العراق.. رعب القوى الدينية من ظاهرة الالحاد
بقلم: سمير عادل
إن الإلحاد عقيدة كما الدين عقيدة، ويحق لكل إنسان اعتناق أي دين وأن يكون متدينا بالمستوى نفسه يحق لأي إنسان أن يصبح ملحدا. بيد ان هذه المعادلة بالمساواة بين الملحد والمتدين لا تروق لا رجال الدين ولا الأحزاب الإسلامية بالتحديد. لأن الأحزاب المسيحية في الغرب مثل الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم في المانيا على سبيل المثال قبلت بهذه المعادلة على مضض و لذلك ليس لديها مشكلة مع الالحاد والملحدين، فالحركات التحررية في المجتمع ونضال البشرية المتمدنة والطبقة العاملة والحركة النسوية انتزعت حرية المعتقد من الكنيسة ورجال الدين وفرضتها على الدولة منذ فجر الثورة البرجوازية في فرنسا عام 1789.
هناك حديث طويل حول هذه المسالة ولا تسمح لنا المساحة المتاحة لنا في هذا العمود التطرق اليها، ولكن سنركز على الرعب الذي ينتاب الإسلاميين بجميع تلافيفهم بين الفينة والاخرى من عقيدة الالحاد او كما يسمونها انتشار ظاهرة الالحاد في العراق. فمثلا وبعد الحاق الهزيمة بجيش المهدي على يد المالكي وبدعم القوات الامريكية شكل مقتدى الصدر او لنقل التيار الصدري فرق المهدويين في المساجد تدرس الفقه والفلسفة والتاريخ وغيرها من المواد للتصدي للفكر الالحادي والعلماني في المجتمع كما اشاعوا في تلك الفترة.
اليوم تنظم أطراف ومراكز ابحاث ووسائل اعلام لأهداف اجتماعية وعلمية او مغرضة ومرتبطة بالدوائر السياسية والفكرية دراسات واستفتاءات تصب بالنتيجة في تحذير الأحزاب الإسلامية الحاكمة عن انتشار ظاهرة الالحاد في المجتمع العراقي سواء عن طريق تنظيم لقاءات مع شخصيات إسلامية لها مصالح ومرتبطة بالأحزاب الإسلامية، لا تفقه ولا تفهم عن الالحاد شيئا، وتكاد تكون شخصيات سطحية ومحافظة، او تعمل تلك الاطراف على تسويق "الالحاد" كظاهرة سلبية ودخيلة على المجتمع العراقي مثل امراض الملاريا والجدري.
في الحقيقة يجب توضيح مسالتين لا تروقان للأحزاب الإسلامية وتجار الدين والقساوسة والطبقة البرجوازية؛ على العموم التي نفذت ما في جعبتها من أيديولوجيات وافكار لتجهيل المجتمع وتخليد كل اشكال الظلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والقومي والعرقي والجنسي من اجل بقائها في السلطة، الاولى ان الالحاد عقيدة مثل التشيع والتسنن والمسيحية واليهودية والبوذية وغيرها من تلك الأديان ، بيد أن الفارق بين الاولى ومجموعة الاديان الاخرى، انها لا تنتشر بفعل الاقلام المأجورة والفضائيات ووسائل الاعلام المختلفة وبالأموال المدفوعة لها من خلال النهب والسلب في المجتمع، بل من خلال وضوح حقائق واصطدام الجماهير المؤمنة بماهية الدين ورجال الدين وقساوسة الدين، اصطدموا بداعش السني وبالمليشيات الشيعية وما ارتكبت من جرائم على جميع الاصعدة، من تعامل الغرب “المسيحي” المتمدن كأنظمة سياسية وتيارات واحزاب يمينية نظمت المجازر في بلدان الشرق وتأبى ان تستقبل اللاجئين والمهاجرين الذين قدموا اليها ، فشخص مثل دايفيد كاميرون الذي شغل منصب رئيس الوزراء البريطاني قبل تيرزا ماي يصرح وبشكل علني ودون اي حياء او خجل انه يجب المحافظة على هوية أوروبا المسيحية. وهكذا بالنسبة لدولة اسرائيل العنصرية والفاشية التي ثبتت الهوية اليهودية للدولة لتعامل غير اليهود كبشر من الدرجة الثانية. والحقيقة الثانية ان التطور العلمي والتكنولوجي الهائل في ميادين الطب والهندسة الوراثية والانترنيت والبايلوجيا والاستكشافات التاريخية لعمر الارض والحياة عليها واستحداث الرحلات للكشف عن حياة خارج كوكبنا فتحت الافاق الفكرية والذهنية للبشر في العالم ووضعت كل اساطير وحكايات وحدوتات رجال الدين تحت طائلة السؤال؟
إلا انه ليست هذه كل الحقيقة في “العراق الجديد” الذي قال عنه المالكي في اخر مقابلة لو لا حزب الدعوة لما كان وجود للعراق، وتغاضى وبشكل متعمد كي لا ينصدم هو نفسه بالكذبة التي اطلقها ان يقول اي عراق يقصد؟ فعراق اليوم وبفضل حزب الدعوة الذي قاد سلطة الإسلام السياسي الشيعي لما يقارب عقد ونصف، هو عراق الفقر والفساد والظلم الطائفي ومتخلف عن الركب الحضاري على صعيد الخدمات والتعليم والبنية التحتية، وفيه عصابات ومافيات مليشياتية وعشائرية تصول وتجول دون اي رادع. لنعود الى موضوعنا، فرجال الدين عرابي الأحزاب الإسلامية وسلطتها الجائرة نزعت او بددت الهالة ومزقت الثوب المقدس الذي كانت تختبئ تحته وتتستر على كل مفاسد الارض التي حملوها. فليس عبثا ان يرفع شعار ما زال اليوم يشتق منه شعارات اخرى “باسم الدين باكونا الحرامية”، اي بمعنى اخر كشف عن اللصوص الحقيقيين.
من هنا ينبع الرعب والخوف من انتشار “ظاهرة الالحاد”. ان عقيدة الالحاد تميط اللثام عن الحقيقة التي طالما حاول اخفائها رجال الدين، وهي شرعية وجودهم. انهم عرابي الفقر الذين صوروا الظلم بكل اشكاله بأنه امتحان وقسمة مقرر عليها خارج الارادة الانسانية، وخارج المحكمة الكونية، انه قرار صدر من الاعلى واداة تنفيذها هم رجال الدين كي تسود العدالة الإلهية التي تتلخص؛ بأن عضو البرلمان وعضو في الحكومة اي الوزير والمحكمة الاتحادية ووكلاء الوزراء والمدراء العامين ونوابهم الذين يتصارعون على مراكزهم اليوم بين الأحزاب الإسلامية، يكون راتب كل واحد منهم بين 4-7 مليون دينار شهريا ما عدا النثرية والمصاريف الاخرى في حين لا يحصل عامل العقود او الاجور في افضل الاحوال اكثر من 500 الف دينار شهريا ما عدا الملايين المعطلة من العاطلين عن العمل. واكثر من ذلك ان نفس نواب البرلمان الذين يباركهم رجال الدين ووممثلي الأحزاب الإسلامية يخططون للاستحواذ وسرقة قسم كبير من رواتب العمال والموظفين في القطاع الحكومي تحت عنوان “قانون الخدمة المدني الموحد”.
إن رجال الدين وأحزابهم ووممثليهم السياسيين يعتقدون بالكذبة التي صدقوها، بأنهم يمتلكون الحقيقة، حقيقة الكون و حقيقة الخلق، وبأنهم شرعيين ويرفضون اي تشكيك بشرعيتهم التي استمدوها من المال المسروق وسلاح المليشيات، لكن الحفاظ على مكانتهم وعلى تلك الحقيقة الزائفة بحاجة الى تحديث سلاح تحميق البشر والى قمع منظم بالقوة والى تدمير كل اركان العلم في المجتمع. عليهم ان يتأقلموا مع واقع سيحل عليهم يوما ليس ببعيد بأن العالم الذي سيأتي للعراق سيحولهم الى موظفين في الارشيف في متحف يسجل ظلم البشر في العراق على أيديهم. ليتعايشوا مع واقع اليوم على ان الالحاد عقيدة مثل الدين.