العراقي كه يلان محمد يتحدث عن شغفه بالأدب الجزائري
يؤكد الكاتب والناقد العراقي كه يلان محمد في هذا الحوار الذي خصّ به "الشروق" انبهاره بتنوع وثراء الأدب الجزائري الذي تمكن حسب قوله من الوصول إلى العالمية، بفضل عدة وجوه روائية وإبداعية تكتب بالعربية والفرنسية، مضيفا بأن أسماء مثل واسيني الأعرج وياسمينة خضرا وأحلام مستغانمي وآخرون عرفوا كيف يساهمون في ترقية الأدب الجزائري على الصعيد الإقليمي والدولي، ما سمح بظهور أسماء أصبحت علامة مسجلة على المستوى العالمي، وقال الناقد العراقي كه يلان محمد أن دراساته في المنجز الأدبي الجزائري مكنته من معرفة خبايا الجزائر من النواحي التاريخية والجغرافية والإبداعية، مضيفا أن هناك أسماء لم تنصف رغم عالميتها، مثل آسيا جبار الذي كان من المفترض حسب قوله ان تتولى مؤسسة ثقافية معينة بترجمة أعمالها إلى العربية، في الوقت الذي انبهر بأعمال ياسمينا خضرا التي ترجمت إلى جميع اللغات، بما في ذلك اللغة الكردية.
بداية، من يكون الناقد كه يلان محمد؟
أنا كاتب عراقي، من مواليد مدينة السليمانية، متخرج من كلية اللغات، قسم اللغة العربية، نشرت مقالات ودراسات نقدية في الصحف والدوريات العربية، كما أجريت سلسلة من الحوارات مع الكتاب والروائيين العرب، ولهذا لغرض معرفة ما وصلت إليه نصوصنا الأدبية، وهو الأمر الذي يتطلبُ متابعة ما يتمُ تقديمه على المستوى العالمي، لأنه في حال غياب هذا التواصل يُصاب الأدب بالتكلس ويضيق أفق الإبداع.
تعد من المهتمين بالأدب الجزائري، فما هو انطباعك بخصوص وزنه على الصعيد الإقليمي؟
وزن الأعمال الأدبية لأي شعب يحدّدُه الكُتاب الذين يمثلونه من خلال نتاجاتهم الإبداعية التي تعبرُ عن الخصوصيات المحلية، وتحملُ في طياتها القيم والمبادئ الإنسانية الرفيعة، وبذلك يستجيبُ النص الأدبي لتطلعات الفرد أينما كان وبغض النظر عن انتماءاته أو هويته القومية، ويحظى بالاهتمام والمُتابعة خارج الأُطر المحلية والإقليمية إلى أن يصبحُ أدباً عالمياً، ولم يحِد الأدب الجزائري عن هذا المسار، صحيح أنَّ ما يتناوله المبدعون الجزائريون في موادهم الأدبية والفنية يعكسُ طبيعة بيئتهم وما يُعدُ تحدياً بالنسبة للإنسان الجزائري، ناهيك عن حضور المرحلة الاستعمارية في متنون الأعمال الروائية، ومن ثُمَّ آفاق ما بعد النضال التحرري وما يعني ذلك من الفرص والتحديات في آن واحد، كما لم تغبْ أشباح ما سمي بالعشرية السوداء في النصوص الأدبية أيضاً. إذاً فإنَّ الأعمال الأدبية للمبدعين في الجزائر مُطعمةُ بما يسودُ في فضائهم المحلي، لكن ذلك لا يعني الانكفاء والانقطاع بل هو قوام أساسي لخروج أي نص أدبي نحو فضاءات إقليمية وعالمية، فالقارئ غير الجزائري يعرفُ ما تتميزُ به المدنُ الجزائرية وخصائص الملبس والمأكل وأنماط المعيشة وحتى المفردات في اللهجة المحلية من خلال ما تابعتهُ للطاهر وطار وأمين الزاوي وأحلام مُستغانمي ولحبيب السائح وواسينى الأعرج، هذا وهناك أسماء جزائرية أصبحت علامة أدبية على المستوى العالمي (كاتب ياسين، محمد ديب، آسيا جبار، ياسمينة خضراء)، حيث أشارت الروائية السورية (مها حسن) في إحدى مقالاتها بأنها لاحظت من خلال مشاركتها لورشة منظمة حول الكتابة السردية بفرنسا أن اهتمام الشباب هناك برواية كمال داود يفوق على الغريب لكامو.
ما هي الجوانب التي حفّزتك على القيام بقراءات ودراسات حول الأدب الجزائري؟
قبل الإجابة على هذا السؤال لابُدَّ من الإشارة إلى حضور الجزائر فيما كتبه غير الجزائريين فإنَّ قراءتي لرواية "الطاعون" التي اتخذ صاحبها مدينة وهران مسرحاً لأحداثها قد غذت فضولي للبحث عن تمثلات هذه المدينة في نصوص أخرى إلى أنَّ وجدتُ صورة مُغايرة لما قدمه كامو في رواية "قبل الحب بقليل" لأمين الزاوي، فوهران لدى الأخير هي مدينة لا تتوقف فيها حركة الحياة، حين ينامُ نصفها يستيقظ نصفها الثاني، أكثر من ذلك فإنَّ الثورة الجزائرية تحوّلت إلى موضوع أثير لدى الكُتاب الفرنسيين منهم "جيروم فيراري" الذي تقوم روايته "حيث تركت روحي" على معالجة ازدواجية شخصية المُستمعر، كما أظهر نماذج إنسانية من الفرنسيين المُساندين للثورة، وهذه الثيمة يقاربها الروائي الجزائري الحبيب السايح على مستوى آخر في روايته الصادرة حديثا "أنا وحاييم"، إذ يُفضل أن يخطَ اتجاها مختلفاً لتناول مفهوم الثورة والاحتلال ومبدأ التعايش وما تتطلبه ظروف ما بعد الثورة من عقلية جديدة. من المعلوم أنَّ رصيد الأدب الجزائري من النصوص القيمة وما يعتمدُ عليه من آليات جديدة لجهة الخطاب والصياغة ماعدا التيمات المُتشعبة يعتبرُ عوامل أساسية وراء اهتمام أي متابع للمنجز الأدبي والفني بالجزائر وما يرفدُ الأدب الجزائري أكثر هو وجود المؤلفين الذين يكتبون باللغة الفرنسية باعتبارها غنيمة على حد قول كاتب ياسين. ما توصلتُ إليه نتيجة قراءة المنجز الروائي الجزائري هو اهتمام المُبدعين في الجزائر بالموضوعات المتنوعة وتواصلهم مع بيئات أُخرى، فبالتالي تتفاعلُ نصوصهم مع المعطيات الحياتية بمختلف أشكالها، كما يتم تطويع عدة مصادر من سيرة الشخصيات والتاريخ والتطورات الراهنة في مضمون الرواية.
قرأت ودرست نصوصا سردية لأدباء جزائريين.. من هم الأدباء الذين لفتوا انتباهك؟
قرأتُ لواسينى الأعرج وأحلام مستغانمي وكريمة الإبراهيمي والحبيب السائح وغيرهم، ولهؤلاء دورهم كل من جانبه ساهم في دعم الرواية الجزائرية وكسب مزيدا من القراء، وأنتم تعرفون بأنَّ روايات واسينى الأعرج مقروءة على نطاق واسع، كذلك أحلام مُستغانمي، لكن ياسمينة خضرا شدّني بأسلوبه إلى عالمه الروائي، وتكمنُ خصوصية صاحب "أشباح الجحيم" في قدرته على اقتناص لحظات درامية وتحويلها إلى مادة روائية مشوقة هذا ما تجده في "الصدمة" و"سنونوات كابول" و"ليلة الرئيس الأخيرة"، ضف إلى ذلك تمكنه من سد فراغات قائمة بين حلقات المادة المُلهمة بواسطة عنصر التَخييل. لذا ما أن تقرأ عملاً لياسمينة خضرا حتى تدرك ضرورة متابعة جديدة باستمرار وبالطبع لا ينجحُ كل كاتبٍ أن يصل إلى هذه المرتبة لدى القراء والمُهتمين بمجال الأدب.
هل يمكن أن تقارن بين الأدب الجزائري المكتوب بالعربية وكذا المكتوب بالفرنسية.. ما هي الفروق الموجودة بينهما ومن هو الأكثر ثقلا وتأثيرا في رأيك؟
من الصعب بمكان إجراء مقارنة بين النصوص المكتوبة بالعربية وما اتخذ اللغة الفرنسية وعاءً، لأنَّ ذلك يحتاج إلى دراسة مُستفيضة، غير أنَّ ما يلاحظه القارئ أنَّ النصوص المكتوبة باللغة الفرنسية قد تبدو أكثر جرأة ومثيرة للجدل كما تتصفُ بالشمولية، أمر تراه بالوضوح في مؤلفات ياسمينة خضرا، فهو لم يَعُدْ مقيّداً لا ببيئة ولا بفضاء معين، فمجال كتاباته يمتدُ بدءاً ببغداد وليبيا وفلسطين والجزائر مرورا بباريس مكان الإقامة حتى هافانا. كما توفر الفرنسية فرصة الانتشار أكثر، ولولا اختيار كمال داود للفرنسية لغة للكتابة ما وصل إلى تخوم العالمية مع إصدار باكورته الروائية. وأشاد سيرجيو راميريز أحد أشهر الروائيين من نيكاراغوا في حوار أجري معه بفكرة رواية (مُعارضة الغريب) وسرد قصة قتيل في رواية الغريب من منظور أخيه.
قمت بدراسات لأدباء اختاروا الفرنسية مجالا للإبداع مثل آسيا جبار وياسمينة خضرة وآخرون بالعربية في صورة واسيني الأعرج وأمين الزاوي ولحبيب السايح، ما هي النتيجة التي خرجت بها؟
آسيا جبار أديبة وروائية عالمية، وما سردتهُ في "بوابة الذكريات" ليس عبارةً عن مذكرات شخصية فقط، بل عمل توثيقي لحقبة كان بلدها يتأرجحُ بين خيارات الأصالة والحداثة، ومما زاد الوضع احتقانا في هذه المرحلة التاريخية هو محاولات الاستعمار لطمس الهوية وإقصاء لغة أم من مجال التدريس. ما يجبُ قوله إنَّ هذه القامة الكبيرة لم تُنصف وكان من المفترض أن تتكفل مؤسسة ثقافية بترجمة أعمالها الروائية إلى اللغة العربية. وصول صاحبة "نساء الجزائر" إلى الأكاديمية الفرنسية كان مكسباً لبلدها وللإنسانية، ياسمينة خضرا ما يحسبُ له هو نحته لأسلوب خاص في الكتابة وثيماته أبعد ما تكون من التكرار لذلك يوجدُ إقبال على رواياته بكل مناطق العالم، وترجم بعضها إلى اللغة الكردية. واسينى الأعرج يتصدر المشهد الثقافي بما يقدمه من أعمال روائية متنوعة تتوزع بين ما يستلهمه من سيرة الشخصيات الثقافية أو السياسية والنصوص الاستشرافية، إضافة إلى اشتغاله على ظاهرة العنف وقيمة الحب في السياق نفسه. أمين الزاوي أراد من خلال رواية "الملكة" إقامة علاقة بين القارئ ومنطقة جغرافية جديدة وتجاوز نمطية العلاقة الموجودة بين الفرد العربي والحضارة الغربية. الحبيب السائح تمكن من تحويل المادة المحلية إلى عمل روائي يتم الاحتفاء به خارج بيئته.
كيف ترى واقع الأدب الجزائري قياسا بالأدب في البلدان المغاربية والمشرقية؟
يشهدُ واقع الأدب الجزائري حراكاً ملحوظاً، وهناك أسماء أخرى تنضاف إلى ما عرفناها سابقاً، وهذا ما يكسب الأدب الجزائري ميزة، لأنَّه ليس مقروناً بعدد محدود من الكُتاب، كما توجد في النصوص الجزائرية إلى جانب ثيمات محلية موضوعات ذات أبعاد إنسانية.
كيف تقيم مكانة الأدب العراقي، وفي مقدمة ذلك الشعر الحر الذي تبوأ ريادة الأدب العربي منذ منتصف الأربعينيات بفضل السياب ونازك الملائكة وآخرون؟
الشعر في العراق هو زاد ثقافي بالنسبة لكل المهتمين بمجال الأدب والثقافة، وما أحرزه جيل الرواد على مستوى التجديد الشعري والخروج من قيد الكليشيهات القديمة دفع بالنص الشعري نحو أفق جديد، وذلك ساهم أيضا في بلورة ذائقة شعرية جديدة لدى القراء. طبعاً إن الحداثة الشعرية رافقها التنظير بفضل الشاعرة نازك الملائكة التي امتلكت ثقافة شعرية وأدبية زاخرة، إضافة إلى دورها الإبداعي، ما مكنها من تقديم أسسا للشعر الحديث.
هل من إضافة في الأخير؟
أشكركم على إتاحة هذه الفرصة، وأقول إن ما أنجزه المبدعون في الجزائر في مجال السرد الروائي إضافة كبيرة للأدب العربي ومنطلقاً للأجيال القادمة.