
العراقيون يواجهون وعود عبدالمهدي بالاصرار على الاحتجاج
بغداد -يحاول رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي مواجهة الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة والتي تطالب باسقاط الحكومة والتصدي للنفوذ الايراني ومواجهة الفساد.
وامام تصاعد الحركة الاحتجاجية وتوسع نطاقها حث عبدالمهدي المشرعين على دعمه لإجراء تغييرات وزارية ودعا إلى الهدوء بعد أيام من الاضطرابات الدامية التي تهز البلاد.
وقال في كلمة بثها التلفزيون الرسمي الخميس "نطالب مجلس النواب والقوى السياسة الالتزام الكامل بمنح رئيس مجلس الوزراء صلاحية استكمال تشكيلته الوزارية وإجراء تعديلات وزارية بعيدا عن المحاصصة السياسية".
وأضاف عبدالمهدي أنه لا يوجد "حل سحري" لمشكلات الحكم واستغلال السلطة المزمنة في العراق لكنه تعهد بمحاولة إقرار قانون يمنح الأسر الفقيرة راتبا أساسيا.
وقال في هذا الإطار "لدينا مشروع سنقدمه إلى مجلس النواب خلال الفترة القصيرة لمنح راتب لكل عائلة لا تمتلك دخلا كافيا بحيث يوفر حدا أدنى للدخل يضمن لكل عائلة عراقية العيش بكرامة".
وجاءت تصريحاته بينما يطالب المحتجون بسقوط الحكومة.
وحاول عبدالمهدي تخويف العراقيين بالقول "العراق اليوم بين خياري الدولة واللا دولة".
وقال عبد المهدي للمتظاهرين "صوتكم مسموع قبل أن تتظاهروا ومطالبكم بمحاربة الفساد والإصلاح الشامل هي مطالب محقة".
لكنه طالب بإعادة "الحياة إلى طبيعتها في مختلف المحافظات واحترام سلطة القانون".
ورغم التحذيرات التي وجهها عبدالمهدي واصل العراقيون الجمعة التظاهر لتحقيق مطالبهم حيث اشارت مصادر طبية ومصادر من الشرطة سقوط 44 قتيلا من بين المتظاهرين ما يشير الى تواصل تعامل حكومة عبدالمهدي بالقبضة الامنية.وبدأت الاحتجاجات الثلاثاء في بغداد وامتدت إلى كل الجنوب تقريبا. وقال مسؤولون إن مئات الجرحى سقطوا أيضا.
وصباح الجمعة كانت شبكة الإنترنت مقطوعة في الجزء الأكبر من البلاد.
وفي حدث غير مسبوق في العراق ولدت الحركة عبر شبكات التواصل الاجتماعي تلبية لدعوات لم يتبنها أي حزب سياسي أو زعيم ديني.
وفي خطاب فهم انه سحب بساط من تحت حكومة عبدالمهدي أكدت المرجعية الدينية الشيعية العليا في العراق في مدينة كربلاء الجمعة دعمها لمطالب المتظاهرين، داعية الحكومة العراقية إلى "تدارك الأمور قبل فوات الأوان".
وفي خطبة الجمعة، قال أحمد الصافي ممثل آية الله العظمى علي السيستاني أعلى مرجعية شيعية في العراق، إن "هناك اعتداءات مرفوضة ومدانة على المتظاهرين السلميين وعلى القوات الأمنية"، مؤكدا أنه "على الحكومة أن تغير نهجها في التعامل مع مشاكل البلد" و"تدارك الأمور قبل فوات الأوان".
وأضاف الصافي أن "على الحكومة النهوض بواجباتها وأن تقوم بما في وسعها لتحسين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل للعاطلين عن العمل والابتعاد عن المحسوبيات في الوظائف العامة واستكمال ملفات المتهمين بالتلاعب بالأموال العامة وسوقهم إلى العدالة".
ويرى مراقبون ان المرجعية الدينية الابرز في العراق لم تعد ترى في حكومة عبدالمهدي ضامنة للاستقرار.

وطالبت منظمة "العفو" الحقوقية الدولية، الجمعة، السلطات العراقية بإجراء تحقق "حيادي ومستقل" في حوادث قتل متظاهرين على يد الأمن.
وقالت لين معلوف، مديرة أبحاث الشرق الأوسط في منظمة العفو: "من المهم أن تضمن السلطات (العراقية) إجراء تحقيق مستقل وحيادي بالكامل في استخدام قوات الأمن للقوة التي لا داعي لها أو المفرطة؛ مما أدى إلى الوفاة المأساوية للعديد من المحتجين، وإصابة عشرات آخرين بجروح".
وأكدت معلوف، في بيان للمنظمة، على أنه "يجب على الدولة العراقية أن تلتزم بمحاسبة المسؤولين" عن قتل المتظاهرين، "ويجب ألا تكون هذه حالة أخرى من الحالات التي تعلن فيها الحكومة عن إجراء تحقيق أو تشكيل لجنة تحقيق لا تسفران عن أي نتائج".
وشددت منظمة "العفو"، في بيانها، على أنه "يجب على الحكومة العراقية أن تأمر قوات الأمن على الفور بوقف استخدام القوة المفرطة، بما في ذلك القوة المميتة، ضد المحتجين".
واعتبرت أنه "من المشين أن تتعامل قوات الأمن العراقية مرارا وتكرارا مع المحتجين بهذه الوحشية باستخدام القوة المميتة، وغير الضرورية".
كما دعت إلى "إنهاء الحجب غير القانوني للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ورفع حظر التجول التعسفي المفروض في العديد من المناطق".
أيضا، أعربت عن "القلق إزاء ما ورد من تقارير بشأن الاعتقالات التعسفية للمحتجين والصحفيين في عدة محافظات عراقية".
وقالت: "في البصرة وبغداد والنجف، أخبر المتظاهرون المنظمة أن قوات الأمن تقوم باعتقال المحتجين بصورة عشوائية".
وشددت منظمة "العفو" على أنه "بدلا من مواجهة هذه الاحتجاجات بقوة تعسفية ومفرطة، يجب على السلطات معالجة مظالم المحتجين، والأسباب الجذرية للاضطرابات، بصورة مستدامة".
وأبلغ نشطاء منظمة "العفو" بأنهم كانوا يطالبون بتغيير الحكومة؛ لأنهم لم يعودوا يصدقون أي وعود قدمتها الحكومة الحالية، والتي يتهمونها بتجاهل سنوات من الاحتجاجات".
ولفتت إلى أن محتجين أخبروها بأنهم "لا ينتمون إلى فصيل أو حزب سياسي واحد، لكنهم يمثلون مجموعة واسعة من الأشخاص الذين سئموا بما فيه الكفاية من الفساد والخدمات العامة السيئة والبطالة".
ونقلت عن أحد المحتجين من النجف قوله: "نحن لسنا ممثَّلين من طرف أو مجموعة. وإذا كانت السلطات تريد التحدث إلينا، فدعهم يأتون إلى الشارع لمقابلتنا بكلمات لا بالرصاص".
ومنذ الليلة الماضية، فرضت السلطات أيضا حظر التجول في العديد من المحافظات، وقطعت الوصول إلى الإنترنت في جميع أنحاء البلاد "باستثناء إقليم كردستان في شمال العراق" ووسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة.
وقالت منظمة "العفو" إن "مثل هذه الإجراءات المروعة تؤكد على المدى الذي يمكن أن تصل إليه الحكومة من أجل إسكات الاحتجاجات بعيدا عن الكاميرات وعيون العالم".
وحضّت الأمم المتحدة السلطات العراقية الجمعة على التحقيق سريعًا وبشفافية في مسألة استخدام قوات الأمن القوّة بحق المتظاهرين.
وقالت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مارتا هورتادو في تصريحات للصحافيين في جنيف "ندعو الحكومة العراقية للسماح للناس بممارسة حقهم بحرية التعبير والتجمّع السلمي".
وأفادت هورتادو أن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تأكّد بشكل مستقل من مقتل 12 شخصًا في بغداد، مضيفة أن "المئات أصيبوا بجروح وفق التقارير، بينهم عناصر من قوات الأمن".
وأضافت "تم اعتقال عشرات المتظاهرين رغم الإفراج لاحقًا عن معظمهم".
وقالت هورتادو "نشعر بالقلق من التقارير التي تشير إلى أن قوات الأمن استخدمت الذخيرة الحيّة والرصاص المطاطي في بعض المناطق، وأنها ألقت قنابل الغاز المسيل للدموع كذلك مباشرة على المحتجين"، مشددة على أن "استخدام القوة" في التعامل مع التظاهرات يجب أن يكون في الحالات "الاستثنائية" فقط.
وأفادت "ينبغي الامتثال لدى استخدام القوة للقواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان" مؤكدة على وجوب عدم استخدام الأسلحة النارية "إلا كحل أخير للحماية من أي تهديد وشيك بالقتل أو الإصابة البالغة".
وتابعت "ينبغي التحقيق بشكل فوري ومستقل وشفاف في جميع الحوادث التي تسببت سلوكيات قوات الأمن فيها بوفيات وإصابات".
وشدد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على أن مطالب المتظاهرين باحترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية "مشروعة".
وقالت هورتادو "يجب الاستماع لشكاوى الناس".
وأعربت الأمم المتحدة كذلك عن قلقها البالغ بشأن اعتقال ثلاثة صحافيين على الأقل، أفرج عن اثنين منهم لاحقًا، محذّرة من أن ذلك يحمل خطر "ردع صحافيين آخرين من نقل الأحداث المرتبطة بالوضع".
ونوهت هورتادو إلى أن انقطاع خدمة الإنترنت عن أجزاء واسعة من البلاد يشكّل مصدر قلق، مشددة على أن عمليات "قطع الإنترنت على نطاق واسع تتناقض على الأرجح مع حرية التعبير".

ودعت الكويت وقطر، إلى "التريث" وعدم السفر إلى العراق؛ نظرًا للاضطرابات والمظاھرات التي يشھدھا الأخير.
وأفادت وكالة الأنباء الكويتية، أن خارجية بلدها دعت المواطنين الكويتيين الذين ينوون السفر إلى العراق إلى "التريث وعدم السفر في الوقت الراھن نتيجة الاضطرابات والمظاھرات التي يشھدھا عدد من المدن العراقية".
وأهابت بالمواطنين المتواجدين حاليا بالعراق إلى "ضرورة مغادرتھا بالسرعة الممكنة وإلى اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر".
كما دعتهم إلى "الابتعاد عن أماكن التجمعات والمظاھرات واتباع تعليمات السلطات المحلية حتى يتيسر موعد المغادرة".
بدورها دعت الخارجية القطرية، مواطنيها إلى "التريث وعدم السفر إلى العراق في الوقت الراهن، وإلى مغادرة المواطنين القطريين للعراق فوراً نظراً للتطورات التي يشهدها".
وطالبت الخارجية، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء القطرية، المواطنين القطريين الزائرين للعراق لاتخاذ الحيطة والابتعاد عن أماكن التجمعات.
وأفادت مصادر الشرطة بأن الحكومة فرضت في وقت سابق حظر التجول في ثلاث مدن بجنوب العراق في حين فتحت قوات مكافحة الإرهاب النار على محتجين حاولوا اقتحام مطار بغداد وانتشرت في مدينة الناصرية في الجنوب بعدما "فقدت" الشرطة "السيطرة" بعد تبادل لإطلاق النار بين محتجين وقوات الأمن.
وإذا ما جرت الإطاحة بالحكومة الحالية، فقد يمثل فراغ السلطة في العراق تحديا للمنطقة بأسرها مع الوضع في الاعتبار وضع بغداد كحليف للولايات المتحدة وإيران اللتين تخوضان مواجهة سياسية.
ورفع المحتجون في العراق للمرة الأولى سقف مطالبهم للمطالبة باسقاط الحكومة، على غير موجات احتجاجات سابقة في سنوات 2016 و2018، كان غالبا التيار الصدري، بالتحالف مع قوى سياسية اخرى، التيار المدني والحزب الشيوعي، هو المنظم لها بسقف مطالب لا تتعدى الخدمات والإصلاح السياسي ومكافحة الفساد.
ورفع المحتجون شعارات تطالب بالتصدي للنفوذ الايراني المتزايد في العراق اضافة الى تورط سياسيين عراقيين مقربين من طهران في ملفات فساد.
وذاق صدر العراقيين فيما يبدو من تدخلات ايران التي حولت الساحة العراقية الى ساحة لتصفية الحسابات مع الولايات المتحدة.
ويتذكر العراقيون تصريح السفير الايراني ادرج مسجدي الاسبوع الماضي والذي هدد صراحة بالهجوم على القوات الاميركية في العراق دون احترام للأعراف الدبلوماسية ما اثار غضبا شعبيا.
ويبدو ان الشعارات التي رفعت في المظاهرات رسالة واضحة من العراقيين بان بلادهم ليست ضيعة خاصة بايران.
وقبيل انطلاق الموجة الجديدة من الاحتجاجات في الاول من اكتوبر/تشرين الاول، صرح الامين العام لحركة "عصائب اهل الحق"، قيس الخزعلي، أن "التظاهرات التي يزعم انطلاقها الثلاثاء، 1 اكتوبر/ تشرين الأول مرتبطة بصفقة القرن (الأميركية لتسوية القضية الفلسطينية) في سياق عمل كبير من جهات داخلية مع خطاب اعلامي متصاعد لتطويع الراي العام مع صفقة القرن"، وان هذه "التظاهرات ذات دوافع سياسية".
ويرفض العراقيون مثل هذا الطرح بل يستغربون العلاقة بين الدعوات لكبح جماح التدخلات الايرانية وايقاف انتهاك السيادة الوطنية للعراق والدعوة لمكافحة الفساد وبين صفقة القرن.
ودعوات المحتجين الى ضرورة مواجهة التدخلات الايرانية استفزت جهات دينية ايرانية حيث ذكرت وكالة تسنيم شبه الرسمية للأنباء أن رجل دين إيرانيا بارزا اتهم الولايات المتحدة وإسرائيل بإشعال التوتر في العراق لعرقلة مراسم أربعينية الحسين التي تعد من أهم المناسبات الدينية لدى الشيعة وتقام في وقت لاحق من الشهر الجاري.
وقال آية الله محمد إمامي كاشاني في خطبة ألقاها "العدو عقد العزم على (مواجهة) الأمة الإسلامية، أمريكا والصهيونية...تستهدفان الأربعينية والعراق وتثيران أزمة لأنه من الصعب عليهما قبول وجود ملايين (الزوار الشيعة) في كربلاء".
وربط جهات دينية متشددة بين الاحتجاجات ومزاعم عرقلة اربعينية الحسين يشير الى استغلال ايراني مفرط للمسالة الدينية لمواجهة احتجاجات فئات شبابية تضررت من استفحال الفساد وتردي الاوضاع المعيشية.
والمظاهرات التي انتشرت في الوسط الشيعي يحاول الايرانيون التقليل من اهميتها تارة او وسمها بالعمالة لاميركا واسرائيل تارة اخرى ما يشير الى الارتباك الايراني.
ويتخوف الايرانيون من ان تنتشر هاته الدعوات في الداخل الايراني خاصة مع التقارب الثقافي والعقدي بين الايرانيين وبين جزء هام من الشعب العراقي.
لكن المخاوف الاكبر هو عدم قدرة الايرانيين على تحويل العراق الى ساحة لتصفية الحسابات مع الولايات المتحدة ومع دول في المنطقة خدمة لمصالحها.
ودائما ما تحاول الميليشيات استغلال القضية الفلسطينية لتبرير التجاوزات الإيرانية في العراق.
وفي بيان لها، ايدت السفارة الاميركية في بغداد "الحق في التظاهر سلميا"، وهو حق اساسي في جميع الديمقراطيات على ان لا يكون هناك مكان للعنف من اي طرف.
و دعت السفارة الاميركية جميع الاطراف الى ضبط النفس.