون أن تكون عمليات الإخلاء جزءا من تصفية حسابات طائفية ممنهجة من قبل حكام سوريا الجدد.

وفي مارس/آذار، قُتل مئات العلويين في المنطقة الساحلية الغربية لسوريا، وامتد العنف الطائفي إلى دمشق، ردا فيما يبدو على كمين نصبه مسلحون موالون للأسد لقوات الأمن السورية الجديدة أسفر عن سقوط قتلى.

وقال مسؤولان حكوميان إن آلاف الأشخاص طُردوا من منازلهم في دمشق منذ الإطاحة بالأسد أغلبهم من العلويين. وأضاف المسؤولان أن معظمهم كانوا يقيمون في مساكن حكومية مرتبطة بوظائفهم في مؤسسات الدولة، ولأنهم لم يعودوا يعملون، فقد فقدوا حقهم في الإقامة في تلك المساكن.

وتعهد الشرع باتباع سياسات لا تقصي أحدا لتوحيد بلد مزقته حرب أهلية طائفية على مدار 14 عاما ولجذب الاستثمارات والمساعدات الأجنبية. لكن العلويين يخشون أن تكون عمليات الإخلاء جزءا من تصفية حسابات طائفية ممنهجة من قبل حكام سوريا الجدد.

وصرح مسؤول في مديرية ريف دمشق، المسؤولة عن إدارة الخدمات العامة، طلب عدم الكشف عن اسمه، إنهم تلقوا مئات الشكاوى من أشخاص طُردوا باستخدام العنف.

وقال رئيس بلدية علوي في إحدى ضواحي دمشق، طلب أيضا عدم الكشف عن اسمه نظرا لحساسية الأمر، في مارس/آذار إن 250 عائلة من أصل 2000 عائلة هناك طُردت.

وأطلع رئيس البلدية رويترز على مكالمة مسجلة في مارس/آذار مع شخص يدعي أنه عضو في جهاز الأمن العام، وهو جهاز جديد مكون من مقاتلين من المعارضة السورية ممن أطاحوا بالأسد.

وطلب مسؤول جهاز الأمن العام من رئيس البلدية أن يجد منزلا شاغرا لعائلة تنتقل من الشمال. وحين قال رئيس البلدية إنه لا توجد شقق للإيجار، طلب منه المسؤول إخلاء أحد تلك المنازل التي يملكها "هؤلاء الخنازير"، في إشارة إلى العلويين.

وقال ثلاثة مسؤولين كبار في جهاز الأمن العام إن السلطات الجديدة شكلت لجنتين لإدارة ممتلكات أفراد يُعتقد أنهم مرتبطون بالنظام السابق. وقالوا إن إحدى اللجنتين مسؤولة عن المصادرة، بينما تتولى الأخرى معالجة الشكاوى.

وأفادت مصادر جهاز الأمن العام أن اللجنتين تشكلتا مع اقتراب قوات الشرع من دمشق في ديسمبر/كانون الأول على غرار كيان مماثل يُعرف باسم "لجنة غنائم الحرب" في معقل الشرع السابق في إدلب.

وقال الأحمد من منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إنه من المؤكد أن عمليات الإخلاء هذه ستُغير التركيبة السكانية للمدينة "شبيه بمحاولات الأسد في مناطق المعارضة أو المناطق السنية. نتكلم عن نفس الممارسة ولكن ضحايا مختلفين وجهات فاعلة مختلفة".

وفي 16 أبريل/نيسان، قدمت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة شكوى إلى مديرية ريف دمشق طالبت فيها بوقف انتهاكات الملكية "بدوافع طائفية" وإعادة الممتلكات المنهوبة.

ذهب الأسد وبقي الممارسات
ذهب الأسد وبقي الممارسات

ونقل حافظ الأسد العلويين من المناطق الساحلية إلى المراكز الحضرية للمساعدة في توطيد سلطته. وقال فابريس بالانش، الخبير في الشؤون السورية والأستاذ المساعد في جامعة ليون 2 إن الأسد أقام منشآت عسكرية ووحدات سكنية للجنود وعائلاتهم حول دمشق حيث مثل العلويون نسبة كبيرة من السكان هناك. وكان تمثيل العلويين في الجيش غير متناسب.

وقال بالانش إن نحو نصف مليون علوي انتقلوا إلى المناطق الساحلية بعد طردهم من العاصمة وحمص وحلب وأجزاء أخرى من سوريا عقب سقوط الأسد.

وفي ضاحية الأسد العلوية التي تغير اسمها الآن إلى ضاحية الشام، قالت أم حسين، وهي موظفة مدنية وأم لأربعة أطفال، إن رجلين مسلحين ملثمين جاءا إلى منزلها في 16 يناير/كانون الثاني وقالا إنهما من جهاز الأمن العام.

وأفاد جوشوا لانديس، الخبير في الشؤون السورية ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، إن جهاز الأمن العام الذي أنشأه الشرع يبدو أنه امتداد للقوة الأمنية التي حكمت محافظة إدلب.

وأضاف أن جهاز الأمن العام يبدو الآن وكأنه الشرطة ومكتب التحقيقات الاتحادي ووكالة المخابرات المركزية والحرس الوطني، كلهم في جهاز واحد.

وقالت أم حسين إن الرجال منحوها مهلة 24 ساعة للمغادرة، لأن ابنها يعتمد على كرسي متحرك. وخاطبت عددا من الجهات الحكومية للاحتفاظ بمنزلها، وحصلت على بعض التطمينات.

وفي اليوم التالي، نحو الساعة العاشرة صباحا، عاد الرجال وأمهلوها دقيقتين للمغادرة. وقالت أم حسين إنهم صادروا أيضا متجرا تملكه عائلتها في الحي، وكانت تؤجره.

وأضافت أم حسين "نعيش في هذا المنزل منذ أكثر من 22 عاما. استثمرنا فيه جميع أموالنا ومدخراتنا. لا نستطيع تحمل تكاليف استئجار منزل آخر".

وقال حامد محمد إن وحدته استولت على أربعة منازل شاغرة تابعة "للشبيحة" وهي ميليشيا مسلحة سيئة السمعة موالية للأسد. وأضاف إن قوات الأمن لم تصادر أي شيء لا يخص "الشبيحة"، وتذكر بغضب أن منزله في إحدى ضواحي دمشق دمر أثناء الحرب الأهلية. وأضاف محمد أنه انتقل إلى العاصمة بعد سقوط الأسد، ولم يكن لديه مكان آخر يقيم فيه.

في 12 فبراير/شباط، دعا محافظ دمشق المواطنين الذين يشكون من مصادرة ممتلكاتهم ظلما إلى تقديم شكاوى إلى المديريات.

وأكد مسؤول رفض الكشف عن اسمه، وجود نمط متكرر يتمثل في قيام أفراد مسلحين بإخلاء السكان دون أمر قضائي، ومنعهم من أخذ ممتلكاتهم، ثم الانتقال إلى مكان آخر.

وأفادت المصادر أن غالبية عمليات المصادرة استهدفت سوريين من أصحاب الدخل المحدود والمتوسط، ممن فقدوا وظائفهم ويفتقرون إلى الموارد اللازمة لسد رمقهم.

وقال مسؤول آخر في مديرية أخرى بدمشق إن عمليات الإخلاء حدثت بين عشية وضحاها دون اتباع الإجراءات القانونية المرعية.

وعلق لانديس "الأمر فوضوي، لكن هناك نهجا وراء هذا الجنون، وهو إرهاب الناس وإعلام العالم أجمع بأن العلويين لم يعودوا (في السلطة)… لا توجد عدالة انتقالية. لا يوجد إلا ظلم انتقالي".

وتحدثت رفاه محمود عن تجربتها بهذا الشأن وقالت إن سبعة مسلحين اقتحموا شقتها في 20 فبراير/شباط وهددوا بقتلها هي وعائلتها العلوية ما لم تُسلّمهم مفاتيح العقار الذي اشتروه قبل 15 عاما.

وشاركت رفاه مقطعا مصورا مدته دقيقتان و27 ثانية تظهر فيه وهي تقف خلف باب منزلها وتجادل بشدة الرجال الذين أنذروا العائلة بالمغادرة مع حلول الليل.

ووصف رجال قالوا إنهم من عناصر أمن الدولة، رفاه وعائلتها "بالكفار والخنازير"، وحينما طلبت الإطلاع على الأمر القضائي بالطرد، أجاب الرجال "لا نفعل الأشياء هنا إلا شفهيا".