العراقيون يؤججون الاحتجاجات تحديا لتعنت عبدالمهدي

الحصار يشتد على الحكومة العراقية التي تواجه الحراك الشعبي من جهة واعتصام أكبر كتلة داخل البرلمان من جهة أخرى.
الشارع العراقي يضغط لإقالة الحكومة رغم محاولات قمعه
أعداد كبيرة من النساء ينضممن إلى الاحتجاجات بالعراق

بغداد - ظل مئات المحتجين العراقيين في ساحة التحرير بوسط العاصمة بغداد اليوم الأحد في تحد لحملة أمنية دامية راح ضحيتها العشرات خلال اليومين الماضيين ومداهمة نفذتها قوات الأمن أثناء الليل لتفريقهم، في إحكام للحصار على رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي الذي يواجه الشارع من جهة، واعتصاماً سياسياً لأكبر كتلة برلمانية من جهة أخرى.

وأقام شبان حواجز على جسر يؤدي إلى المنطقة الخضراء المحصنة بالمدينة لتفصلهم عن قوات الأمن التي واصلت إلقاء عبوات الغاز المسيل للدموع باتجاههم.

وقتل 67 عراقيا على الأقل وأصيب المئات يومي الجمعة والسبت الماضيين، فيما اشتبك متظاهرون مع قوات الأمن وفصائل مسلحة في موجة ثانية من الاحتجاجات المناهضة لحكومة عبد المهدي هذا الشهر ليرتفع بذلك العدد الإجمالي لقتلى الاحتجاجات في أكتوبر/تشرين الأول إلى 224.

القوات العراقية الخاصة لمحكافحة الإرهاب
عبدالمهدي يأمر قوات مكافحة الإرهاب باستخدام كل الوسائل لقمع المحتجين

وأعلنت قوات مكافحة الإرهاب أنها نشرت وحداتها لحماية المنشآت السيادية والحيوية، تنفيذ لأوامر عبدالمهدي بإنهاء الحتجاجات بأي وسائل، في خطوة يراها محللون أن رئيس الحكومة العراقية أذعن لمطالب ميليشيات موالية لإيران وصاحبة نفوذ عالي في البلاد بالتصدي بصرامة للاحتجاجات التي تطالب بإنهاء حقبة من الفساد والمحاصصة الطائفية وكبح النفوذ الإيراني المتنامي في البلاد.

عبدالمهدي يذعن لمطالب الميليشيات العراقية الموالية لإيران بالتصدي بصرامة للشارع العراقي الذي يطالب بكبح النفوذ الإيراني المتنامي في العراق وإسقاط المسؤولين الفاسدين

وقال جهاز مكافحة الإرهاب العراقي الذي نشر قواته مع آليات مدرعة اليوم الأحد "إنه نشر قوات في شوارع بغداد لحماية المنشآت السيادية من عناصر غير منضبطة".

وأضاف الجهاز في بيان "بتوجيه من القائد العام للقوات المسلحة وبأمر رئيس جهاز مكافحة الإرهاب قوات من جهاز مكافحة الإرهاب تنتشر في بعض مناطق بغداد لحماية المنشآت السيادية والحيوية من أن تعبث بها عناصر غير منضبطة مستغلة انشغال القوات الأمنية في حماية التظاهرات والمتظاهرين".

وضربت قوات مكافحة الإرهاب واعتقلت عشرات المحتجين في مدينة الناصرية بجنوب البلاد الليلة الماضية. وفرقت المظاهرات في ساحة التحرير باستخدام الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية لكن بعض المحتجين احتشدوا من جديد.

والتحق طلاب عراقيون الأحد بركب المحتجين المناهضين للحكومة في وسط بغداد.

وشهدت العاصمة العراقية ومدن جنوبية عدة موجة ثانية من الاحتجاجات منذ مساء الخميس، مع مواصلة المتظاهرين احتشادهم رغم مواجهتهم بوابل القنابل المسيلة للدموع وحظر التجول ورصاص الميليشيات المقربة من إيران التي خلّفت أكثر من 60 قتيلاً بعضهم سقط بالرصاص الحي جنوباً، والبعض الآخر احتراقاً خلال إضرام النار في مقار أحزاب سياسية.

وبدأ طلاب صباح الأحد بالانضمام إلى التظاهرات في بغداد حيث أشار ناشطون إلى أن نحو خمس مدارس قررت إغلاق أبوابها والمشاركة في الاحتجاجات بشكل جماعي.

في ساحة التحرير التي تعتبر رمزية ومركزاً أساسياً لانطلاق التظاهرات في العاصمة، شوهدت فتيات صغيرات يرتدين الزي المدرسي ويحملن حقائب الظهر يتجولن في الشوارع التي تطلق فيها عبوات الغاز المسيل للدموع.

وتجمع مئات المحتجين في الساحة في تحد جديد بعد ليلة طويلة من التظاهرات التي يقوم بها مطالبون بإسقاط النظام، استخدمت القوات الأمنية لتفريقها الغاز المسيل للدموع.

وقال أحد المتظاهرين وهو يلفّ رأسه بالعلم العراقي "خرجنا لإقالة الحكومة كلها من جذورها ولا نريد أحداً منهم".

وتعتبر هذه الاحتجاجات غير مسبوقة في التاريخ العراقي الحديث، إذ أنها بدأت عفوية بسبب الاستياء من الطبقة السياسية برمتها، وصولاً حتى إلى رجال الدين.

وشهدت التظاهرات المطلبية أيضاَ سابقة في العنف بالتعاطي معها، إذ سقط 157 قتيلاً في الموجة الأولى منها بين الأول والسادس من أكتوبر/تشرين الأول، و63 قتيلاً حتى الآن في الجولة الثانية التي بدأت مساء الخميس الماضي.

وتقدّم عبدالمهدي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي قبل أيام بمقترحات عدة لتنفيذ إصلاحات، لم تكن مقنعة للمتظاهرين، حيث عبر متظاهرون بالقول "لا نريد لا الحلبوسي ولا عبد المهدي. نريد إسقاط النظام".

وكان المشهد في ساحة التحرير فوضوياً، إذ تمركز بعض المتظاهرين على أسطح مراكز تجارية للتلويح بالأعلام العراقية، فيما قام آخرون بإحراق الإطارات في الشوارع التي تغطيها القمامة.

وفي زاوية أخرى من الساحة نصب البعض خياماً، في وقت بدأ متطوعون بتوزيع الطعام والماء على المتظاهرين. كما لوحظ أيضاً نزول أعداد كبيرة من النساء إلى الساحات القريبة.

وبدت امرأتان طاعنتان في السن ترتديان عباءتين سوداوين وتغطيان رأسيهما بحجاب أسود، تلوحان بالعلم العراقي وتتمايلان على أنغام الموسيقى والأناشيد، بعدما وقفتا على أحد الحواجز الإسمنتية.

وقالت فتاة رفضت الكشف عن اسمها "أنا هنا من أجل مستقبل الأطفال"، مضيفة "جيلنا نحن تعب نفسياً، ولكن لا بأس طالما الأمر من أجل الجيل الجديد".

وكان البرلمان العراقي المصاب بالشلل قد فشل أمس السبت في افتتاح جلسة كان يفترض أن تكون مخصصة لبحث مطالب المتظاهرين، لعدم اكتمال النصاب وهي حالة تكررت في مناسبات عدة مؤخراً.

لكن رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر قرر استخدام البرلمان نفسه مساء السبت لتضييق الخناق على عبدالمهدي، بعدما بدأ نوابه الذين يشكلون كتلة 'سائرون' الأكبر في مجلس النواب العراقي، اعتصاماً مفتوحاً داخل البرلمان "إلى حين إقرار جميع الإصلاحات التي يُطالب بها الشعب العراقي".

وفاز تحالف 'سائرون' بالانتخابات التشريعية التي جرت في مايو/أيار 2018 بنيله 54 مقعداً في البرلمان، ما جعل الصدر في موقع مؤثر في الائتلاف الحكومي الذي يطالب الشارع بإسقاطه اليوم.