العراق يتمسك بالوجود الأميركي لتأمين الغطاء الجوي لأراضيه

لجنة الأمن والدفاع النيابية العراقية تقول أن إمكانيات العراق الجوية غير كافية لضبط الأجواء المشتركة مع دول الجوار، ولذلك فإن بقاء قوات التحالف الدولي أمر مطلوب وواقعي.

بغداد – يزداد التعقيد في ملف الوجود العسكري الأميركي في العراق الذي يتداخل فيه الأمن والسياسة والاعتبارات الإقليمية والدولية، في ظل تصريحات رسمية تؤكد الحاجة إلى بقاء التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في البلاد بسبب التهديدات الأمنية المتصاعدة، بينما تواصل الميليشيات الموالية لإيران المطالب بالانسحاب الأميركي.  

وأكدت لجنة الأمن والدفاع النيابية العراقية حاجة العراق إلى استمرار وجود قوات التحالف الدولي لتأمين الغطاء الجوي للأراضي العراقية، في ظل التحديات الأمنية المتزايدة التي تشهدها المنطقة، وذلك بعد يومين من تصريحات وزير الدفاع ثابت العباسي الذي شدد في مقابلة مع قناة "العربية"، الجمعة أن بقاء قوات التحالف الدولي في سوريا "أمر مطلوب"، مشدداً على أن "أمن العراق جزء لا يتجزأ من أمن سوريا".

وأضاف العباسي إن التنسيق مع التحالف الدولي مستمر، وإن "بغداد لم تتلق أي إشعار رسمي بشأن تغيير مواعيد انسحاب قوات التحالف، ولا طلباً لزيادة عديد القوات الأميركية".

وأعادت تصريحات العباسي الزخم إلى هذا الملف وسط مؤشرات تبين أنه لا انسحاب يلوح في الأفق خلال الفترة القادمة، لاسيما مع مخاوف السلطات العراقية من تبعات الانسحاب وعدم وجود رغبة أميركية واضحة بالانسحاب.

وقال النائب عن اللجنة ياسر اسكندر وتوت، لوكالة شفق نيوز المحلية إن "العراق يحتاج إلى دعم لوجستي وجوي كبير لتأمين أجوائه، خصوصاً أن ما يمتلكه من إمكانيات جوية غير كافٍ لضبط الأجواء المشتركة مع دول الجوار، ولذلك فإن بقاء قوات التحالف الدولي أمر مطلوب وواقعي".

وأشار إلى أن "الجهود الأمنية التي تقودها وزارة الداخلية، وقيادة قوات الحدود، مدعومة بالقوات الأمنية، نجحت في تأمين الشريط الحدودي مع سوريا بشكل محكم"، مضيفاً "اطلعنا ميدانياً على تلك الجهود التي تشكّل دعامة أمنية مهمة، لكننا لا نزال بحاجة إلى الغطاء الجوي لتعزيز الاستقرار هناك".

ولفت وتوت إلى أن ما دعا إليه وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي، في تصريحاته حول ضرورة بقاء قوات التحالف، "يمثّل موقفاً واقعياً، كون التحالف يمتلك أسطولاً جوياً مؤثراً في تأمين أجواء العراق"، مشيراً إلى أن العقود الحكومية الأخيرة لشراء 14 طائرة حديثة "لا تكفي لتغطية كامل الحاجة، كما أننا بحاجة إلى موازنة خاصة لدعم وزارة الدفاع، ورفد القوة الجوية بكفاءات جديدة".

ورأى الوزير العراقي أن بقاء القوات الأميركية في سوريا "ضروري لمواصلة مواجهة بقايا داعش، التي لا تزال موجودة وتهدد الاستقرار الإقليمي".

وأكد أن التنسيق مع التحالف الدولي مستمر، موضحا أن بغداد لم تتلق أي إشعار بشأن تغيير مواعيد انسحاب قوات التحالف من العراق، ومن المتوقع إخلاء بعض المواقع في نهاية سبتمبر/أيلول والانتقال إلى كردستان. وقال العباسي "لم نستلم أي إشارة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تغيير القرارات، ولم يُطلب منا السماح بزيادة عدد القوات الأميركية في العراق".

وأتت تلك التصريحات بعد أيام على تأكيد المبعوث الأميركي إلى سوريا توم باراك، أن الولايات المتحدة بدأت تقليص وجودها العسكري على الأراضي السورية وتهدف إلى إغلاق كل قواعدها في هذا البلد باستثناء واحدة. فيما تتخوف السلطات العراقية من تسرب بعض عناصر التنظيم الإرهابي من الداخل السوري إلى أراضيها، بعد التجربة التي عاشها البلدان عام 2014.

وكان البنتاغون قد أعلن في نيسان/أبريل الماضي عن تقليص عديد قواته في سوريا إلى أقل من ألف جندي، ضمن عملية إعادة انتشار مشروطة تهدف إلى تقليل الحضور العسكري من دون المساس بالأهداف الأمنية.

في المقابل، تتمسك الفصائل الشيعية الموالية لإيران بالمطالبة بالانسحاب الأميركي آخرها على لسان المسؤول الأمني للمقاومة الإسلامية كتائب حزب الله الحاج أبو علي العسكري، الذي دعا عبر تغريدة على أكس إلى الخروج الكامل من العراق.

وقال الحاج العسكري "ننتظر ونراقب عن قرب انسحاب قوات الاحتلال الأميركي المجرم من العراق والمواقع المتفق عليها مع الحكومة العراقية، وأولها الخروج الكامل من العمليات المشتركة، وقاعدة عين الأسد، ومعسكر فيكتوريا (المطار)، وإخراج طائراتهم التجسسية والحربية من سماء العراق".

وعلى الضفة المقابلة، ترى أحزاب منافسة من السنة والأكراد ضرورة استمرار الوجود الأميركي كعامل توازن ضد النفوذ الإيراني المتزايد، وضمان استقرار البلاد في ظل الأوضاع الإقليمية المضطربة.

وأجريت محادثات ضمن إطار اللجنة العسكرية العليا المشتركة بين بغداد وواشنطن، والتي شُكّلت عام 2023 بهدف مناقشة مستقبل الوجود العسكري الأميركي في العراق، وتحديد آلية انتقال العلاقة من الإطار القتالي إلى التعاون الأمني الثنائي، بما يشمل التدريب والدعم الاستخباري.

ويتوزع الوجود العسكري الأميركي الحالي في العراق على عدد من القواعد، أبرزها قاعدة عين الأسد في الأنبار وقاعدة حرير في أربيل، ويقدَّر عدد القوات بنحو 2500 جندي، يؤدّون مهام تتعلق بمحاربة فلول تنظيم داعش وتقديم الدعم اللوجستي للقوات العراقية، ضمن إطار التحالف الدولي.

وكان البرلمان العراقي قد صوّت مطلع عام 2020 على قرار يُلزم الحكومة بوضع جدول زمني لإنهاء الوجود الأجنبي، وذلك عقب التوترات المتصاعدة إثر اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد.

ورغم الضغوط السياسية من قبل أطراف سياسية شيعية عراقية، تؤكد الولايات المتحدة أن أي انسحاب يجب أن يتم بالتنسيق الكامل مع بغداد وبما يضمن عدم عودة التهديدات الإرهابية، مشددة على أن الملف لا يزال قيد التفاوض من خلال القنوات الرسمية المشتركة.