العراق ينفي عرضه مهلة أميركية بأسبوعين على طهران لتفكيك الميلشيات
بغداد - تجد الحكومة العراقية نفسها في موقف لا تُحسد عليه، وهي تحاول السير بخطى متزنة بين الضغوط المتزايدة من الولايات المتحدة وإيران. وجاء البيان الأخير لوزارة الخارجية العراقية لينفي بشكل قاطع تقارير إعلامية تحدثت عن "مهلة أميركية" بأسبوعين طرحتها واشنطن على طهران عبر الوسيط العراقي لإخراج الفصائل المسلحة من الأراضي العراقية، مما يعكس حجم الحساسيات والتحديات التي تواجهها بغداد في إدارة علاقاتها الخارجية، خاصة مع قوتين متنافستين لهما تأثير عميق داخل العراق.
وقد أصدرت وزارة الخارجية العراقية بياناً حاسماً يفند فيه ما نُشر عن رسالة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب نُقلت عبر وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى القيادة الإيرانية. البيان وصف التقرير بأنه "مضلل" و"غير مهني"، واتهمه بنشر معلومات "كاذبة" تهدف إلى "تشويه صورة العراق" و"تضليل الرأي العام".
وقالت الوزارة أن "ما ورد في هذا التقرير لا يستند إلى أي مصدر رسمي، ويُعدّ نموذجاً لممارسات إعلامية غير مهنية تهدف إلى بث معلومات مغلوطة وكاذبة، والتأثير سلباً في الرأي العام من خلال محاولة ممنهجة لتشويه صورة العراق".
وحذرت من أن "البيانات والتصريحات الرسمية الصادرة عن الحكومة العراقية ووزارة الخارجية هي المصدر الوحيد المعتمد لأي معلومات تتعلق بالسياسات الخارجية للعراق، وذلك استناداً إلى مبادئ الشفافية واحترام القانون الدولي".
ويعكس هذا النفي الرسمي أيضاً قلقاً متزايداً في الأوساط الحكومية من استغلال الإعلام في الصراع الأميركي الإيراني على الأراضي العراقية، خاصة وأن العراق كان ولا يزال ساحةً للصراع غير المباشر بين الطرفين.
وتسعى الحكومة العراقية من خلال هذا البيان للموازنة بين أطراف متنازعة على أرضها. فمن جهة، تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً مباشرة وغير مباشرة عبر التلويح بالعقوبات أو خفض الدعم، مطالبة بغداد بالحد من نفوذ الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، التي تصنفها واشنطن كـ"ميليشيات خارجة عن القانون". ومن جهة أخرى، تواصل إيران دعم حلفائها داخل العراق سياسياً وعسكرياً، وتعتبر وجود هذه الجماعات جزءاً من نفوذها الاستراتيجي في المنطقة.
العراق، من ناحيته، يؤكد التزامه بسياسة الحياد الإيجابي، والسعي لتجنب التورط في صراعات المحاور. لكن الواقع على الأرض أكثر تعقيداً، خاصة في ظل وجود جماعات مسلحة لها تمثيل سياسي وتأثير أمني يصعب تجاوزه.
والمتابعون للشأن العراقي يرون أن الحكومة الحالية تحاول جاهدة تخفيف حدة الضغوط، مستفيدة من الحوارات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه، حريصة على عدم خسارة علاقاتها الوثيقة مع طهران، التي تربطها بالعراق أبعاد دينية، اقتصادية، وسياسية عميقة. وبالتالي فان بقاء الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران يشكّل نقطة توتر رئيسية في العلاقات الأميركية-العراقية، ويضع بغداد في قلب التجاذبات الإقليمية والدولية.
وفي هذا السياق، يُفهم تحرك الحكومة لتأكيد موقفها الرسمي، عبر نفي التقارير المغلوطة، كرسالة موجهة إلى الطرفين: بأن بغداد تريد أن ترسم سياستها الخارجية بناءً على مصالحها الوطنية أولاً، وليس وفق إملاءات خارجية.
وفي ظل ما تشهده المنطقة من تغيرات جيوسياسية تبدو الحكومة العراقية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بوضع استراتيجية واضحة للسياسة الخارجية، تستند إلى مبادئ السيادة الوطنية، وتحقيق التوازن مع القوى الإقليمية والدولية.
إن الموقف من الفصائل المسلحة، والخطاب السياسي المتعلق بالوجود الأميركي والإيراني في البلاد، لم يعد مجرد ملف أمني أو سياسي، بل هو مسألة كرامة وطنية ومصلحة استراتيجية، سيكون لهما تبعات على مستقبل الاستقرار السياسي والأمني في العراق.
وبينما تنفي الحكومة العراقية ما وصفته بـ"الأكاذيب الإعلامية"، تظل التحديات أمامها داخلية بالدرجة الأولى، إذ أن حسم مسألة السلاح خارج إطار الدولة، وتعزيز سيادة القرار الوطني، هو الطريق الوحيد للخروج من دائرة الاستقطاب الإقليمي. فطالما ظل العراق رهينة تجاذبات الخارج، فإن استقلالية قراره السياسي ستبقى عرضة للتشكيك، وأمنه الداخلي في مهب رياح التوترات الدولية.