العراق.. قتل المحتجين جريمة إرهابية يلزمها التدويل
بقلم: هادي عزيز علي
اختلف فقهاء القانون في تعريف الإرهاب وذلك باختلاف سببه ، إذ قد يكون السبب سياسياً او أيديوجيا أو قانونياً أو عشوائياً ، وهذا الخلاف ليس حديث العهد بل إنه نشب منذ المؤتمر القانوني الذي عقد في وارشو 1927 ، وما فتأ الخلاف يدب فيه الى يومنا هذا ،
والذي يهمنا هنا وفي موضوعنا هذا التعريف القانوني، فالتعريف القانوني هو الآخر مختلف عليه باختلاف النظم التشريعية التي تتبناه هذه الدولة أو تلك. وبغية الوقوف على تعريف الإرهاب وحسبما توصلت اليه التشريعات الوطنية نجد نصه الوارد في قانون الارهاب رقم 13 لسنة 2005 والمطبق حالياً في المحاكم الجزائية العراقية. إذ يعرفه القانون المذكور بأنه :
" كل فعل إجرامي يقوم به فرد أو جماعة منظمة استهدف فرداً أو مجموعة أفراد أو جماعات أو مؤسسات رسمية أو غير رسمية أوقع أضراراً بالممتلكات العامة أو الخاصة بغية الاخلال بالوضع الأمني أو الاستقرار أو الوحدة الوطنية أو بإدخال الرعب والخوف والفزع بين الناس أو إثارة الفوضى تحقيقاً لغايات إرهابية"(المادة الاولى من القانون).
ولم يكتف القانون بالتعريف أعلاه بل عد بعض الأفعال أعمالا إرهابية وأوردها في القانون على سبيل المثال منها: العنف أو التهديد الذي يهدف الى إلقاء الرعب بين الناس أو تعريض حياتهم وحرياتهم وأمنهم للخطر وتعريض أموالهم وممتلكاتهم للتلف أيا كانت بواعثه وأغراضه يقع تنفيذا لمشروع إرهابي منظم فردي أو جماعي. كذلك العمل بالعنف والتهديد على تخريب أو هدم أو إتلاف أو أضرار عن عمد ... للاماكن المعدة للاستخدام العام أو الاجتماعات العامة لارتياد الجمهور. ويعد كذلك عملاً ارهابياً الاعتداء على السفارات والهيئات الدبلوماسية في العراق كافة. إضافة الى أن العمل الإرهابي يشمل استخدام أجهزة متفجرة أو حارقة مصممة لإزهاق الأرواح وتمتلك القدرة على ذلك أو بث الرعب بين الناس بطري التفجير أو إطلاقه. فضلاً عما تقدم يعد عملاً إرهابياً خطف أو تقييد حريات الأفراد أو احتجازهم أو للابتزاز المالي لأغراض ذات طابع سياسي أو طائفي أو قومي أو ديني أو عنصر نفعي من شأنه تهديد الأمن والوحدة الوطنية والتشجيع على الارهاب (المادة الثانية من القانون بفقراتها المتعددة).
تثبت الجريمة الارهابية على مرتكبها عند تحقق أركانها. وأركان الجريمة بشكل عام هي الركن المادي وهو الفعل المرتكب الذي يقوم به الفاعل في تنفيذ جريمته. والركن الثاني هو الركن المعنوي اي القصد الجنائي والنية الآثمة المصرفة لارتكاب الفعل. البعض ويضيف ركنا ثالثا يقال له الركن الشرعي، أي النص القانوني الذي يجرم الفعل على اعتبار أن لا جريمة ولا عقوبة الا بنص. إلا أن بعض الجرائم تتطلب ركناً خاصاً والركن الخاص لا تتحقق به الجريمة إلا بثوته فعلى سبيل المثال إن بعض الجرائم لا تتحقق إلا إذا كان الفاعل يتصف بصفة الموظف. عليه تعد الجريمة الإرهابية من الجرائم التي يضاف لها ركن افتراضي (الركن الخاص) حتى يمكن أن يقال عنها جريمة إرهابية .
وبغية الوقوف على الافعال التي استهدفت المحتجين في ساحات التظاهر وفيما اذا كانت ينطبق عليها وصف الارهاب من عدمه، فلا مناص والحالة هذه إلا بذكر أركان الجريمة وفيما إذا كانت الاركان تلك تحوز الوصف الارهابي من عدمه نبينها على الوجه الأتي :
الركن المادي – هو السلوك الذي يرتكبه الجاني والذي تترتب عليه العدوان على حق يحميه القانون مع وجود العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة. وهذا يعني عدم مشروعية السلوك الواقع على المجني عليه من الوجهة القانونية. كما أن المشرع العراقي لم يشترط التنظيم في ذلك السلوك اي أنه يعد فعلاً ارهابياً سواء وقع من فرد أو جماعة. وتحقق النتيجة الجرمية بوقوع الضرر الذي يلحق بالأشخاص أو الأموال، ولم يكتف المشرع بالضرر كنتيجة جرمية، بل أن مجرد التعرض للخطر بحد ذاته مدعاة لوصف الفعل بالإرهابي. وعند تطبيق الافعال – السلوك - التي طالت المحتجين فأنها عدوان على حق يحميه الدستور وهو حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وحرية التعبير عن الرأي (المادة 38 من الدستور)، وإن ذلك السلوك المقترن باستخدام الأسلحة المختلفة الصادر عن الأفراد أو المجاميع أدى الى الضرر سواء بالوفاة أو الإصابة أو الاحتجاز فضلاً عن تعرض الآخرين للخطر. وبذلك يكون الركن المادي للجريمة الارهابية متحقق في السلوك المنسوب للإفراد أو الجماعات .
الركن المعنوي – الركن المعنوي للجريمة الارهابية المتمثل في النشاط الذهني والنفسي والارادة الآثمة المنصرفة لإيقاع الضرر بالمحتجين أو تعريضهم للخطر. وقد تجلى هذا الركن بشكل واضح بقيام الافراد أو المجاميع بإطلاق الرصاص الحي أو اطلاق العبوات التي يقال عنها مسيلة للدموع والتي اثبتت التجربة انها عبوات لا تستعمل الا في الحروب لفعلها الفاتك، مما يؤكد تحقق الارادة العمدية المنصرفة للقتل والايذاء للمحتجين ما دام تواجدهم مستمر في ساحات الاحتجاج وإن نية الفاعل تتجلى في إزاحتهم من تلك الأماكن وإلا فالسلاح بالنسبة له هو الفاصل، وفي هذا التوجه فإن الركن المعنوي يظهر في أوضح صوره .
الركن الخاص للجريمة الارهابية (المشروع الارهابي) – يختتم نص المادة الثانية من قانون الارهاب بالجملة الاتية: (... تنفيذاً لمشروع ارهابي منظم فردي أو جماعي). إذ كثرت تعاريف المشروع الارهابي الواردة في أدبيات فقهاء القانون الجزائي، فما هو تعريف المشروع الارهابي؟ واختصار نورد التعريف الذي أطلقه وزير العدل الفرنسي الأسبق عندما قال: إن المشروع "هو المشروع الذي يشمل هدفاً موجوداً من قبل ومصمماً عليه خطة متفق عليها تعبر عن جهود متناسقة بغرض الوصول الى الهدف المطلوب". أي أن هدف الفاعل تطلب وقتاً للتروي والتفكير والتنظيم والتنسيق من خلال مشروعه الهادف الى إخلاء ساحات الاحتجاج وتثبيط النداءات الجماهيرية النازعة نحو التغيير ومن ثم الإبقاء على الوضع السياسي الراهن، لذا فالركن الخاص للجريمة الإرهابية يتجلى في أوضح صوره في الافعال المسلحة المدافعة عن النظام السياسي القائم الذي خطط له على مهل مع العزم على التنفيذ، وهوما يفسر أحجام الحكومة عن حماية المحتجين العزّل أمام فتك الاسلحة المختلفة. عليه واستناداً لما تقدم فان الأعمال المسلحة الموجهة ضد المحتجين تعد أعمالاً إرهابية لتحقق أركان الجريمة الارهابية وعلى وفق النصوص الواردة في قانون الإرهاب رقم 13 لسنة 2005. فضلاً عن ذلك فأن العديد من المنظمات الدولية اعتبرت تلك الافعال جرائم ارهابية، وقد وصلت التصريحات تلك الى سمع الحكومة والعناصر المسلحة بشكل واضح ومباشر .
إن تخلي الحكومة عن حماية مواطنيها وهو أحد أهم واجباتها الدستورية المتمثلة في الحفاظ على أرواح المواطنين وحرياتهم وأموالهم وعجزها عن لجم العناصر المسلحة التي تفتك بشباب الانتفاضة وترك تعرض المحتجين عرضة للأخطار المتفاقمة من دون رادع أو عقاب، وبغية إيقاف حمام الدم الذي يجعل الحكومة في وضع المتفرج، وعدم وجود بارقة أمل في صد المسلحين ومنعهم من الاستمرار في ارتكاب جرائمهم، لذا يكون من الأولى لا بل من الواجب على الأمم المتحدة أن تقوم بتدويل حماية المحتجين واتخاذ ما يلزم لذلك خاصة وإن وخلفها الثروة التشريعية الأممية الكبيرة لفعل ذلك ، المتمثلة ابتداءً من ميثاق الأمم المتحدة 1945 مروراً بالإعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 وقراري مجلس الأمن المرقمين 1372 لسنة 2001 و 1566 لسنة 2004 والقرارات اللاحقة لهما والذي تسهل مهمة الأمم المتحدة في حماية المحتجين، إضافة الى أن العديد من الدول آخِرها الـ (16) دولة من ضمنها الولايات المتحدة الامريكية شجبت بشدة تلك الأفعال الموجهة ضد المحتجين يمكن عدها أعمالا تمهيدية لتدويل الحماية. ونرى لزاماً أن تتم المبادرة لطلب الحماية ولو من ساحات الاحتجاج.