العراق.. توزيع أدوار بين الأحزاب الإسلامية والمراجع الدينية

الأحزاب الإسلامية السياسية تريد وتعمل من أجل إقامة دولة دينية أبوية! ثيوقراطية، سواء أكانت على شرائع المذاهب السنية أو الشيعية، فهي في المحصلة النهائية دينية، وأن كانت متصارعة فيما بينها لا على الدين والمذاهب.

بقلم: كاظم حبيب

كتب في هذا الشأن،الكثيرون عن موضوع توزيع الأدوار فيما بين الأحزاب والمرجعيات والمؤسسات الدينية والمذهبية على الساحة السياسية العراقية؛ وسبل تنفيذ هذا التوزيع، وبالتعاون الوثيق مع دول الجوار، مع الأخذ بنظر الاعتبار في توزيع هذه الأدوار الوضع الدولي أو العلاقات الدولية ودور الولايات المتحدة في العراق. ولكن هذه الكتابات والتحليلات غالباً ما أغفلت من جانب أكثر الأحزاب والقوى المدنية والديمقراطية العراقية، في حين ان من مصلحتها المباشرة إيلاء اهتمام أكبر بهذا الموضوع ودراسته والتحري عن مدى صواب هذا الواقع والاستفادة من آراء الآخرين، وليس بالضرورة الأخذ بها كلياً أو جزئياً.

ليس اعتباطاً أو تنجيماً حين أشير إلى وجود تفاهم وتوزيع فعلي للأدوار فيما بين الأحزاب الإسلامية السياسية والمرجعيات والمؤسسات المذهبية على الساحة السياسية العراقية؛ بل هو تعبير عن حقيقة قائمة ناشئة عن مصالح مشتركة وأهداف متقاربة جداً إن لم نقل واحدة. كما إن هذا التوزيع للأدوار ليس جديداً، بل بدأ في النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي بين جماعة الإخوان المسلمين بقيادة محمد محمود الصواف، وحزب الاستقلال بقيادة محمد مهدي كبة وفائق السامرائي وصديق شنشل من جهة، ومنذ أن تكونت نواة حزب الدعوة الإسلامية (1959) بالتنسيق مع المرجعيات الدينية، وبقية الأحزاب الدينية الشيعية حتى الآن من جهة أخرى. إضافة إلى وجود ما يماثل ذلك نسبياً في طرف الأحزاب الإسلامية ذات الوجهة القومية مع المؤسسات الدينية السُنية حالياً.

لقد كان ولما يزال من مصلحة هذه القوى أن تعمد إلى التعاون والتنسيق وتوزيع الأدوار لمواجهة معارضيها وخصومها. هذا لا يتعارض مع وجود صراع في داخلها حول المكانة والدور والمصالح التي تتحقق لكل منها في مجرى العملية السياسية، سواء أكان ذلك في داخل الطرفين أم بينهما. لقد برز هذا التعاون والتنسيق في عهد عبد الكريم قاسم، ومن ثم في عهد البعث الأول، وفي العهد القومي ومن ثم في العهد البعثي الثاني، وكذلك في العهد السياسي الطائفي المحاصصاتي الجديد الذي نشأ في أعقاب إسقاط الدكتاتورية البعثية الغاشمة عام 2003.

مثل هذا التعاون يصب في مصلحتها جميعاً، مع تباين في مدى استفادة كل منها من ذلك، من جهة. ولكنه ليس في مصلحة الشعب العراقي والوطن وبناء الدولة الديمقراطية العلمانية والمجتمع المدني الديمقراطي، بسبب طبيعة النظام السياسي الذي تسعى جميع هذه القوى الإسلامية السياسية المعتدلة منها والمتطرفة، الناعمة منها والدموية، السنية منها والشيعية، إقامته بالعراق، حالما تصل إلى السلطة السياسية يتغير النهج الناعم إلى نهج سياسي عنيف وظالم ودموي. تتحول الأداة السياسية الديمقراطية التي تستخدمها للوصول إلى السلطة، إلى سلطة شمولية تريد فرض الإيديولوجية الدينية والمذهبية بكل ثمن وترفض كل الإيديولوجيات والآراء والمواقف السياسية الأخرى.

الأحزاب الإسلامية السياسية تريد وتعمل من أجل إقامة دولة دينية (أبوية!)، ثيوقراطية، سواء أكانت على شرائع المذاهب السنية أو الشيعية، فهي في المحصلة النهائية دينية، وأن كانت متصارعة فيما بينها لا على الدين والمذاهب، إذ إن هذا غطاء لا غير، بل على المواقع والمصالح والسلطة السياسية بالأساس، وهم لا يعترفون باستقلال السلطات الثلاث عن بعضها، فكل السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضاء، كلها بيد حديدية واحدة، سلطة دينية أبوية، بطرياركية.

من هنا تنشأ الضرورة القصوى في فهم حقيقة وأهداف وأساليب وأدوات عمل هذه الأحزاب. ماهرة وذكية في سبل تعاملها مع الشعب، الذي تشكل أكثرية فيه أمية سياسية ونسبة عالية أمية قراءة وكتابة، وأمية اجتماعية واقتصادية، وبالتالي يمكن للمرجعيات الشيعية والمؤسسات السنية والأحزاب الإسلامية السياسية، التي ترتبط بها علناً أو سراً مكشوفاً، أن تؤثر بقوة كبيرة على الجماهير الشعبية المؤمنة والتي لم يصلها التنوير الديني والاجتماعي وخضعت لعقود عديدة تحت الهيمنة الدكتاتورية والحملة الإيمانية! للبعث وصدام حسين، لصالحها وصالح الأحزاب التي تلتزم بها.

إزاء هذا الوضع العراقي المعقد والصعب يلاحظ المتتبع إن القوى المدنية والديمقراطية واليسارية غالباً ما تعجز عن إيجاد تعاون وتنسيق وتكامل في نضالها من أجل إقامة الدولة الديمقراطية والمجتمع المدني الديمقراطي؛ في حين هي أحوج ما تكون إلى مثل هذا التعاون والتنسيق والتكامل. ويمكن أن نشير لهذه الظاهرة السلبية إلى ما حصل في فترة النضال ضد دكتاتورية البعث وصدام حسين، حين تعذر فعلياً تحقيق ما هو مناسب من تحالف بين القوى الديمقراطية واليسارية. وغالباً ما تسيطر على أطراف هذه القوى الرغبة في الهيمنة أو رغبة الظهور بحجم أكبر من حجمها الحقيقي، أو تطرح شعارات يسارية تعجيزية، وبالتالي يتعذر عليها إيجاد لغة مشتركة، رغم إن مشتركاتها أكبر من اختلافاتها.

إن هذا الواقع يساعد قوى وأحزاب الإسلام السياسي ومرجعياتها ومؤسساتها المذهبية في ممارسة توزيع الأدوار فيما بينها بما يحقق ثلاثة أهداف جوهرية:

  • الدعوة إلى تخفيف صراعاتها وبذل الجهد لترتيب أوضاعها والعمل على إيجاد لغة مشتركة فيما بينها لتكون الأقدر على خوض المعركة السياسية.
  • سعي بعضها ضمن توزيع الأدوار إلى كسب قوى سياسية مدنية ديمقراطية ويسارية إلى جانبها، ثم قطع الحبل "بنص البير"، مما يزيد من مشكلاتها وتعقيدات العلاقات فيما بين القوى الديمقراطية واليسارية.
  • تنشأ هنا أمام القوى الديمقراطية واليسارية بعض الأوهام في إمكانية أو ضرورة الدخول في رهانات خاسرة ابتداءً، لأنها لا تنسجم أو تتناغم مع المبادئ والأسس والمناهج والأهداف التي تعمل بموجبها ومن أجلها القوى الديمقراطية واليسارية.

لقد أسيء فهم واستخدام مفهوم "الكتلة التاريخية المجتمعية" سياسياً، مما أدى إلى ما هو عليه الوضع الحالي، بالرغم من قول البعض بأن الأمور لم تنته بعد، والتحالفات لم تكتمل بعد، ووجود احتمالات أخرى في هذا الصدد.