العالم العربي على جبهاته المفتوحة

عبر أكثر من أربعين سنة شهد العالم العربي إنهيارات متلاحقة فيما كان المحيط غير العربي يشهد استقرارا وتطورا متسارعا في كل المجالات.

لم يحن الوقت بعد لأن يفكر العالم العربي في مستقبله بالمعنى الايجابي. فالحرب قائمة على أرضه من غير أن تكون حربه. لقد تم تعميم مفهوم الحرب الأهلية في لبنان على جبهات عربية عديدة. سبق لغسان تويني أن قال في وصف الحرب الأهلية اللبنانية "إنها حرب الآخرين على أرض لبنان". ذلك القول يصح على ما يشهده العالم العربي اليوم "إنها حرب الآخرين على أرض عربية". ولكن الضحايا عرب وهو ما كان يحدث في لبنان، حيث كان الضحايا لبنانيين.

لا أحد في إمكانه أن يثبت أن هناك قضية عربية يستند إليها المحاربون في السودان واليمن وسوريا ولبنان وفي وقت سابق، ليس بعيدا في العراق وليبيا. أما في غزة فإن الضحايا صاروا أكثر نقمة على القضية العربية وقد تم سحب بساطها من تحت أقدامهم بسبب موقف عالمي غير مسبوق، أُريد له أن يكون أساس علاقتهم بالعالم الخارجي.

وإذا قلنا بكل ثقة أن الآخرين الذين يأملون أن يخرجوا رابحين من تلك الحروب يملكون القدرة على امداد نارها بكل ما تحتاجه من حطب نكون بذلك قد أعفينا العرب من كل مسؤولية. وهو ما لا ينفع في ظل استنزاف الثروات البشرية والمادية العربية المستمر من غير أمل في الخروج من الغفلة. فهل نحن أمة غفلة؟ ولا نعدم مَن يتساءل "إلى أين نحن ذاهبون؟" من غير أن يغادر صوته المجروح المتر الذي يقف عليه.

يحارب الآخرون بعضهم البعض الآخر بنا وبثرواتنا وعلى أرضنا ومن خلالنا، من غير أن يخسروا شيئا. لنا اليباب ولهم الحصاد. أما ما يُقال عن المؤامرات والدسائس والمكائد التي تُحاك ضد الأمة ما هو إلا نوع من الكلام السائل الذي يُراد منه التغطية على فشلنا في فتح ممرات تفاهم آمنة بين بعضنا والبعض الآخر. لقد تم اختراق البنية السياسية العربية منذ أن كبل النظام السياسي العربي بشعارات، أثبت التاريخ أنها لا تجمع، بل تفرق. فلم يعد الحديث عن الأخوة العربية إلا نوعا من تزجية الوقت ولم يكن التلاميذ ليستفيدوا منه شيئا وهو يزيد امتحاناتهم المدرسية تعقيدا. ذلك لأنه يقترح السؤال الأكثر تعقيدا بين أسئلة التربية الوطنية.

واقعيا فإن كل الحروب التي شهدها ويشهدها العالم العربي هي ليست حروبه. هناك مَن صدق حين قال "إن حرب أكتوبر 1973 هي آخر الحروب العربية". اما حرب العراق ضد إيران فهي ليست عربية وإن أحرقت ثروات عربية كثيرة عبر سنواتها الثمان. وحرب تحرير الكويت لم تكن عربية، وصولا إلى حرب غزة مرورا بحروب ليبيا وسوريا والسودان واليمن ولبنان. كل تلك الحروب كان حطبها عربيا غير أن الجهات المستفيدة منها ليست عربية. عبر أكثر من أربعين سنة شهد العالم العربي إنهيارات متلاحقة فيما كان المحيط غير العربي يشهد استقرارا وتطورا متسارعا في كل المجالات. فعلى سبيل المثال حين تتراجع السياحة في مصر وتونس تستفيد تركيا بشكل مباشر. لذلك لم تكن إسرائيل وحدها طرفا مباشرا في الحروب العربية. كانت هناك إيران وتركيا ومن ورائهما الولايات المتحدة.

في حقيقة الأمر فإن الميليشيات وقد تمكنت من إسر النظام السياسي في غير بلد عربي محت بطريقة متقنة كل بصمة تشير إلى إرادة الشعوب العربية. والأنكى من ذلك أن تلك الميليشيات قد وجدت لها حاضنة شعبية تستمد قوتها من ثغاء قطيعي مادته الطائفية والقبلية والجهوية والعرقية. فلم يعد العراقي يكتفي بعراقيته بعد أن سُلبت منه عروبته، بل صار يقدم شيعيته وسنيته وكرديته على أي انتماء آخر. لقد نجح الآخرون في توطين وتطبيع حروبهم في العالم العربي. فحزب الله وهو ميليشيا إيرانية يصر على جر لبنان إلى حرب هي ليست حربه. أما حين يرفع ذلك الحزب شعار فلسطين فإنه لا يسعى إلى التغطية على ارتباطه العضوي بإيران بقدر ما يسعى إلى وضع إيران في الواجهة، باعتبارها قائدة للنضال من أجل فلسطين وإقصاء العرب من الساحة، بالرغم من أن مقاتليه من العرب الذي غُرر بهم في إطار فتنة طائفية، ليس لفلسطين محل على خرائطها.

"إلى أين نحن ذاهبون؟" سؤال يستمد قوته من واقع أن كل ما يجري من حروب على الأرض العربية هو ليس من صنعنا ولا يمت بصلة لما نحلم به من حياة حرة كريمة. ناهيك عن أنه ينزع عنا صفتنا الآدمية ليحولنا إلى حطب لحروب يستفيد منها الآخرون.